«مصافحات ستوكهولم».. اختراق خجول في جدار القطيعة

> جميل الجعدبي

>
جميل الجعدبي
جميل الجعدبي
 
على هامش مشاورات السويد التي انعقدت في قلعة «جوهانسبيرج سلوت» شمال العاصمة السويدية ستوكهولم، خلال الفترة من (6 - 14 ديسمبر الجاري)، بين طرفي الأزمة والحرب اليمنية، سجّلت مصافحات بينية متفرقة لرؤساء وأعضاء الوفدين المتقاتلين ما يمكن اعتباره أول اختراق محدود لجدار القطيعة بين أطراف الأزمة اليمنية، والمدجج بترسانة إعلامية من المهاترات والسّجالات البينية، والقذائف الكلامية المتبادلة لنحو 5 سنوات ماضية، تاريخ تفاقم الأزمة ونزوعها نحو الاقتتال المسلح والحروب والتدخل العسكري الخارجي.

وبالنظر إلى نتائج ومخرجات الجولات السابقة في سويسرا والكويت، وتعذّر التئام طاولة المشاورات في جنيف سبتمبر الماضي، ومن ثم تأجيل موعدها وترحيله إلى جولة مشاورات السويد الأخيرة، يعتقد محللون سياسيون أن مجرّد انعقاد المشاورات مجدّداً يرفع من منسوب الآمال والتطلعات، وأن اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة وتبادل إطلاق آلاف الأسرى والمعتقلين، وبصرف النظر عن العوائق الماثلة أمام تنفيذ الاتفاقين ميدانياً، فإن مصافحات السويد تعدّ خطوات إيجابية تبعث على التفاؤل، وتمهّد لتسوية أرضية مفعمة بعوامل تعزيز الثقة المتبادلة، وتبشّر بإمكانية تجاوز مرحلة اختبار النوايا، وبما يساعد على عقد جولة مفاوضات جديدة يفترض أنها تنتقل إلى مناقشة مبادئ الإطار العام للحل السياسي الشامل والمستدام.

همسات أخوية خارج طاولة المشاورات

وأظهرت الصور والفيديوهات مصافحات نادرة أثناء وفي ختام مشاورات السويد، منها مصافحة وزير الخارجية في حكومة هادي، خالد اليماني، ورئيس وفد الحوثيين، والمتحدث باسم «أنصار الله» محمد عبدالسلام، بصحبة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، والمبعوث الخاص لليمن مارتن جريفيثس، ووزيرة خارجية السويد؛ وهي المصافحة التي شهدت تصفيقاً حاراً من قبل أعضاء الوفدين والحضور، وأثارت جدلاً واسعاً في أوساط المتابعين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول مصادر في الوفد القادم من صنعاء: «إن لقاءات وأحاديث ودّية عفوية أجريت بين أعضاء الوفدين خارج غرف المشاورات المباشرة وغير المباشرة، وبعيداً عن عدسات الصحافة وقنوات التلفزة»، مشيرة إلى وجود «مصافحات وتبادل أحاديث أخوية وتسامحية بين أعضاء الوفدين، وذلك أثناء التقائهم أكثر من مرّة في غرفة تناول الطعام وفي المصلّى المخصص لأعضاء الوفدين».
وفي تعليقه على واقعة المصافحة بين رئيسي الوفدين، يشير الناشط على شبكات التواصل الاجتماعي، خالد منصور، إلى سعادة بالغة غمرته في تلك اللحظة، «وجدت نفسي أصفّق بحرارة حتى دمعت عيناي وخفق قلبي ورفرفت روحي ابتهاجاً بهذه المناسبة»، مشيراً إلى أن انعقاد اللقاء والمصافحة بين الجانبين وتصافح أعضاء الوفدين وجلوسهم معاً خلال أيام المشاورات عدة مرّات بشكل فرادي وجماعي، يعتبر بحد ذاته «إنجاز يستحق الإشادة بكلّ احترام وتقدير».

وعلى عكس آخرين، لا يعتقد السياسي اليمني، عبدالله سلام الحكيمي، أن لمصافحات الأيادي تأثير على مسار مشاورات السويد، فهو يرى أن مسار المفاوضات بشأن اليمن أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، «يكفي أن تروا في كل جولة العدد الكبير من ممثلي الدول الذين يربضون في محيط صالة التفاوض وينشطون كخلايا نحل لا تفتر».
ويتابع «فإن ما يجري خارج الطاولة أكبر مما يجري داخلها، ويرى في مسألة التقارب أو القطيعة بين اليمنيين أن الأطراف الخارجية هي المتحكمة فيها في الغالب الأعم»، مضيفاً «ولو رفعت الأطراف الخارجية يدها لاستطاع اليمنيون أن يتصالحوا في أيام معدودات».

ومع ذلك يرى الحكيمي بوادر تسوية سياسية أو حل سياسي للقضية اليمنية يلوح في الأفق، «الحل السياسي بات الآن في متناول اليد أكثر مما كان عليه في الماضي»، معرباً عن اعتقاده بوجود إرادة دولية انعقدت مؤخراً بفعل متغيرات عديدة حصلت محلياً وإقليمياً ودولياً للبدء في الحل السياسي، وذلك لتحقق فشل الخيار العسكري من ناحية، ولأن استمرار الفوضى وانتشار الجماعات الإرهابية والمتطرفة وتواصل تسليحها بمختلف أنواع السلاح وخاصة الثقيل، وحصولها على تمويلات مالية هائلة من شأنه أن يشكل تهديداً لاحقاً على الأمن والسلام الإقليميين والدوليين وإشعال نيران زعزعة الإستقرار والعنف، ويعطي الإرهاب قاعدة بناء وانطلاق وتدريب ومأوى تكون مهمة له.

ويضيف الحكيمي أن «التسوية قادمة حثيثاً، وأن ما يجري الآن هو سباق على تحسين مواقع الأطراف الدولية للحصول على أكبر نصيب من كعكتها سياسياً واستراتيجياً وربما اقتصادياً، ولكن في المستقبل.

الماوري: تصافح لا يمثل مقاتلي الجبهات

ولا يعتقد الكاتب والصحافي اليمني، منير الماوري، أن مصافحات السويد نجحت في إذابة جليد القطيعة بين الطرفين، وبعثت الأمل بتحقيق تقارب سياسي وانفراجة مرتقبة للقضية اليمنية، ذلك لأن طرفي المشاورات «لا يمثلان المقاتلين في الجبهات».
من جهته يرى الإعلامي اليمني شوقي شاهر القباطي، أن هناك إمكانية لاعتبار المصافحات بين أعضاء وفدي المشاورات مؤشراً أولياً لعقد المزيد من المشاورات والمفاوضات المؤدية للسلام المنشود، مستدركاً بالقول: «لا يجب اختزال أمل السلام في هذه المصافحة ما لم تتبعها إجراءات على الأرض».

ويشير إلى أن تجارب التاريخ مليئة بالمصافحات «ولكنها كانت تدشيناً لمرحلة جديدة من الصراعات»، مشدداً على أهمية «أن تكون خلف هذه المصافحة نوايا صادقة في وقف هذا النزيف، وهذا هو المأمول اليوم».
وبين حجم التطلعات والآمال المنشودة من مخرجات مشاورات السويد في رفع المعاناة عن ملايين اليمنيين منذ 4 سنوات ماضية، وتلاشي هذه الآمال وراء أدخنة قذائف المدفعية المخترقة لاتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة خلال الساعات الأولى من عمر الاتفاق، تبقى صور المصافحات عالقة بأذهان المتابعين بين الآلاف من صور المعاناة والدمار.
عن (العربي) 





> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى