الجنوب والأطماع

> عبد الحميد الجحافي

> >  مر الجنوب بمراحل عصيبة ظل خلالها يبحث عن بصيص أمل ليمتشق قامته ويحقق أهدافه التي سعى من أجلها وما زال يسعى، ولكن لا سبيل إلى ذلك طالما الأرض وخيراتها  تعانيان الجور والطمع ذاته.
فمنها مرحلة الاحتلال الإنجليزي وفيها عاش الجنوب في مرحلة جمود مبلل طوال قرن وربع القرن، وهذا الوضع المأسآوي هو الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن يكون عليه وضع الجنوب طالما الأرض مسلوبة والمال منهوب.

انطلقت شرارة الثورة مبشرة بعهد جديد، وسرعان ما استبشر من سلب أرضهم ونهبت ثرواتهم، كيف لا يستبشرون وقد ظلوا يقارعون المحتل في كل شبر من أرضهم، متحملين في سبيل ذلك كل ويلات العذاب والعقاب.
والذي يمكن أن نقوله هنا أنه طوال الفترة التي ظل فيها المستعمر الإنجليزي جاثما على صدور شعب الجنوب الا انه لم يفرز نتائج سيئة إلى حد ما بقدر ما أفرزته الحقبة الاشتراكية.

ادعى السوفييت لشعب الجنوب بأنهم طود النجاة والسبيل الوحيد للمضي قدما نحو النماء والبناء، فكان من نتائج ما أتى به الشعب السوفييتي الشقيق!! انها كبلت المجتمع، وعملت على عسكرة الحياة، وفضلت التقوقع والانزواء به في زوايا التبعية ومآلاتها، معتمدة في ذلك على كم هائل من الأفكار المستوردة والتي تفضي إلى الجهل والتخلف والانعزالية المقيتة.

طمع الأعداء وأبعادهم المرسومة، لم تترك لشعب الجنوب أن يتنفس الصعداء، ليقف من جديد على قدميه طمعا وأملا في غد أفضل ومستقبل جميل.
نقول هنا كليهما استعمار ولكن لماذا وكيف أتى الإنجليز أرضنا..؟ ولماذا وكيف أتى السوفييت أرضنا ؟.. هنا جوهر الاختلاف والذي يمكن من خلاله رسم حدود الأهداف لكليهما.. استمر شعب الجنوب يعاني النهج ذاته ولكن باختلاف الطرق والأساليب.

في العام 1989م انقضى عهد الاشتراكية بزوال منظموتها في الاتحاد السوفيتي، ولكن هل فعلا انهار الاتحاد السوفيتي وزالت تبعاته ؟.. في الاجابه تكمن الخطورة، وتتضح جليا الصورة، كيف ولماذا أتى الانجليز؟ وكيف ولماذا أتى السوفييت..؟
أتى الإنجليز أرض الجنوب واستقر فيها قادما من الهند البريطانية المستعمرة التي ظلت قاعدة عسكرية تنطلق منها الفتوحات الاستعمارية، والتي كانت دائما وجهتها الأسمى - البلدان العربية التي تعاني الفقر والجهل والتخلف.. وإلى جانب كل أشكال الفقر والمعاناه التي إصابتهم، فإن الإنجليز أضافو لتلك  البلدان طابع العبودية.

الإنجليز لم يأتوا صدفة ولا حسب توصية من شعب الجنوب.. بل يعتبرون أنفسهم أوصياء على كل العرب والمسلمين باعتبارهم يفتقرون لإدارة بلدانهم بشكل يرفع من شأنهم ويعلي مكانتهم، إضافة إلى أن تفوق العربي يمكن أن يكون خطرا على مستقبلهم وأمنهم الداخلي.. ولذلك فإنهم  أتوا بناء على استراتيجية تم إعدادها منذ سابق عهد.. والسبيل المؤدي لتحقيق تلك الاستراتيجية هي قوة السلاح، باعتبارها القوة التي يكمن فيها عنصر النجاح.. استقر بهم الحال في أرض الجنوب العربي.. فحكموها بأهلها، معتمدين في ذلك على قوة الجزاء الرادع بحق المخالفين.

لم يكن في استراتيجية الاستعمار الإنجليزي ولو الشيء البسيط نحو بناء ونهضة.. بل تركزت كل نشاطاتهم وإمكانياتهم نحو تجويع وتركيع شعب الجنوب والشعوب العربية التي لا تفقه معنى الحياة..!!
قرن وربع القرن وكل موارد الجنوب تم توريدها إلى خزينة التاج البريطاني بأيد وطنية جعلت من نفسها وسيلة حقيرة تصب كل نشاطها في خدمة مستعمر بغيض.

الإنجليز لم يستحقوا الجنوب أرضا وشعبا، فلقد جادت الأرض وجاد شعبها لهم بكل خيراتها طوال قرن وربع القرن.. وبدلا من رد الجميل لشعب الجنوب وأرضه، خلفوا له الجهل والفقر والبطالة وأنظمة قمعية استبدادية تفتقر للحكمة والخبرة.
فطوال هذه الزمان لم يبنوا أرضنا ولم يتركوها لتبني نفسها.. فحقا أيها التاج الملكي أن حالنا هذا وحالنا ذاك هو من حسناتكم..!!

عبر التاريخ كان السوفييت والإنجليز هما القوتين العظيمتين اللتين سيطرتا على المساحات العظيمة من هذا العالم.. وهذه العظمة والقوة جاءتا تكملة للدور الذي لعبته الفرس والروم  (اللتان تحملان التوصيف والدور ذاته)  في السيطره على أكثر من ثلثي العالم.

ولنعلم جيدا أن هذه القوة والعظمة التي اكتسبها الأعداء - إنما استمدوها من الضعف والوهن والتخلف الذي أصاب الشعوب العربية.. فكما قيل: «إن الجهل ينتج الخوف وإن الخوف يولد الاستسلام».. فحقا أن القوة دائما ما تستمد من ضعف وجهل الناس.. ولكي لا نوغل في الحديث نعود إلى سياق موضوعنا، فما ذكرناه كان على سبيل المثال لا الحصر.

الإنجليز والسوفييت ظلا في صراع دائم، والصراع هنا ليس صراع طبقات ولا صراعا يتعلق بالدين أو الأصل، إنما هو صراع نفوذ وسيطرة.
فلمجرد شعور السوفييت بقرب دنو أجل الإنجليز في الجنوب العربي، بدأوا بالتلويح لمن يهمهم الأمر في الجنوب أنه متى ما نلتم استقلالكم، فتذكروا أن هناك من يستطيع أن يمد لكم يد العون والمساعدة للخروج من أزمتكم التي ستشهدونها بعد الاستقلال.

رحل الإنجليز عن أرض الجنوب بعد ثورة هبت من مضاجعها، أبت الرجوع حتى التحرير والاستقلال.. وهكذا لبى السوفييت النداء الذي أطلقه قادة التحرير آنذاك، مبشرين شعب الجنوب بزوال عهد الظلم والطغيان، وظهور مرحلة جديدة هي مرحلة التنوير والنهضة والبناء والتشييد.

وكعادة شعب الجنوب وغيره من الشعوب المقهورة والمسلوبة أن يهلل ويكبر مستبشرا بحلول مشروع النهضة التي لطالما حلم بها، وظل يكافح من أجلها.. متناسيا أنه لا خير يأتي من الغرب، وأنهم مصدر الشر في ماضيهم وحاضرهم.
دخل السوفييت بأفكارهم ونهجهم، وهنا تكمن الخطورة التي دائما ما يبهرنا الغرب بها.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى