كيف أصبح اليمني رهين القوى العظمى؟

> فؤاد الصباغ

>
​في الأمس القريب كان العالم كله يتحدث عن اليمن السعيد، أما اليوم أصبح الجميع متضامنا مع اليمن التعيس، فعلى الرغم من المجهودات الدولية التي طال أمدها قصد جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات من أجل تحقيق حل سلمي وجذري دائم وذلك منذ وثيقة جون كيري للتهدئة، إلا أن صوت السلاح كان الطاغي على صوت الحوار والسلام. إذ ظل موقف الحوثي الإيراني متشبثا برفع سلاح المقاومة في وجه أي عدوان خارجي مستفيدا بذلك من الترسانة الحربية كالصواريخ الروسية الصنع والمدافع الحربية المتطورة التي تدك الحدود السعودية بنيرانها المكثفة يوميا.

 كما أن توازن القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط تفرض الأمر الواقع على جميع الأطراف السياسية خاصة على المستوى الإستراتيجي البعيد الأمد. بالإضافة إلى ذلك ساهمت الثورة الاجتماعية اليمنية التي أسقطت نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح سنة 2011 مباشرة في تأزم الوضع العام للبلاد بحيث استغل زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي هذا التشرذم السياسي ليفرض سلطته والأمر الواقع على جزء كبير من الأراضي اليمنية ويفسح المجال لتدخل الحرس الثوري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

لقد أصبح الشعب اليمني رهين القوى العظمى التى تتصارع على النفوذ الإقليمية وأيضا أصبح يعاني الأمرين نتيجة حرب ظالمة لا تراعي أبسط الحقوق الإنسانية، ولعل أن التدخل الإيراني بقبضة من حديد في أربعة دول عربية وهي جنوب لبنان وسورية والعراق واليمن أبرز دليل على هذا الاستعمار الهمجي والمغلف بمجموعات المقاومة. كذلك تذكرنا خطابات الزعيم عبد الملك الحوثي عبر الوعد والوعيد مع التهديد والتصعيد ضد كيان العدو الصهيوني الإسرائيلي وضد حلفاء أمريكا في الجزيرة العربية بتلك الخطابات الرنانة التي يرددها دائما الشيخ حسن نصر الله.

حرب اليمن ظالمة ولا تراعي أبسط الحقوق الإنسانية

بالتالي لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال أن تركع المقاومة الإسلامية لأي طرف محاور ولا للسعودية ولا للإمارات العربية المتحدة، بل تركع فقط لله عز وجل.
إن تفاقم الأزمة اليمنية خلال السنوات الأخيرة وخاصة منها حرب التحالف السعودي عليها تنم عن مأساة إنسانية عالمية حقيقية لا مثيل لها منذ قرون طويلة بحيث أصبح اليمن يعاني من فقر متقع وتهميش ومجاعة تصنف ضمن درجة كارثة إنسانية عالمية. بالنتيجة ارتفعت نسبة البطالة وتزايد استقطاب عدد المعطلين كجنود للحوثي تحت قيادة إيرانية منظمة، بالتالي تعطلت عجلة التنمية الاقتصادية ودمرت البنية التحتية بالكامل وكبح النمو الاقتصادي وانقطعت المبادلات التجارية وأصبح اليمن يعاني من حصار غاشم وعزلة دولية.

هذه النتائج الاقتصادية السلبية تسببت فيها الأوضاع السياسية السيئة وخاصة منها أعمال الحوثي العبثية والتخريبية لمكاسب الشعب اليمني وعلاقاته التجارية والمالية في فضائه الإقليمي. فالأزمة الإنسانية الحالية أدت إلى تحول الأطفال اليمنيين إلى هياكل وجماجم عظمية مع تسجيل العديد من الوفيات يوميا وتحولت حياة جميع السكان إلى كابوس حقيقي في مدن أشباح لا يطيب فيها العيش.

كما تعطلت جميع المرافق الحيوية وغلقت المدارس التعليمية ودمرت المستشفيات وتدهورت الحالة الصحية للجميع عبر انتشار الأوبئة والأمراض المزمنة مما أدى إلى تدخل وكالة الأونروا ومنظمة الفاو التابعتين للأمم المتحدة لتخفيف تأثيرات تلك الأزمة الإجتماعية التي أصبحت مأساة إنسانية عالمية، وبالتالي لم تكن الحلول المطروحة دوليا لحل الأزمة السياسية والإقتصادية فعالة رغم العديد من المبادرات و المقترحات الدولية. إذ تعتبر عملية الاستفتاء على الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد الانتخابات اليمنية العامة على السلطة التنفيذية والتشريعية تعزيزا لشرعيته الدولية داخليا وخارجيا وتؤكد سلطته على كامل التراب اليمني. لكن في المقابل يمثل الاحتلال الإيراني عبر الحوثي العبثي من المنظور السعودي لمدينة الحديدة وحجة وصعدة انتهاكا صارخا للسيادة الوطنية اليمنية وضربا على الحائط لجميع المواثيق الدولية وخاصة منها قرار الأمم المتحدة رقم 2216 ومفاوضات السعودية لحل الأزمة السياسية بالطرق السلمية.

إن إيران تسعى اليوم بكافة فروعها ومنظماتها ومجموعاتها في الشرق الأوسط لإجهاض أي اتفاق نظرا للأهداف الاستراتيجية البعيدة الأمد ووضع الرئيس عبد ربه منصور هادي والسعودية في مرمى نيرانها. أما بخصوص سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجاه اليمن فهي في مجملها تخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية، وذلك الدعم الذي تلقاه من بنيامين نتنياهو في أشد أزمة عرفتها السعودية لم تأت من فراغ بل تحمل في طياتها العديد من الخفايا المستقبلية.

 أما قمة السويد بستوكهولم فمقترحاتها لن تزيح الهم عن اليمنيين بل هي مجرد فسحة لإذابة الجليد كما صرح بعض المسؤولين ونتائجها مجرد جرعة مسكن وتهدئة قصد تبادل الأسرى والمعتقلين بين الجانبين من أجل إرساء هدنة إنسانية لإنقاض أطفال اليمن من المجاعة والكارثة الإنسانية. ونتائجها تمثل زوبعة في فنجان فارغ يقودها المبعوث الأممي مارتن جريفيثس بحيث «تمخض الجمل ليلد فأرا» و لا جديد يذكر على الصعيد الدبلوماسي المستقبلي بين الدول المجاورة لليمن والتي هي متورطة مباشرة في دوامة صراع لا ينتهي.

إن حمائم السلام هادي واليماني اللذين تروج لهما السعودية يعتبران عملاء الشيطان الأرعن أمريكا وإسرائيل من المنظور الحوثي، فكيف لهذه القمة الميتة قبل بدايتها أن تنجح؟ بحيث تبقى جولة السويد مجرد فسحة سياحية أوروبية ترفيهية للمبعوث الأممي مارتن جريفيثس.

- باحث اقتصادي بالموسوعة الجزائرية للدراسات الاستراتيجية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى