شام

> أعياد عامر

> تلك العروس الجميلة في العشرين من عمرها ياسمينة حبلى بوطن
أنجبت ضحكات أطفال في اللاذقية وزخات مطرٍ في حلب
ليلة شتوية أمام مدفأة
سهرة
ومناقيش ساخن على قاسيون
فرحة عيد اختلطت بتيار دافئ خرج
من ثغر طفلة..
شام
حمامة سلام
في ساحة المسجد الأموي
حلقت في سماء الحميدية
حطت على تمثال صلاح الدين...
قنينة عطر مثلما قال نزار
هكذا عهدتها عيناي الصغيرتان
كنتُ في العاشرة حينها
وكان الطريق الطويل إلى مدرستي هو سفري الوحيد وغربتي الوحيدة في الوقت ذاته
لم أشعر حينها بالغربة
كانت شجيرات الطريق تحضنني فتمنعني من الهرولة في المنحدرات المعبدة
زخات المطر أيضا ومظلتي لم تفارقاني ....
آه والياسمينة لا تتوقف عن الغناء تغني لي كل صباح (نسم علينا الهوى من مفرق الوادي يا هوى دخل الهوى خدني على بلادي)
لم أفقه حينها كلمات الأغنية ولم أفهم معنى الشوق للأوطان كل الذي كنت أعرفه هو أن أعين الحنين تتفجر بداخلي كلما تمتمت ياسمينتي بالأغنية
لطالما تخيلت بحر بلادي الذي أخبرني أبي عنه كثيرا
كنت أخبر سلحفاتي الشامية بأنه بحرٌ من الجنة ذو رمالٍ ذهبية وأصدافٍ من ياقوت
زرقته لا شبيه لها
وموجه تسكنه النجوم
مت شوقا حينها
كما أموت الآن من الشوق
إليك يا شام
أعلم بأنكِ لم تنسيني
وبأنك ستتعرفين إلى ملامحي وإن نال منها الزمن
ستميزين رائحة الياسمين العالقة فيّ
وستبكين عندما أبكي فرحا حين ألقاكِ
أنا مازلت مثلك تماما
مازلت مثلك
لا أجيد غير البكاء
أصمت في أشد الأوقات ضجيجا
وإن جئت أصرخ
أخبروني بأن الجدران صماء
منذُ عرفتها
لديها آذان
لماذا يا شام
لماذا
هي صماء الآن
ما أغباني
لم أتعلم منك غير البكاء
اشتقت إليكِ
اشتقت إليكِ كثيرا
بعدد شهدائك الكثر
بعدد المنازل التي هُدت
والأطفال الذين دفنوا
بعدد نحيب الأمهات
ودعاء المنابر
هأنا أكتبك اليوم يا شام
مثلما تمنيتِ
هأنا أكتبك
لكن بدمع
اشتقت إليكِ
وكيف للشوق أن يكتب..
أعياد عامر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى