في ذاكرة الزمن.. صالح باصرة

> علي سالم اليزيدي

>
 رحل الدكتور صالح علي باصرة وترك فراغا كبيرا في واقعنا السياسي والاجتماعي والفكري، رحل زميل الصبا وأيام المظاهرات الطلابية من أجل التحرر والنضال الوطني والثقافة الواسعة ومرحلة التطلع نحو الاستقلال والمواكبة للشعوب والبلدان الراغبة في التحرر.

كنا نتسامر جيران وأبناء حافة وديعة في نهاية الخمسينات ثم اتسع أفقنا وأدمغتنا كلنا أولئك الصبية في حافة الماركيت بحي برع السدة (حي السلام) الآن، وجنبنا حوش البرابر وبيت باغفار وبيت عبدربه اليزيدي، كان هناك صالح الخلاقي، وخالد باقحوم، وباعيسى، وعمر باحاج، ود.عبد الله باحاج، ومحسن باصرة، وأحمد سعيد بارحيم، ود. أحمد باحاج، وبائع المثلجات علي الصقير، وبكري باغفار، والشاعر حسين باسنبل، وأحمد يوسف، وزمرة كثيرة من الأولاد المكلاويين نطلع بيت الحاكم باصرة الدوعني فنجد الكرم والخمير الدوعني، ونطلع دار باحاج فنجد السينما والمجلات، ونطلع دار بارحيم فنجد العطايا والشكليت، جنبنا بيوت باعشن ومقرات صحف وأمامنا تتحرك الحياة كنا نسمع ونكبر على إيقاع جديد، نفهم نصفه ونصفه نخبئه إلى بكرة.

في المدرسة كنا معا نجلس وداخل أسوار المدرسة الغربية جنب مستشفى المكلا التقينا السلطان عمر وحارسه وشفنا صور جمال عبد الناصر وذهبنا إلى مسرحيات القصر التي ينظمها الطلاب والمدرسين والأندية، نجلس ونرابط جنب مكتبة الوالد أحمد سعيد الحداد ننتظر سمير وميكي ثم مجلة العربي، ثم كبرنا وقرأنا المصور وآخر ساعة وجلسنا في مقر اتحاد الطلاب الحضارم في سكة يعقوب والتقينا هناك حسن صالح باعوم وكنا ندرس معا بالمدرسة الوسطى وفي نفس الفصل مع صالح باصرة وكان معهم جميل العوبثاني ورياض العكبري وعبدالله بن جعه وعوض قنزل وبافرط كانوا طلابا يتجادلون، عرفنا المنشورات والجبهة القومية وجبهة التحرير وحزب الرابطة والبعث والإخوان المسلمين، وفي هذه الفترة جاء الأستاذ عبدالله البار وفيصل بن كوير وسالم بكير وسعد سالم فرج ومحمد فرج بارادم وصلاح بن هشان معلمين، والأستاذ محمد بن سهيلان مدير مدرسة، كنا نشوف فيصل النعيري العطاس رمز الجبهة القومية كان بارزا بشدة وجاري خالد عبد العزيز ومعه صالح منصر ونتكلم مع سعيد العكبري، ونصافح ونعاود القائد صالح بن سميدع وعمي القائد أحمد عبدالله اليزيدي والريس محمد الكثيري، كان كل هذا المنظر الحركي هو الذي يتجه إلى المستقبل ولم نعلم كيف سنفهم ما هو قادم، كنا شباب بتفاوت السن من هو في تنظيمات أو خارجها، كنا نحمي بعض، نعرف أن صالح باصرة يتكلم أكثر مننا بطلاقة، وأن خلافاته بيننا كان من توجه قومي بين القوميين، لا نفرق ولم تظهر بينهم مظاهر إلا فيما بعد كان الشارع به مزيج من الأفكار وبها من الرقي الكثير لكن كنا نحب بعض ونذهب إلى السينما عرفنا المظاهرات ودور الحركة الطلابية الحضرمية، وكنا في وسط كل مظاهرات الطلاب، ولم ندرك أن الخلافات كبيرة إلا بعدين، وزعلنا وأثر هذا على نفسياتنا لليوم.

صالح علي باصرة أخي الذي تربيت معه ولم يغيب عن لسان أمي ذكره، كانت كل أمهاتنا الحنونات علينا، يوم كنا زمرة صغيرة في المكلا كان يظهر ميوله ولديه جرأة وقدرة على طرح الكلام اللبيب ويتمتع بعلاقات تصله بكل زملائه والآخرين، ثم انتقل إلى عدن وتدرج ونجح، وأحببت نجاحه، وكان يقول لي تعال عندي الجامعة.. أضحك.. ليش يا دكتور؟ يرد أنت تكتب في مقالك أكثر من مقال، تطرق عدة مواضيع دفعة واحدة، بسلاسة ودغز. هكذا كان يصفني ومثلما أحب بعمق المكلا سكنت عدن فؤاده واعتبرها جوهرة الجنوب وكان جهاده الكبير في الارتقاء بجامعة عدن وجعلها بمثابة هدف نبيل وصرح ينضوي تحته كل العدنيين وكل الجنوب، ونجح واقترب كثيرا وكثيرا جدا من المزاج الشعبي والإنساني والثقافي في علاقاته بالمجتمع العدني، عملت لقاءات معه، تغديت تعشيت جلست، يبوح بما يجوش به صدره بتلقائيه حضرمية ويضحك.. ويقول خلافاتي معهم لن تتوقف، أنا لا أعجب البعض وكان يقصد ويحدد كان لا يخاف مني أن أسرب معلومة، ألاقيه حين يطلبني وأذهب، سافرت معه في مؤتمر أو لقاءات الجامعات اليمنية والسعودية وغطيت الخبر في صحيفة "الأيام" وكانت تظاهرة جامعية بالسعودية، قال لي كبرتها يا علي جعلتها مثل مؤتمر القمة، مشكور يا علي سالم، كان يقترب مني بشعور المخوة والصبا وبساطة المكلاوي الحقيقي والإنسان والرجل السياسي العميق الذي لا يخفي شيئا، كانت بيني وبينه مكالمة تمت منذ فترة طويلة جاءت صدفة واراد هو أن يفتح صدره ربما، وله سؤال واحد. هو ماذا سيظهر المستقبل؟ وهو يلمح إلى أن العودة إلى الخلف خلاص، وأن واقعا جديدا هو ما هو مأمول وأن دورنا فيه كبير ومؤثر.
رحمه الله كان يدافع بكلتا يديه وقلبه وجسده ثم أنهك الجسد ولكل شيء حد لكن قيمة هذا فينا كبيرة ومكانته لن تنسى في ذاكرتنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى