قصة قصيرة.. وجفت المدامع

> عصام مريسي

>
الصمت يطبق على كل شيء في أرجاء المنزل الصغير، الأم في حال مخاض وهي تصرخ والآلام تشتد ويرتفع عويلها والجدة معها تحاول مساعدتها لتضع مولودها السابع، الزوج يقلم أظفاره بفمه من هول الارتباك والخوف، فهذه الآلام لأول مرة تعاني منها زوجته وهو يسارع الخطوات في منزله الضيق المكون من مخزن (الغرفة) ودارة (الصالة وغرفة المعيشة)، وهم جميعا في انتظار القادم الجديد الذي سينضم للأسرة ولكن مقدمة تأخر وعانت الأم معه أوجاع لم تعهدها وهي تستقبل جميع مواليدها الست، والجدة تطمئنهم: «هذه الأوجاع ستخف، لأن مولدكم هذه المرة سيكون ولد ذكر بإذن الله».. هذه البشارة جعلت الأب ترتسم على محياها علامات السرور والبهجة والعزوة بقدوم رجل للبيت يخلفه من بعده، وحتى البنات الست هم في حال غبطة وسرور وهن يرددن: «أمي ستضع ولدا ذكرا سيكون لنا أخ».. وهم يتبادلون التهاني والتبريكات في انتظار الصرخات الأولى للوافد الجديد الذي طالما اشتاقوا لوصوله: «مبارك علينا الأخ الجديد».

البنت البكر تعلن أن المولود الذكر الذي ستضعه أمها كما بشرت به الجدة سيكون من اختصاصها قائلة: «هذا المولود سيكون مثل ابني، أنا سأقوم بكل شؤونه وسأسهر على راحته وتربيته، ولن يكون لأمي دور في تربيته، فهو ابني أنا».. يقاطعن باقي الأخوات الحديث قائلات: «لا هذا ليس من العدل، بل جميعنا سنشترك في تربيته».

مازالت الأم تصرخ وتأن، والجميع في الدارة ينتظرون البشرى وتأتي البشرى صرخ الضيف قد ملأ أركان المنزل الصغير بهجة وجوا من الفرح والفتيات يتهللن فرحاً وسروراً، وكل واحدة منهن تهنئ الأخرى بقدوم ضيفهم الجديد الذي طالما انتظرن مقدمه، لكن الجدة لم تخرج لتعلن الخبر عن نوع المولود وتحظى بجائزة البشارة والجميع في انتظار ظهور وجه الجدة متهللا وبعد لحظات انتظار أدخلت الخوف إلى نفوس البنات وأبوهم الذي ما استطاع الجلوس منذ بداية المخاض في مكان واحد وهو مازال يقلم أظفاره بأسنانه، والبنات في صمت يشوبه الخوف والفزع، على أعينهن ترتسم علامات الفرح لسماع صوت وافدهم الجديد مستبشرين بكونه ذكرا وعلامات الفزع والهلع من الصمت الذي ساد الغرفة التي تمخضت فيها أمهم وتأخر خروج الجدة لإعلان البشارة، لكن أصغر البنات لم تستطع أن تخفي فزعها بل جاهرت بالسؤال: «لماذا لم تخرج الجدة وتأتي بالمولود لنراه وندخل نسلم على أمي ونطمئن عليها»، أكبر البنات هي الأم الصغرى للبيت تحاول تهدئة أخواتها تسرع نحو أصغر أخواتها لتحتضنها وتطمئنها: «لا تقلقي حبيبتي ستكون أمنا بخير».

ينفتح باب الغرفة التي تقبع فيها أمهم وتخرج الجدة تجر أذيالها ويلمح جميع المنتظرين الانكسار في خطوات الجدة غير المعهود تتسمر أجسادهم وتقف عيونهم متجمدة دموعها في الماقي ويسود الصمت كل شيء فلا تسمع إلا الأنفاس في شهيق وزفير والجدة تتقدم تحاول رسم الجانب المفرح في مخاض الأم: «مبارك عليكم لقد رزقتم مولودا ذكرا، ماذا سوف تسمونه».. وجميع المنتظرين في صمت تسلل من خلاله رسم الصورة المظلمة في عملية مخاض الأم، لكن البنت الصغرى صبرها سريعا ما ينفد وهي تحاول استقصاء الموضوع: «وكيف حال أمي.. هل نستطيع أن ندخل لنراها، تندفع نحو الغرفة التي ترقد فيها الأم، ولكن وقبل أن تدفع الباب يمسك بها الأب، لأنه أحس بالفاجعة التي جعلت الجدة تتأخر في إعلان نبأ قدوم المولود وتلعثم كلماتها وهي تنقل نبأ قدوم مولودهم الجديد الذي طالما انتظروا قدومه ولكنه أتى ومعه حسرة كبيرة ستصيب الأسرة المنتظرة برحيل أمهم الرؤوم: «انتظري قليلا»..

التفتن بناته الست إليه في عجب وحيرة من عدم سماحه للبنت الصغرة من دخول المخزن (الغرفة) وامتلأت العيون بالدموع وجمع الأب بناته حوله وظلل عليهن بكلتا ذراعيه وهو يوسيهن: لا وقت للدموع.. عليكن اليوم مهمة عظيمة تركتها أمكن لكن وهي تربية المولود الجديد.
صغيرة البنت لم تستطع الإمساك بدموعها فقد أطلقت صراخها وأنينها وذرفت عيناها غزير الدموع وهي منطلقة صوب فراش أمها لتلقي برأسها فوق صدرها، وهي تبكي: «أمي لماذا رحلتي سريعاً وتتركيني وحيدة».

سرعان ما يلحق الأب وباقي البنات نحو الغرفة ليلقوا النظرة الأخيرة في وداع الأم الحنون واستقبال الوافد الجديد والأب يمسح دموع صغيرته وعيناه مكتظتان بالدمع الذي وقف متسمراً بين الجفون والبنات يجففن كل ما يتساقط من دمع وهن في محاولة لتجفيف دموعهن التي تسقط دون شعور منهن وهن يهدئن الأخت الصغرى وترفع كبرى البنات الصغير وتبدأ بتقبيله ومداعبته ويجتمعن الأخوات إليه يقبلنه وتأخذ البنت الصغرى المسح على رأسه وتقبله وترتسم على الشفاه ابتسامة يشوبه الحزن والمدامع مكتظة بالدموع حتى لا تنزل ويبقى الأمل والفرح هما الصورة المرسومة على أرجاء المنزل المتواضع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى