اليمن.. بين الصراع على السلطة والتنافس الإقليمي

> ميديا حنّان*

>
إن الأزمة اليمنية معقدة التركيب ومتداخلة الأطراف تتكون من شقين داخلي وخارجي، الشق الأول يتمثل بالصراع على السلطة بين القوى اليمنية، والثاني يتجسد بالتناقضات والصراعات الإقليمية، وخاصة بين السعودية وإيران اللتين تتنافسان على الدور الإقليمي في ظروف عملية الانتقال التدريجي إلى النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب.

تعود الأزمة اليمنية الحالية إلى عام 2011 عندما بدأت احتجاجات شعبية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث تنازل الرئيس صالح عن الرئاسة في عام 2012 بموجب اتفاق لنقل السلطة يقوده عبد ربه منصور هادي.
وازدادت تعقيدات الأزمة اليمنية في سبتمبر 2014 بعد سيطرة القوات الحوثية على العاصمة صنعاء وهروب الرئيس عبد ربه منصور الهادي بعدما أجبر في يناير على التنحي وانتقل في البداية إلى عدن جنوب اليمن وبعد اقتراب الحوثيين من المنطقة توجه إلى السعودية بداية عام 2015.

الحوثيون.. أحد أهم أطراف الصراع
يعد الحوثيون حركة مناهضة للحكومة اليمنية ومقربة من إيران وتتخذ من محافظة صعدة شمال اليمن مركزاً لها، وسميت بالحوثيين نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004، وتطلق الحركة على نفسها اسم «أنصار الله».

وأسس الحوثيون حركتهم عام 1992 نتيجة ما كانوا يشعرون أنه تهميش وتمييز ضدهم من قبل الحكومة اليمنية، وهم يعتبرون من الأقلية في اليمن ونسبتهم 5 % من سكان اليمن البالغ تعدادهم 30 مليون نسمة وينتمون إلى المذهب الزيدي من الإسلام.

الموقف الخليجي والإيراني من الأزمة اليمنية
مارست الدول الخليجية في بداية المواجهات العسكرية بين الأطراف اليمنية، موقفاً محايداً نتيجة اعتقادها بأن الصراع لن يخرج عن الساحة اليمنية وستنحصر الحرب بين مسلحي حزب الإصلاح وجماعة أنصار الله، وهذا ما سيؤدي حسب هذا الاعتقاد إلى إضعاف الإسلام السياسي وعلى وجه التحديد حزب التجمع اليمني للإصلاح المتهم بقربه من الإخوان المسلمين خاصة بعد ما نجح هذا الحزب الذي يملك حضوراً كبيراً في مختلف مناطق اليمن، في تجنيد الآلاف من أنصاره داخل الهيئات الحكومية المختلفة، بما في ذلك وزارتا الداخلية والدفاع وهيئات الحكم المحلية.

وفي الوقت نفسه إضعاف جماعة أنصار الله لما لها من ارتباطات أيديولوجية وسياسية بإيران، إلا أن انسحاب حزب الإصلاح من المواجهة العسكرية أثناء اجتياح صنعاء من قبل جماعة أنصار الله غير المعادلة التي كانت تراهن عليها الكثير من الأطراف السياسية الداخلية والخارجية ومكّن أنصار الله في نفس الوقت بكل سهولة من انتزاع السلطة والتوسع في مناطق عدة باليمن.                    
                         
إيران حاولت قدر الإمكان استغلال بقاء اليمن خارج منظومة دول مجلس التعاون الخليجي والظروف اليمنية المشحونة بالصراعات العقيمة، لتوسيع نفوذها وخلق مجال سياسي جديد من النفوذ في المنطقة إلى جانب نفوذها في العراق وسوريا وجنوب لبنان، فقدمت إيران الدعم السياسي والدبلوماسي وإلى حدٍ ما العسكري لجماعة أنصار الله كأقلية مذهبية لها مظالم في اليمن ولها بعض الخلافات العقائدية مع المذهب السائد في المملكة العربية السعودية.

هذه التطورات واقتراب القوات الحوثية من الحدود السعودية، دفعت الدول الخليجية لإعادة حساباتها وتمكنت على الرغم من خلافاتها من اتخاذ القرار بالتدخل العسكري تحت مظلة ما يسمى التحالف العربي باستثناء قطر وعمان.

فالسعودية تريد إنهاء النفوذ الإيراني في اليمن، حيث تعتبر الحوثيين ذراعاً إيرانية على شاكلة حزب الله في لبنان. ومقابل اتفاقٍ للسلام وإنهاء حملتها الجوية المكثفة ضد الحوثيين، يطالب السعوديون بأن يعلن الحوثيون انفصالهم عن طهران ويسلموا أسلحتهم وأن يقدموا تطمينات بخصوص أمن الحدود السعودية وأن يعيدوا تعريف أنفسهم كحزب سياسي غير أنه من غير المحتمل إلى حدٍ كبير أن يستسلم الحوثيون ببساطة.

الوساطات الدولية لحل الأزمة اليمنية
وتركزت جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة بشأن الأزمة اليمنية على العمل لوقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية والقوات الحوثية، وقد عمل المبعوث الأممي إلى اليمن السابق «إسماعيل ولد الشيخ أحمد» على أساس أنه بمجرد الاتفاق على حل وسط مؤقت، فإنه يمكن التوصل إلى حل سياسي مستدام.

وخلال الأعوام الماضية تدهور الوضع على الأرض بشكل دراماتيكي، حيث اليوم هناك ما يقارب 7 ملايين يمني تحت خطر المجاعة، كما مات الآلاف منهم بالفعل خلال أسوأ انتشار للكوليرا في التاريخ. وعلى الرغم من أن الأزمة تزداد سوءاً، إلا أن الجهود لإيقاف القتال تظهر بشكل ضئيل.

وعانت عملية السلام في اليمن أثناء بدايتها من الافتراضات الخاطئة والتحليلات المنتهية الصلاحية التي تجاوزها الزمن، حيث إن الأطراف المعنية لديها دوافع ضئيلة لرؤية عملية السلام حتى ولو وصل ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، فجميع اللاعبين الرئيسيين في الصراع يستفيدون من الاقتصاد المربح للحرب.. وفشلت محاولات عديدة لإحلال السلام، بما فيها تلك التي جرت في يونيو 2015 في جنيف، ومحادثات سبتمبر 2015 في مسقط، ومحادثات ديسمبر 2015 في بيال بسويسرا. أما محادثات ربيع 2016 في السعودية فكانت أول مفاوضات مباشرة بين السعوديين والحوثيين، الذين وافقوا بشكل مفاجئ على تخفيف حدة القتال وتبادل السجناء. كما أن الطرفين غيرا خطابهما، إذ انتقد ناطق باسم الحوثيين إيران علانية لاستغلالها للحرب، بينما بدأ السعوديون يصفون الحوثيين بـ «حركة» بدلاً من «مقاتلين متشددين».

تعقيدات إضافية لحل الأزمة اليمنية
لم تشمل المفاوضات التي جرت، مشاركة وفود من معسكري هادي أو صالح. وبالتالي، عندما حاول السعوديون تمرير عصا السلطة إلى حكومة هادي من أجل متابعة المفاوضات في الكويت، تبدد الزخم. وربما كرد على استبعاده، عيّن الرئيس هادي عدواً حوثياً بارزاً، هو الجنرال علي محسن الأحمر، كنائب للرئيس قبل أسبوع من افتتاح المحادثات الكويتية، مما ساهم في انهيارها في نهاية أغسطس 2016. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، رفض هادي خطة الأمم المتحدة الجديدة، وبذلك فشل الجهد الأخير الذي بذله وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته آنذاك جون كيري في ديسمبر.

ومن حينها ظهرت تعقيدات إضافية وتحولت الولاءات بين الجماعات المختلفة. ولطالما شملت الحرب رفقاء غرباء هم أكثر توافقاً حول الخصوم المشتركين من توافقهم حول المصالح المشتركة، ولكن حتى هذه الروابط الضعيفة قد تحطمت. فقد انقسم معظم معسكر الحوثي - صالح، مع انضمام بعض الموالين إلى التحالف. وظهرت انقسامات مماثلة بين أعضاء التحالف نفسه، وجميعهم مناهضون للقوات الحوثية ولكن ليس كلهم مؤيدون لهادي. وعلى وجه الخصوص، اشتبك أعضاء «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المدعوم من قبل دولة الإمارات وبقيادة حاكم عدن السابق المعين من قبل هادي، عيدروس الزبيدي، مراراً مع قوات مؤيدة لهادي. ونتيجة لذلك، قد لا يكون الصراع والمفاوضات ضمن الإطار البسيط لحزبين رئيسيين ومؤيديهما.

تعنت الحوثيين
بالنظر إلى سجل المباحثات السابقة التي تم إجراؤها بين الأطراف اليمنية على مدى 3 سنوات، والتي انتهت جميعها بالفشل، بسبب إصرار الحوثيين على شروطهم التي تشرعن الفعل الانقلابي، لم تتوصل جميع تلك المفاوضات إلى أي نتيجة تذكر سوى أنها أعطت هامشاً للمناورة السياسية وكسب الوقت، وفي بعض الأوقات ساهمت في تعقيد الوضع أكثر مما هو عليه، كون الحوثيون يراهنون على الحل العسكري وإطالة أمد الحرب وإنهاك التحالف والسعودية على وجه الخصوص في حرب ثقل كاهلها مالياً وعسكرياً.

وهذا ما تريده إيران من الحوثيين الذين يخوضون حرباً بالوكالة عنها، كما أن موقف الحوثيين في أي اتفاق سياسي سيكون محكوماً بالرضا أو الرفض من قبل إيران في حين تنظر إيران بأن الحوثيين باستطاعتهم الصمود أكثر والاستمرار بلعب دور الوكالة أكثر ويمكن خروجهم منها بنصف انتصار.

ضغط في الملف الإنساني
ويأمل الحوثيون في المزيد من الضغط الدولي على التحالف العربي لإنهاء الحرب في اليمن عن طريق الملف الإنساني وإظهار زيادة كبيرة لعدد الضحايا المدنيين الناجم عن قصف طيران التحالف العربي التي كانت آخرها استهداف حافلة ركاب بمحافظة صعدة التي تسببت بمقتل قرابة 47 شخصاً معظمهم من الأطفال إضافة إلى عشرات الجرحى.

وكان واضحاً محاولة الحوثيين المساومة بدماء الضحايا المدنيين لاستدرار العطف الدولي للضغط على التحالف عند محاولة افتعال مجزرة الحديدة إثر استهداف مستشفى وسوق سمك بالمدينة بقذائف الهاون تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الأمن بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بشأن اليمن بهدف كسب النقاط في الملف الإنساني ضد التحالف وسلخه من المشروعية الأخلاقية لتدخله العسكري في اليمن، إلا أن دلائل المجزرة التي أدوت بحياة العشرات من المدنيين كانت طافحة ببصمات الفاعل الحقيقي (الحوثيين).

لا إمكانية لنجاح المباحثات
ومن هنا فقد أدلى المبعوث الأممي لدى الأمم المتحدة مارتن جريفيثس الذي يعد ثالث مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى اليمن منذ بدء الصراع في 2015، قبل أسابيع ببيان أشار فيه إلى أن المباحثات ستركز على جملة من القضايا العالقة في الملف اليمني، وتتضمن اتفاقاً لنقل السلطة إلى حكومة وحدة وطنية تمثل فترة انتقالية ونزع السلاح من الحوثيين، حيث قال: «بشكل أساسي، نحن نحاول أن نتوصل إلى أن تتفق حكومة اليمن وأنصار الله على القضايا الضرورية لوقف الحرب والاتفاق على حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع».

ومن هنا نجد أن احتمالية نجاح المباحثات المزمع إجراؤها الشهر المقبل بين الحكومة اليمنية والقوات الحوثية قد تكون معدومة وخاصة أن الصياغة التي أعلنتها الأمم المتحدة لا تختلف عن سابقتها.
* وكالة أنباء هاوار​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى