أربع ساعات في مصافي عدن.. ميدانيا وديوانيا

> كتب/ نجيب محمد يابلي

>
الأربعاء 9 يناير 2019م كان يوماً من أيام العمر، ذلك أنني أحييت ذكريات ترجع إلى أكثر من 55 عاماً كانت مسرحها مدينة البريقة الجميلة وتحديداً أحد منازل «بي - كلاس» الذي قطنته شقيقتي الكبرى فطوم يابلي، رحمها الله وكانت مديرة المدرسة الابتدائية للبنات في البريقة.

أحب البريقة وعائلاتها العريقة والعطرة السمعة ورجالاتها الطيبين ويصعب حصرهم، وعلى خلفية هذه الذكريات العطرة توجهت إلى البريقة استجابة لدعوة قدمها لي الأخ محمد البكري، المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن للاطلاع عن كثب على أوضاع مصافي عدن.

قضيت في مصافي عدن اربع ساعات وتحديداً من الساعة التاسعة و 40 دقيقة من صباح الأربعاء 9 يناير 2019 وحتى الساعة الواحدة و 30 دقيقة من ظهر نفس اليوم، واقتضت المهمة أن أكون بين الميدان والديوان حيث التقيت بحسب الترتيب: الأخ مصطفى فخر الدين، مدير العلاقات العامة في الشركة و م. سعيد محمد بن محمد، كبير المهندسين ومدير المصفاة بالوكالة والمحاسب الكبير محمد ابو بكر البكري المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن ARC والأخ محمد عبد الله مسيبلي، رئيس نقابة مصافي عدن.

على المستوى الميداني اطلعت على مشروع الاحلال لمحطة الطاقة لأن انطلاقة المصفاة نحو مشاريع نوعية جديدة لن يتأتى الا من خلال الطاقة فاطلعت على سير العمل في مشروع الغلايات الثلاث والمولدات الثلاثة، إنتاجية كل واحدة 7.5 ميجاوات، وواحدات تحلية مياه البحر: عدد وحدتين، إنتاجية كل وحدة 90 طنا في الساعة من الماء المقطر، ومشروع ثلاث خلايا تنقية ورفع جودة مياه الغلايات ومشروع أربع مضخات للمياه مكافحة الحرائق، وحتى لا يمل القارئ من كثرة ما رأيت سأختصر على هذا النحو: مشروع تصنيع غازي الاوكسجين والاستيلين ومشروع مد الانابيب بطول (18) كيلو متراً إلى محطة الكهرو حرارية ومحطة المنصورة وستحل الانابيب محل البوز والراكب من والى البريقة سيرى مشروع مد الانابيب وستمد المصفاة المحطتين المذكورتين بالديزل والمازوت.

هناك مشروع استبدال الجسر القديم بجسر جديد الا ان التجربة افرزت الحاجة لبقاء الجسر القديم إلى جانب الجسر الجديد وهناك جسر اخر سيربط البريقة بالخط الدولي: بريقة - صلاح الدين - العارة - الحديدة.
هناك مشروع لتطوير ميناء المصافي بالتواهي (إدارة عدن لتموين البواخر ABD) وكل ما ذكرنا ومالم نذكر ان كل الموجودات تهالكت بما في ذلك البواخر القديمة حيث اشترت الشركة باخرتين جديدتين بالاضافة إلى رفاصين بأحدث المواصفات، أرادت مصافي عدن عرض البواخر الأربع القديمة للمزاد العلني وقامت الدنيا ولم تقعد، حتى ان رئيس الوزراء السابق بن دغر اوقف المزاد وعندما زار المصافي غير وجهة نظره من اشياء كثيرة لان باخرة قديمة لو غرقت سيتم الاستعانة بشركة اجنبية متخصصة لاخراجها وتحاشي كارثة بيئية لا يحمد عقباها وسيكلف ذلك ملايين الدولارات ومطلوب احلالا العقلانية محل التخوين..

أبدى المواطن قلقه المشروع وهو يرى شعلة المصفاة منطفئة وكل شيء سيعود بما في ذلك شعلة المصافي لان كل شيء مرتبط بمشروع الطاقة الكهربائية لان فترة (65) عاما من عمر المصفاة ترتب عليه قيام هذا المشروع وتدفع الحكومة رواتب موظفي المصفاة رغم وجود ديون للمصفاة على الغير ومنها شركة الغاز وشركة النفط الوطنية وغيرها ولو دفعت الديون لما كانت هناك حاجة للدعم الحكومي..

 رغم كل ذلك تحملت المصفاة كلفة تموين المقاتلين في مختلف الجبهات بكميات ضخمة من البترول والديزل اثناء فترة الحرب عام 2015م، وكانت المصفاة اكبر داعم للمقاومة في مواجهة الحوثيين، ورغم أن المصفاة عند درجة الصفر الا انها لعبت دوراً كبيراً في استقبال السفن القادة من السعودية والامارات الحاملة لمواد الاغاثة ولم تتلق المصفاة اتعاب الخدمات المقدمة كما تحملت المصفاة مسؤوليتها بنقل المنحة السعودية على اسطولها إلى ميناء نشطون وميناء المكلا ولم تستلم اي اتعاب مقابل خدماتها.

رأيت في المصفاة عدداً من الرفاصات من مختلف الاحجام اكبرها رفاص قدرته على حمل 400 طن وبهذا الرفاص تم حمل الجسر الجديد وهو من ضمن معدات الشركة الصينية العملاقة «شركة شنغهاي» لمحطات الطاقة (STC) الشركة المنفذة لمحطة الكهرباء الجديدة.

يقضي الأخ المدير التنفيذي أوقاته بين العاصمة الأردنية «عمّان» والعاصمة المؤقتة عدن، ويبرر ذلك بأن لا احد من العرب أو الأجانب يقبل بالقدوم إلى عدن ولذلك تسهل اللقاءات ويسهل انجاز الأعمال مع الأجانب في مدينة بعيدة عن مسرح الاحداث حتى الشركة الصينية (STC) تحفظت في البداية عن ابتعاث فنييها إلى عدن بعد اعتراض الحكومة الصينية على المخاطرة بأرواح ابنائها وهم مليار ونصف المليار نسمة ونحن نعرض ارواح مواطنينا للهلال بمنتهى السهولة وبأعداد كبيرة (هذا كلامي أنا)..

لماذا ترسي المناقصات على شركة أراب جلف Arab gulf CO دون غيرها من الشركات يا أخ بكري؟ قال البكري: عملنا في المناقصات على مرحلتين: 1 - مرحلة ما قبل الحرب، 2 - مرحلة ما بعد الحرب، في مرحلة ما قبل الحرب كانت المناقصات تسري على شركات عالمية إلا أن الحرب حالت دون ذلك، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا تقبل أي شركة أجنبية أو محلية دخول المناقصة لوجود شرط ويتلخص هذا الشرط في أن الدفع سيتم بعد توريد المواد النفطية إلى خزانات المصافي.

المناقصات تشرف عليها مصافي عدن واطراف اخرى مثل وزارة المالية وشركة النفط الوطنية ومؤسسة الكهرباء وشركة اراب جلف قبلت بالشرط المستجد وقبلت بالددفع بالعملة المحلية وتدفع «ِشركة اراب جلف» ومالكها الشيخ احمد صالح
العيسي غرامات التأخير ولا تتحملها المصفاة ولذلك ترسي المناقصات على العيسي
الأخ البكري يقترح وبقوة العمل بوسيلة تغنينا عن الدخول في شتائم وتخوين وذلك بالعمل وفق الية تلزم مصافي عدن ووزارة المالية والبنك المركزي ومؤسسة الكهرباء ووزارة النفط وشركة النفط الوطنية تتحت اشراف وزارة المالية على مراعاة التالي:
1 - الرقابة على المواد بدءاً من استلامها وتصريفها اي التعامل الدقيق مع الارقام
2 - ضمان توريد الايرادات إلى البنك المركزي الذي سيودعها في حسابات الجهات المستحقة في حسابها لدى البنك المركزي
بهذه الالية ستضمن اغلاق الباب امام الراغبين في تشوية سمعة الاخرين باتهامه مبانهم هم وراء اختفاء الوقود وسوء التصرف ولذلك تشدد المصفاة على العمل بهذه الالية
بلغ اجمالي ماكتبته في مفكرتي (16) صفحة شملت مشاهداتي ولقاءاتي بمسؤولي المصفاة خلال اربع ساعات وشملت لقائي بالاخ محمد عبدالله مسيبلي رئيس نقابة  المصافي والذي تحدث عن اللهجمة الشرسة التي تتعرض لها مصافي عدن والهجمة الاكثر شراسة التي تتعرض لها اراضي وسواحل وهضاب البريقة وضواحيها دون حسيب او رقيب ولا تنسي ان مساكن المصافي مضى عليها (65) سنة ، اي انها تتهالك والذي سكنها عام 1954 اصبح له اولاداً واحفاداً واحفاد الاحفاد ولو اننا في مجتمع حضري لرد عنا اولئك العابثين وبدلاً من الحديث عن الشهيد او الجريح علينا ان نضمن حقوقهم في مستحقاتهم من الراتب والرعاية الصحية.
حقيقة انني جمدت الموضوع بعد هول ماحدث من كوارث:
* الخميس 10 يناير 2019:
- جريمة المنصة في معسكر العند وما ترتب على ذلك من سقوط قتلى وجرحى.
* الجمعة 11 يناير 2019:
- العدوان على خزانات مصافي عدن.
* الأحد 13 يناير 2019:
- وفاة اللواء الركن محمد صالح طماح، رئيس جهاز المخابرات العسكرية ليدخل التاريخ من اوسع أبوابه شهيد التآمر القذر الذي استهدف معسكر العند العنيد الذي لم يتطاول عليه احد من قبل.
- هذه هي البريقة الجميلة التي تتعرض اراضيها وسواحلها وهضابها للعدوان.
- هذه هي مصافي عدن التي ستستعيد مكانتها الكبيرة إلى جانب مطار وميناء عدن.
- سلام على صاحبة الجلالة البريطانية الملكة اليزابيث الثانية، حفظها الله، التي افتتحت المصفاة أثناء زيارتها لعدن يوم 27 ابريل 1954.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى