الطبيعــة في شعــر الأميــر القمنــــــدان

> محمد فاضل حسين

> كانت الطبيعة أحدى الموضوعات التي تناولها الشعراء في اليمن قبل القمندان، وكانت أعظم الإبداعات الشعرية تلك التي قالها الحميد ابن منصور، وعلي بن زادي، ويذكر المقالح في كتابه شعر العامية باليمن أن أهم المساهمات الشعرية في مجال الطبيعة جاءت في قصيدتي "البلح للانسي"، "ووادي الدور للعنسي" بما تميزتا به من نفحات رومانسية باكية وحزينة، ويأتي الشاعر القمندان في النصف الأول من القرن العشرني ليضيف مساهمات واسعة وهامة في مجال شعر الطبيعة في اليمن، بل ويحقق إنجازات متميزة عما سبقه من شعراء الطبيعة، ويمكننا أن نلحظ هذا التميز من ناحيتين أساسيتين.
أولهما: يتعلق بموقفة ورؤيته من الأرض.
وثانيهما: بما قدم من مساهمات شعرية ذات خصائص وسمات جديدة ومتفردة.
ونبدأ بالنقطة الأولى لنقول إن القمندان قد نشأ معظم سنين حياته في واحة لحج الخضراء، وينتمي إلى أسرة مالكة للأرض، وكان للأرض دور كبير في تعزيز مركزها وثرائها وحكمها، وهذا المثلث، القائم على أساس النشأة والإقامة والامتلاك، كان له أثر فاعل في تكوين نفسية القمندان وثقافته، وخلق لديه رؤية متميزة تتجلى بقوة الارتباط بالأرض، وبالحب العميق للريف، والعشق الهائم بمظاهر جمال الطبيعة بمختلف أشكاله وصوره. إلى حد رأى فيه القمندان جمال الطبيعة هو أكمل الجمال وأتمه على الإطلاق.
يقول القمندان: (ص18)
هكذا الحب كامن في فؤادي لحقول النبات والزهر والحناء
كلما مال في الحدائق غصن ذو زهور طفقت شماً ولثما
كلما زادت الزهور نمواً ظهر الحب في الحشائش إنما
ويكتب القمندان قصائد عديدة يفضل فيها الريف على المدينة، كما جاء في قصائده، ربِّ أصلح لنا الشأن ص 56، على شاطئ البحيرة ص 93، يكبرياتين ص 96، بعد ما راح الهلي107، ياحمام الحيط 114، وغيرها.
يقول القمندان: (ص67)
بامعك وانته سؤلي حيث ما حليت ولعاد أبا الحوطة ولا الشيخ عثمان
في رياض الحسيني يا صباح الباكري غن سمعنا شجن نغمة الدان
حيثما الراج وافي فيه والماء الصافي حيثما يسجع غبش قمري البان
وما هو مهم وجدير بالملاحظة أن هذا النهج القمنداني لم يكن نهجاً رومانسياً، فالقمندان بقدر ما يتحد مع هذه المدرسة في حب جمال الريف، ولكنه يختلف معها في أسباب هذا الحب. فالقمندان لم يذهب إلى الريف هارباً حزيناً باكياً، كما هو الحال عند شعراء الاتجاه الرومانسي، بل نشأ في الريف وأحبه، ولديه رؤية لتغييره ليغدو أكثر جمالا،ً وقد عرف عنه أنه أنشأ بستان الحسيني في لحج وحوله إلى مركز للنشاط الفني والثقافي، ويختلف القمندان كذلك بسمات شخصيته المتميزة بالشجاعة والإقدام والجرأة، وقوة مواجهة معارضيه، ورفضه لنزعات اليأس والاستسلام، ومثل هذه السمات لا يمكن لصاحبها الارتماء في أحضان الرومانسية.
أما النقطة الثانية الخاصة باهم مميزات وخصائص شعر القمندان في مجال الطبيعة وأهم مجالات التجديد الذي أجراها فيمكننا تحديد أهمها بالآتي:
1 - القمندان أكثر شعراء اليمن قديماً حديثاً من حيث استخدامه لمعجم الطبيعة، فنجد في أشعاره حشد هائل من مسميات النباتات والزهور والطيور والحيوانات، وأسماء الحقول الزراعية والوديان، وهو أكثر استخداماً لمعجم الزراعة بما يشمل من عمليات زراعية مواسم ونجوم وسماد وري، وهذه سمة بارزة ونجاح لم يسبق إليه أحد ولم يصل إليه من جاء بعده من شعراء القرن العشرين.
2 - القمندان يري في جمال الطبيعة أكمل الجمال وأتمه كما ذكرنا سابقا،ً لذلك شبه كل جمال بشري في الطبيعة، بل وذهب إلى حد المزج والوحدة بينهما، فالطبيعة عنده هي الحبيبة، والحبيبة هي الطبيعة.
يقول القمندان:
الورد من زهر خده والعسل من لعابه
باجني من الموز ذي صفر حلي في قتابه
3 - امتازت معظم اللوحات القمندانية التي رسمها لجمال الطبيعة بالتصوير الرائع بالربط الوثيق مع موضوعه وأحساساته الرقيقة ومشاعرة الصادقة، مما أكسبها فعالية، وتأثير عظيم واستطاع أن يحقق نجاحات في مجال الصورة والوصف بامتداد مساحتها، وإشراك عناصر الصوت والحركة والروائح وبشكل لم يحققه سابقيه.
يقول القمندان في قصيدته باتحمم على شاطئ البحيرة (ص93)
في الحسيني من الفواكه كثيرة * والقنص والجامبو جاد خبرة
ياسقى الزهر ف يتلك المطيرة * والفصون الراوية والخضيرة
والسواقي مناظرها نضيرة * ونسيم الصبا شاذي عبيره
ياسحب طالعه من حبل صيرة * موسم الخير يا ساعة مطيرة
في ليالي صفا بيضاء قصيرة * تحتنا الماء يجري في قديره

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى