القضية الجنوبية بين الغياب والتغييب والتغليب

> عبد الحميد الزعلي​

>
المعروف على مر التاريخ أن كل صاحب قضية يملك الرغبة في طرحها والدفاع عنها والتشهير والترويج لها، فعليه ملاحظة الآتي جبرا عليه وليس اختيارا منه لكي تكون النتائج مبشرة والمصلحة مرجوة: (غياب عامل التنبؤ -  تغييب الحراك الفكري السياسي تغليب الحراك الثوري السلمي) تعليقا وتوضيحا على ما سبق، سأورد بإيجاز بعض التفاصيل التي عاشتها الثورة آنذاك.

إن المتمعن جيدا للثورتين اللتين اندلعتا في جنوب اليمن سواء لنيل استقلالها من التاج الملكي البريطاني، أو من أجل  التخلص من الوحدة ومخلفاتها، لأدرك جيدا أن جوهر الثورتين سليم إلى الحد الذي يمكن أن نطلق عليه الحق المشروع، ولأننا في عهد الثورة التي اندلعت مطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة، دولة ما قبل العام تسعين، فسيقتصر التحليل حول هذه الفترة متجاوزا الثورة التي اندلعت ضد التاج الملكي البريطاني، كوننا قد أسلفنا في عرض بعض المحطات التي مر بها الجنوب في ظل الحقبة الإنجليزية في مقال سابق، ونظرا لطبيعة المتغيرات التي شهدتها دولة الجنوب وما تمخض عنها من واقع اليوم.

القضية الجنوبية منذ انطلاقتها في العام 94م، كان لها ثلاث سمات رئيسية: (تغييب الحراك الفكري السياسي وتغليب الحراك الثوري السلمي وغياب عامل التنبؤ)، حيث تم تغييب الطابع الأول، وهو الأهم، باعتباره نقطة الارتكاز ومصدر الحسم للطابع الثاني، وتغليب الطابع الثاني ويصب كل الجهود نحوه، وغياب الطابع الثالث والأخير وهو العامل الأبرز والقاعدة التي يستند عليها العاملين السابقين.. ونتيجة لذلك، فإن الخلل في العوامل الثلاثة أحدث نوعا من الشتات وصعوبة في التموضع وخلق واقع آخر كانت القضية في غنى عنه وتأسف لما وصلت إليه.

وتفسيرا للعوامل، فعندما انطلقت شرارة الثورة كان هناك حراك ثوري سلمي حقيقي انطلقت شرارته في العام 94م واستمر حتى العام 2015م، لينتقل من الحراك الثوري السلمي إلى الحراك الثوري المسلح في ظل تغييب شبه تام لأي حراك سياسي داخليا وخارجيا، وغياب كلي لعامل التنبؤ بالمستقبل.. وما الذي سيترتب عليه، وما الذي ينبغي عمله في سبيل رأب الصدع وإزالة التشققات التي لن تكون إلا جزءا من القضية وحجر عثرة في طريقها، ونتيجة لكل ذلك القصور والإهمال وعدم النضوج من قبل رواد الثورة ومنظريها، فقد أدى ذلك كله إلى أن حكم عليها بأنها مجرد قضية مطالب حقوقية مشروعة يطالب بها فئة بسيطة من المجتمع ولا ترقى إلى المستوى الذي يمكن أن نطلق عليه قضية شعب ووطن وهوية، قضية وطن سلب ونهب وصودرت حقوقه، وقد آن الأوان لاسترجاعه وإعادته كما كان، وعلى هذا الأساس تم ويتم التعامل مع القضية من قبل المجتمع الدولي والإقليمي، وعلى هذا الأساس تصاغ العهود والمواثيق الدولية، أي بأيجاز لستم سوى طلاب حقوق وإصلاحات هي ذاتها التي تطالب بها كل شعوب العالم.

وتعليقا على ما سبق، سأكتب ما أسلفت ذكره بإيجاز في ثلاث نقاط رئيسية: (الطابع الذي اتسمت به الثورة - إلى أين وصلت الثورة - النتائج التي أفرزتها الثورة).
فيما يتعلق بالطابع الذي اتسمت به الثورة، فقد كانت مجرد شعور عاطفي حقيقي ومشروع ولكنه عقيم! كونه يفتقر للأسس والثوابت التي تجعل منه حق يحترمه العالم ويسعى بكل جراءة وصدق وإخلاص لتحقيقه.

وفيما يتعلق إلى أين وصلت الثورة، فمن الطبيعي في أي ثورة أي كان باعثها وأي كان نهجها في التعبير سليم أو عقيم، فلابد في نهاية الأمر أن تصل إلى مفترق طرق، وها هي ثورة شعب الجنوب تعيش مرحلة مخاض عسير، وهذه المرحلة هي الأهم والأصعب في تاريخها من كل المراحل، خصوصا وأن التهديدات تطالها من كل صوب، ومع ذلك أقولها هنا: رغم هذا الحاضر المظلم، فإني شديد التفاؤل والثقة، بأن الفجر يقترب، والصبح الوليد قادم من هذا المخاض الدموي الرهيب.

أما فيما يتعلق بالنتائج، فهي كما ترونها أمامكم.. حجم عظيم من التضحيات الجسيمة، والحقيقة أننا حاليا ليس بمقدورنا التحدث أو التكهن عن أي نتائج أفرزتها الثورة أو ما ستفرزه الليالي والأعوام القادمة، فقط سنترك الإجابة للأيام، فهي كفيلة بكشف خبايا الدهر ونوائب الأيام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى