أترضون أن نكون سبّة الزمان وأقبح من حل بعدن؟!

>
 
جمال مسعود
جمال مسعود
مدينة عدن الجميلة والساحرة كساها الله حلة لم ولن تشبهها أي مدينة في العالم، مدينة عشقها زوارها قبل أبنائها، وتغنى بجمالها وفتنتها كل من أسعفه الحظ ووطئت قدماه أرضها وطاف في أرجائها بين شوارعها وأزقتها، وخالط أهلها البسطاء الباسمين كثغر مدينتهم الباسم في وجوه الناظرين إليه. إنها عدن، مدينة التعايش الإنساني والأسطوري الذي جمع الخلق بألوانهم وأشكالهم ومعتقداتهم ولغاتهم في بيت واحد لا يوجد له نظير في المعمورة غير تلك البقعة التي لا ترى بالعين المجردة على وجه الخريطة، لكنها تشبه الأرض كلها من أقصاها إلى أقصاها، أخذت من كل الألوان والأطياف والأجناس لتشكل فسيفساء الأرض النادرة.. إنها عدن  عبر العصور، والتي أصيبت اليوم بصدمة نفسية أفقدتها الذاكرة وأصيب أهلها بالانفصام والانفصال بين الماضي والحاضر، بين الحضارة والتراث الإنساني الجميل العطر السيرة والمنظر، وبين الحاضر المؤلم والذي يشبه المسخ الشيطاني لكل شيء في هذه المدينة الموحشة والمتوحشة التي لا صلة لها بماضيها الجميل.

إن الصدمة التي تعرضت لها مدينة عدن لم تكن بالسهلة والبسيطة، فلقد أتت على كل شيء فيها، هزت أركان المدينة ونزعت عنها لباسها الجميل القيمي والأخلاقي والمدني والحضاري، وصار وجهها مليء بالخدوش والكدمات والنتوءات والدمامل العفنة والمتقيحة التي تصيب الناظر إليها بالغثيان بسبب الروائح الكريهة والمناظر القبيحة، وكذا النزاعات الواضحة والصريحة. 

عدن لم تعد هي عدن، ولم يعد أهلها هم أهل عدن، شتان بين الماضي والحاضر، لا يشبه الأبناء الآباء والأجداد، ولا تشبه البنات الأمهات والجدات.. مدينة بلا مدنية، ومثقفون بلا ثقافة بلا، ومفكرون بلا أفكار. مدينة صارت مسخا وأهلها ينظرون إليها وكأنهم ينتقمون منها ويتشفون بها، منتظرين الإجهاز عليها لتموت وقد أوشكت أن تموت.

عدن التي يحزن عليها اليوم كل الناس إلا ساكنوها وأهلها، يتمرغون بكأسات المرارة فيها بلذة ونشوة  وانتعاش لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة، ولا ينتمون لها ولا لعبق تاريخها المجيد. عدن الثغر الباسم تفقد أهلها وناسها ومحبيها، غريبة المدن بين المدائن، لم يعد من يحمل اسمها وعنوانها ولا من يعبر عنها.. كيف ذاك وهي فسيفساء لازالت ولكنها عفنة متفحمة ينهشها الانحلال والانحطاط والانحراف والتحول من المدنية إلى الدونية، كل شيء جميل فيها تم خدشه وترك للعفن ينبت في جنباته.

من هم أهلها وساكنوها؟.. ما علاقتهم بها وانتماؤهم إليها؟.. ما مقدار حبهم لها ولترابها ولسمعتها الطيبة بين المدن؟.. من يفكر في استعادة مجد عدن وعزها وتاريخها التليد؟.. إلى متى ستظل عدن بلا حماية ولا ولي يتولى أمرها ويلحق بها في سكة القطار لتنطلق كمدينة فيها أهلها وناسها الحريصون عليها.. لقد طال الجفا لعدن يا أهل عدن، وكثر العقوق ونهب الحقوق.. أفيقوا يا أهل عدن إنكم تسكنون في جنة الله على أرضه، فلا تشقوا أنفسكم وتكونوا كمثل الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.. استيقظوا واستنفروا هممكم ولا تنتظروا من يرقع ثوبكم الممزق.. فلستم عجزة ومكاسير، ففيكم الرجال والأبطال وصنّاع الإبداع للغد المشرق، فانهضوا وشمروا عن سواعدكم واستعيدوا سمعتكم، فمن كان يطلق عليه إنه من عدن كان يتودد إليه الجميع لأنه من عدن وما إدراك ما عدن!
 لقد فقدت عدن اليوم سلوك أهلها المدني والحضاري، وصارت أشبه بمدينة الأشباح، فأدركوها لو أنكم تحبونها حتى لا تصيروا سبّة الزمان، ويقال عنا وعنكم أقبح من حل بعدن..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى