اختطاف جوال في عز النهار !!

> سالم فرتوت

> كان حلمه فاختطفه ذات ظهر من يد صاحبه، فولى هاربا يجري بأقصى ما يستطيع من سرعة وفي لحظات غاب عن الأنظار التي لم تتبين وجهه المخفي بلثام.
وقف صاحب الجوال ذاهلا لا يدري ماذا يفعل؟ فقد أربكه الفتى ذو السادسة عشرة، حين كان يهم بإجراء مكالمة بأن خطف هاتفه الفخم لفت الحادث نظر الذين كانوا قريبين منه، لكن أحدهم لم يفعل شيئا، فراحوا يعلقون: (سرقة في عز النهار)؟! وانتبه باعة الخضار وآخرون فاتهم المشهد إلى أن ثمة حدثا ما، فجعلوا يتساءلون ويجيبهم من رأى شخصا ملثما، وهو يخطف هاتف المدير (ع .س)، بعد أن غادر سيارته ومشى باتجاه إحدى البقالات.
وكان الفتى، الطالب بالصف الأول الثانوي في ذلك اليوم، قد غادر مدرسته قبل انتهاء الدوام المدرسي، وفي نيته فعل أي شيء ليظفر بجوال يباهي به زملاءه، ويلفت به أنظار البنات.. ويتمكن من الاستمتاع بما يقدمه ذلك الجهاز العجيب من خدمات كثيرة، حيث إن هذا الجهاز يمكنك من الاتصال بمن تشاء في أي وقت، أو يمكن الآخرين من محادثتك، فمجرد أن تسمع رنينه، اضغط على زره الأخضر وارفعه باتجاه أذنك وخوضا فيما يروق لكما من أحاديث.. وياللروعة عندما تكون المتصلة فتاة جميلة، تبادلها حديثا وديا ! كما يفعل أصحابه ممن امتلكوا قبله جولات أثارت عجبه وغبطته، فهذا أحدهم يهمس له وقد ترنم جواله بأغنية ما فيقول له: (إنها م...)، فيسأله (وكيف عرفت؟) فينهض فخورا وقد ابتسم ابتسامةً هي مزيج من الفرحة بحبيبته وسخرية منه.. فيتركه محتارا (كيف عرف أنها م)، ويزداد لهفة إلى الدخول في هذا العالم، عالم الهواتف المحمولة التي ما انفك مفتونا بها منذ أن انتشرت ووقعت عليها عيناه.
وكان عمره حينها سنين ست، فإذا ما رافق أحد إلى أسواق المدينة لم يعدم يرى أشخاصا يحملها بعضهم في أيديهم، وثمة من يضعها في محفظة صغيرة بارزة عند خصره، ومرتبطة بحزام مئزره أو سرواله، ويتطلع إلى بعضهم وقد ألصق الجوال بأذنه وتتابعه عيناه وهو يسير ويتحدث، وقال لأبيه (أريد جوالا)، ولم يحققوا له أمنيته بتلفون جوال حقيقي، واستعاضوا عن ذلك بتلفون لعبة.
وتنقضي الأيام والسنون ويتضاعف عدد حاملي الجوالات، ويحقق بعض الآباء المقتدرين لأبنائهم أحلامهم في امتلاك ذلك الجهاز العجيب، أما هو فحال فقر أهل بيته وبين الظفر بجوال كبعض أترابه واكتفى بأن عوض عن تحقيق أمنيته بالإبقاء على حلمه.. فكان يترك لخياله الطفولي أن يفترض تحقيق المحال.
(هاهو أبوه قد عاد ذات يوم وفي يده علبة ورقية مربعة مقواه مزخرفة بألوان شتى، ويناديه سعيدا كعادته عندما يناديه إذا ما ابتاع له دمية أو لعبة ما) وهذه المرة يحمل له مفاجأة سارة!
وترى ما سيكون ردة فعل أبيه إذا ما علم أنه اليوم قد حقق حلمه؟ اليوم فعل ما خطط له أو مما ظل وأمسى يخطط له منذ أيام، ولكنه تردد وكاد أن يعزف عن تنفيذ الفكرة، لولا إلحاح هذه التعلق الذي كبر وكبر معه، وفاقمه في نفسه الكثير من أترابه بجوالاتهم على اختلاف أنواعها واتفاقها في ما تقدمه لهم من متعة، فهي تصور أن أردت أن تصور، وهي تسمعك الأغاني التي تحبها، وتسجل بالإضافة إلى أنها تسهل محادثة من شئت ويالها من سعادة عندما ترن النغمة التي برمجتها على رقم فتاة تبادلك الحب!
غاب الفتى عن الأنظار، بل وابتعد عن المكان الذي خطف فيه جوال المدير (ع.س)، أو قل الفاسد (ع.س) أو ليس مدير، وما دام مديرا فإنه سارق يختلس المال العام، ويقبل الرشاوى، وحلال سرقته، وقد سعد به الفتى عندما غادر سيارته ورآه وجواله في يده، تطلع إليه حذرا سعيدا، كما يتطلع السبع الجائع إلى فريسته، مع الفرق بينه وبين السبع؛ فالسبع يقتل الفريسة ليشبع جوع معدته، في حين أن الفتى لن يقتل، ولكنه سيقدم على حركة من حركات ابتكرها أو قل خططها لتتناسب كل منها مع الموقف أو الحالة التي سيواجهها، ومن ضمنها هذه الحركة، فمن على بعد خطوات أخذ بالجري باتجاه هدفه، وفي تلك الأثناء كان المدير إياه يهم بالاتصال خط الفتى جواله الذي كان آخر ما جادت به أيادي صانعي الجوالات وفي غضون لحظات غاب عن الانظار!
سالم فرتوت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى