لكي يبقى «الجامع» جامعاً

>  لو تحدثنا صراحة عن واقع الحال بحضرموت وما تتداوله النخب في حضرموت من نقاشات مختلفة هنا أو هناك سيلحظ المتابع انقساما حضرميا واضحا، فيبدو من خلال ذلك وجود صنفين منهم حضارم الداخل وحضارم (المهجر) الخارج،
صالح فرج
صالح فرج

يكتوي حضارم الداخل بواقع الحال المعاش ويتأثرون بعوامل السياسات المعتملة من قبل الحكومات المتعاقبة على البلاد كما أنهم يخوضون نضالا مريرا منذ سنوات عدة لنيل حقوقهم.

حضارم المهجر يتمتع بعضهم بامتلاك ثروة كبيرة يمكنها إحداث نقلة نوعية للبلد لو استثمرت في سبيل نهضة حضرموت  وتفردها وتقدمها، كما أتيحت لهم فرص التعليم على مستويات عالية من خلال التحاقهم بجامعات على مستوى عال، بالإضافة إلى تعاملهم واحتكاكهم بمجتمعات راقية إلى حدٍّ ما نسبة للتعليم ومستوى المعيشة الذي يتلقاه أقرانهم داخل البلد.

يتأثر حضارم المهجر بما يعتمل في الداخل ولكنهم يعيشون أوضاعا مختلفة تماما وبعيدة كثيرا عن المعاناة التي ينكوي بها أهل الداخل إلا من باب التعاطف مع إخوانهم بالداخل لما يُنقل لهم من تلك المعاناة أو عن طريق الزيارات المتقطعة التي يقومون بها للبلاد.

كما أن أسباب وظروف مغادرتهم للبلد التي قد تكون سياسية أو نتيجة ضغوط شديدة تعرضوا لها نظرا للسياسات التي سادت في تلك الفترات وأدت إلى زيادة معاناتهم أثناء تلك الحقبة، وهذا ينعكس على تصرفاتهم الحالية حيال كثير مما يعتمل في الداخل.. كما أن الشك والريبة وعدم القبول إزاء كل ما يمت بصلة لساسة ذلك الزمن هو السائد لديهم، برغم استحالة عودة تلك الحقبة البغيضة التي مر بها البلد أثناء فترات ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، وكذلك لم يعد لأولئك الرجال القوة والقدرة على الحركة كثيرا ولا حتى التفكير في عودة ذلك الزمن، وصرّح أغلبهم بذلك، بل إن البعض منهم قد تبرّأوا من أفعالهم بتلك الحقبة الزمنية.. والعالم بأجمعه قد تغير ولم يعد هناك موطئ قدم لتلك التصرفات أو الأفكار والسياسات من أساسه، فقد عفى عليها الزمن، بل قد أضحت ميتة اليوم ولن يُبعث ميت أو يعود للحياة.

بالأمس القريب انعقد في حضرموت (مؤتمر حضرموت الجامع)، ودعي إليه كل ألوان الطيف الحضرمي، وبالتأكيد لأي عمل كبير وجبّار معارضوه ورافضوه، فلو نظرنا لمعظم من تبنى فكرة المعارضة للمؤتمر من الحضارم لرأينا أغلبيتهم من المهجر وممن يرتبطون بهم بشكل أو بآخر.. ولكن مخرجات ذلك المؤتمر أحرجت حتى معارضوه وتبنى الجميع تلك المخرجات بمن فيهم أشدّهم معارضة نتيجة لقرب مخرجاته من الواقع الحضرمي ووجود الحد الأدنى مما يراه ويطالب به جميع الحضارم.

اليوم عاودت الظهور بعض الأصوات التي تحاول التشكيك في النوايا ومحاولة تأطير مكامن الاختلاف بين القائمين على تنفيذ تلك المخرجات، وارتفعت بعض الأصوات من جديد، تارة لإعادة الصياغة وأخرى لتصفية وتنقية القيادة ممن لا يروقون لهذا أو ذاك هنا أو هناك، وقد تؤدي تلك المحاولات لدربكة بعض الأمور نتيجة لحساسية المرحلة التي يمر بها البلد اليوم، ولكنها لن تؤثر كثيرا على مسار الجامع لأن الجميع في الأخير إخوة وحضارم والاختلاف بينهم سنة من سنن الحياة، كما إنه ضروري ومحبوب لأن الإجماع صفة من صفات القطيع.

إن حضارم الداخل نتيجة لشدة المعاناة المعاشة اليوم يندمجون ويتقبلون، بل وينخرطون على الأقل ضمن أهون الشرّين لكي يختاروا في الغد القادم والقريب الأجمل والأفضل لحضرموت وأهلها بينما يتشدد حضارم المهجر حيال ذلك، ويستمرون في محاولات التأثير والضغط لفرض رؤيتهم.. فلِمَ لا نواكب الأحداث والمتغيرات التي تجري على الساحة ملتحمين ومتّحدين؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى