اليوم بلكونة وغدا عمارة!

> * كنت أنوي تخصيص عمودي هذا الأسبوع للعبقري الراحل (عبده حسين أحمد)، لولا حدث جلل أجبرني على تغيير بوصلة مقالي إلى اتجاه آخر.
محمد العولقي
محمد العولقي

* تلقيت قبل يومين مئات المكالمات من سكان منطقة (الفتح)، يطلبون مني الإغاثة ومد يد العون ولو كانت قصيرة، من خلال تنبيه ذوي الشأن بأن عمارات (حي الرئاسة) تنهار ليلا، وتتهاوى (بلكوناتها) على رؤوس ساكنيها كالفراش المبثوث.
* كان عليّ بالذات أن أكون أقرب إلى هؤلاء البسطاء المعدمين حتى من سلطة محلية لا تبعد عنهم سوى أمتار قليلة.
* في توقيت واحد انهارت (بلكونات) كاملة على رؤوس ساكنيها، تحولت في غمضة عين إلى أطلال وأنقاض وأكوام من المخلفات، وسط حسرة الشيوخ الركع وبكاء الأطفال الرضع.
* الكارثة الإنسانية التي سقطت على رؤوس أبناء (الفتح) وتحديدا (حي الرئاسة)، لم تحرك مشاعر الحكومة في احتواء التوابع القادمة، فكل المؤشرات تشير إلى أن عمارات أخرى في (الفتح) آيلة للسقوط في أي وقت.
* هالتني تلك الصور المروعة لحادث سقوط (البلكونات) والدمار الذي لحق بذلك الحي، فقررت تسجيل موقف إنساني مع الضحايا الذين ينامون في العراء ويلتحفون السماء.
* انتظر أهل ذلك الحي المتصدع تحركا حكوميا عاجلا، يوصي بوضع المعالجات والحلول دون إبطاء، غير أن المعنيين تجاهلوا استغاثتهم وولوهم الأدبار.
* لم تشارك الحكومة ولا السلطة المحلية المنكوبين ببرقية جبر خواطر، عبر تغريدة أو رسالة تضامن، وأغلب الظن أنهم مشغولون عن الكارثة ببيانات تمجد ثورة أكتوبر، فيما مواطنو (الفتح)  يحتفلون بمأساتهم تحت الأنقاض.
* كان الله في عون شعب الجنوب، الذي تتلاعب بك التيارات السياسية المتضاربة، يتحدث باسمه كل من هب ودب على صفحات الجرائد وبرامج الفضائيات السياسية، لكن تلك القوى (حكومية وغير حكومية) تبول وتتغوط على معاناته ومصائبه التي لا تأتي فرادى.
* ورغم حساسية موقع (حي الرئاسة) كمنطقة عسكرية استراتيجية، إلا أن سكانها دائما خارج حسابات السياسيين، بدليل أنها لم تشهد تطورا تنمويا ولا معماريا ينسجم مع دورها السياسي في كل مراحل النضال.
* ليس ذنب أهالي (حي الرئاسة) أنهم يقطنون منطقة (نزاع) كانت شاهدة على وجبات اقتتال بين الرفاق في أيام سادت ثم بادت.
* وليس ذنبهم أنهم يسكنون على مرمى حجر من بؤر توتر تاريخية، فهم بحسبة القضاء والقدر وجدوا أنفسهم جزءاً من نسيج تلك العمارات العتيقة المتهالكة، وليس ذنبهم أن (الرفاق) حولوها زمان إلى معتقل رهيب، الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود.
* أقل القليل أن تتدافع كل المنظمات الإنسانية الفاعلة في عدن، لتنقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتحول عمارات (الفتح) المنتهية صلاحيتها إلى أثر بعد عين.
* لست هنا أخاطب حكومة شفرت مشاعرها تجاه واجباتها في خدمة المواطن، مرة لأن الضرب في الميت حرام، ومرة أخرى لأن النفخ في القربة المقطوعة حماقة أعيت من يداويها.
* أنا هنا أوجه خطابي للذين يتشدقون أنهم حماة الشعب الجنوبي وخدامه، من واجبهم النزول ميدانيا لمعاينة الأضرار، والوقوف على حجم الكارثة وتلمس هموم المنكوبين، ثم البحث عن خطط آنية مباشرة مع جميع المنظمات الدولية لاحتواء كارثة إنسانية وشيكة تهدد مواطني (حي الرئاسة)، فاليوم سقطت (بلكونة) وغدا ستتهاوى (عمارة).. اللهم إني بلغت، اللهم فاستر!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى