همس الدقون

> عبدالله قيسان

> شعر رأسه محلوق صلعة .. يحاول تغطيتها (بكشيدة) تسربلت على صدغيه وخلفه، شواربه منتوفة(منـَطبة) ولحيته سوداء كثيفة طولاً على عرض : طويلة تتدلى على صدره وعريضة تحجب رقبته وتكاد تصل إلى منكبيه، الثوب العربي القصيريكشف عن لحمة الساق القوية.. نظراته المركزة الساخطة للناس المتسوقين وهو يرى النساء يَصُلن ويَجـُـلن بين متاجر المواد الغذائية ومعارض الأقمشة والموضة، وكان يراقب كوكبة من البنات وهن يتجولن وسط الزحام، مستمتعات بالأصائل الشتوية، والضحكات مشرقة على وجوههن، وكن يستعرضن عباياتهن المطرزة بآخر موضات التفصيل، متباهيات بنغمات جوالاتهن التي تسمع لمسافات، وبراقع شفافة تكاد تسفر عن أحمر الشفاة وأسنان ناصعة البياض.. وهو هناك مقتعد الرصيف بالقرب من المسجد يراقب المشد بحقد، يعض شفته وتسمع أسنانه تنطحن غضباً، وانفعاله يزداد مع حركة البنات شيئاً فشيئاً حتى وضعن أقدامهن على عتبة الكافتيريا، فوثب بحركة لا إرادية متخيلاً سيفاً بيده، ليصطدم صدفة ًبصديقه (عبدالرحمن) فتعانقا حتى تلامست اللحى وسُمع حفيفها، ومضيا في الزحمة متعانقين:
ـ هوّن عليك يارجل، أراك متكدراً (قال عبدالرحمن)
ـ لا أبداً .. بعض المناظر المزعجة (رد بعبوس وغضب)
ـ هيا .. هيا
ووجدا باب المسجد مفتوحاً، فدخلا، فإذا الشيخ يدير حلقةً مصغرة، فآثرا الاستفادة من وجوده ليستفتيا في بعض الأمور.. كان الشيخ يجلس في محراب المسجد وأمامه نفر من الشباب بعضهم اكتملت لحاهم وآخرون مازالت لحاهم ناشئة.. كان المسجد هادئاً والحديث هامساً لخصوصيته، فالحاضرون هم النخبة المعتمدة لدى الشيخ، وحين أقبل عبدالرحمن وزميله انفرجت أسارير الشيخ، فأشار لهما بالجلوس من يده حتى لايقطع حديثه.. جلسا مكملين الحلقة.. كانت الشمس مائلة للغروب والأنسام الشتوية تتسلل إلى ردهات المسجد الواسعة والهدؤ الذي يطغي على المكان ، شجع سرباً من الحمام على الهبوط في صحن المسجد من أعلى المنارة، وأخذ في الصول والتغريد.. وبعد مناقشات معمقة وفتاوى قاطعة في الداخل، ختم الشيخ الحلقة بالرد على استفتاء (عبدالرحمن) حول تضايق بعض الزوجات من كثافة اللحية عند المعاشرة؟ خفض الشيخ صوته وهو يرد على السؤال:
ـ لاتصدق يا أخي، النساء أكثر استمتاعاً بدبيب الشعَـر من أن تكون أمرد مثلها!
وهكذا ارتفعت الأيادي لمداعبة اللحى، ثم أضاف:
ـ بارك الله فيكم ، اللهم اجعل لحاكم غانمة.
ـ آمين ! ( رد الجميع بصوت واحد)
انفضت الحلقة، فتفاجأ الحمام بخروجهم وطار مذعوراً في السماء البعيدة.
عبدالله قيسان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى