معركة الإغلاق الحكومي أول خسائر ترامب سياسيا

> واشنطن «الأيام» ا.ف.ب

>  قد تكون عبارة «أنت مطرود» التي يشتهر بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في برنامجه السابق على تلفزيون الواقع شعاره المحبب لكن في معركته مع الديموقراطيين في الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ البلاد، فإن صانع الصفقات الأسطوري قد يكون ساهم بنفسه في تأزم وضعه.
وتعتبر الهالة الشخصية الحاسمة من صفات الرئيس التي جسدها عندما كان نجم برنامج «المتدرب» (ذي ابرنتيس) إلى درجة يتعذر معها على كثيرين تصوره بشكل يناقض رجل الأعمال الشرس.

لكن أزمة الإغلاق الحكومي التي استمرت 35 يوما وأنهاها ترامب أخيرا أمس الأول الجمعة، كشفت بأن البيت الأبيض ليس مثل مجلس الإدارة في شركة العقارات التي يملكها الملياردير، أو مسرحا في تلفزيون الواقع.
ومع تزايد عدد الموظفين الفدراليين الذين لم يتلقوا رواتب ومعاناتهم من مشكلات مالية، فيما حركة الملاحة الجوية شهدت اضطرابات، بل حتى عناصر أجهزة الاستخبارات الذين يحرسون البيت الأبيض بدون راتب لشهر ثان، فإن الأميركيين استصرخوا قياداتهم.

وما حصلوا عليه طيلة خمسة أسابيع من ترامب ومعارضيه الديموقراطيين لم يكن سوى سجالات سطحية وخلافات سياسية.
وترامب الذي أصر على «عدم التراجع» فعل ذلك في النهاية، فوافق على إعادة فتح إدارات الحكومة لثلاثة أسابيع متخليا عن مطلب التمويل الفوري لجدار حدودي مثير للجدل مع المكسيك.

وكان ذلك القرار من المواقف النادرة جدا بالنسبة لرجل كثيرا ما تباهى بقسوته وغروره: تراجع شخصي من أجل المصلحة الأكبر.

حصار  
وجاء التراجع الكبير في ذروة نهار حافل.. ففجر أمس الأول الجمعة قام رجال مكتب التحقيقات الفدرالي (إف.بي.آي) بتوقيف مستشاره السابق روجر ستون على خلفية التحقيق في تواطؤ محتمل بين حملة ترامب وروسيا، ما أثار شعورا بأن البيت الأبيض يتعرض لحصار.
وستون هو سادس شخص على علاقة بترامب، يتم اتهامه في التحقيق الواسع الذي يشرف عليه المحقق الخاص روبرت مولر.

وسعت المتحدثة باسم الرئيس ساره ساندرز إلى عدم إبداء اهتمام كبير وقالت إن هذا التوقيف «لا علاقة له بالرئيس وبالتأكيد لا علاقة له بالبيت الأبيض».
وقالت ساندرز إن مصير ستون-- الذي يواجه ست تهم بينها التأثير على شهود وعرقلة العدالة -- «ليس مسألة تؤثر علينا في هذا المبنى».

لكن في غضون وقت قصير اتضح بأن شخصا آخر في المبنى لا يشاركها الشعور بعدم الاكتراث وهو رئيسها.
وفي تغريدة على تويتر قال ترامب «أكبر حملة مطاردة في تاريخ بلدنا! لا تآمر!. ذئاب الحدود وتجار المخدرات والمتاجرين بالبشر يتلقون معاملة أفضل».
ان كولتر
ان كولتر

 رد الصاع صاعين  
والرئيس الوافد من نيويورك دائما ما يصور نفسه شخصا مفعما بالقوة والثقة.
ويبرز هذا بشكل خاص في براعته التفاوضية.. ويقول في الكتاب الذي يحكي سيرته الذاتية «فن الصفقة» إن «أسلوبي في ابرام الصفقات سهل جدا ومستقيم. أصوب عاليا ثم استمر في الدفع والدفع والدفع كي أحصل على ما اريد».

وهكذا عندما رفض تمويل أجزاء من الحكومة في ديسمبر اعتقد ترامب بأن عرض عضلاته التنفيذية هذا سيجبر الكونجرس على الرضوخ لطلبه 5,7 مليار دولار لتمويل إكمال بناء الجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك- ما كان في صميم حملته الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض في 2016.
غير أن ترامب، الذي لم تكن لديه خبرة في السياسة، لم يحسب على ما يبدو بأنه سيضطر للتعامل مع مجلس نواب في الكونغرس بات منذ يناير الحالي تحت سيطرة الديموقراطيين.

في المقابل، فإن رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، خصمه الرئيسي، لديها عقود من الخبرة في سياسات الإغلاق الحكومي. وكما قالت ابنتها لشبكة سي.إن.إن التلفزيونية «ستقطع رأسك ولن تشعر بأنك تدمي».

والسؤال الآن: ما هي الخطوة التالية؟
فعقب خسارته الجولة الأولى وعد ترامب بجولة ثانية بعد 3 أسابيع في حال عدم حصوله على التمويل لبناء جداره. وقد يعني ذلك إغلاقا ثانيا أو تفعيل صلاحيات الرئيس في حالة الطوارئ للحصول على تمويل الجدار بدون موافقة الكونجرس.
وزعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر حذر ترامب من مغبة نزاع جديد. وقال «نأمل أن يكون ترامب قد تعلم الدرس».. لكن ترامب هدد مجددا بإغلاق الحكومة مجددا.

وغرد ترامب على تويتر «هذا ليس تنازلا على الإطلاق ... انما اهتمام بملايين الأشخاص الذين عانوا كثيرا جراء الإغلاق مع الإدراك بأنه خلال 21 يوما، في حال عدم التوصل لاتفاق، سيعود التصعيد».
وفي كتاب آخر عنوانه «إطمح عاليا ولا تأبه في العمل والحياة» يقول ترامب «شعاري هو التعادل دائما. ورد الصاع صاعين».

لماذا الاستسلام الآن إذاً؟
ترى صحيفة الجارديان البريطانية أن هناك 3 احتمالات مُرجَّحة:
أولاً، كان هناك ضغطٌ سياسي. عند سؤال إحدى شخصيات رواية الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي The Sun Also Rises عن كيفية إفلاسها، ردَّت الشخصية: «تدريجياً، ثُمَّ فجأةً». وهذا ما حدث فعلياً مع ترامب، فقد تراكمت الأنباء السيئة تدريجياً عشية عيد الميلاد ورأس السنة، ثُمَّ فجأةً يوم الجمعة بعد تسبّب النقص في مراقبي الحركة الجوية في تأخيراتٍ كبيرة في الرحلات، وصلت رودود الفعل التي تقول: «أنا نادمٌ على انتخاب ترامب»، وصلت أوجها.

ثانياً، إن كان ترامب يرغب في تقليص خسائره، فإنَّه ربما يفعل ذلك الآن حتى يتسنَّى له إلقاء خطاب «حالة الاتحاد» كما هو مُخطَّط له يوم الثلاثاء 29 يناير، أو على الأقل بعد ذلك التاريخ بفترة قصيرة. إذ يمثل الخطاب ذلك النوع من اللحظات التلفزيونية المهمة التي بلا شك كان يحلم بها منذ الوهلة الأولى لترشّحه للرئاسة. لكنَّ رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أخبرته بأنَّها ستؤجل الخطاب حتى إعادة فتح الحكومة. وباستسلام يوم الجمعة، باتت النتيجة: بيلوسي 2 وترامب 0. وغرَّدت جاكي أليماني، الكاتبة بصحيفة The Washington Post الأمريكية، قائلةً: «كتب أحد موظفي البيت الأبيض السابقين: (أفترض إذاً أنَّ نانسي بيلوسي الآن ستلقي خطاب حالة الاتحاد، لأنَّها مَن يدير البلاد)».

ثالثاً، ترامب خبيرٌ في الإلهاء واختلاق الأمور لتشتيت الانتباه. إذ بدأ بالاعتقال الكارثي ربما لمستشاره لفترة طويلة روجر ستون كجزءٍ من تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر في التواطؤ المزعوم مع روسيا. وأي شيءٍ لإبعاد عناوين الأخبار عن هذا الموضوع أفضل من إنهاء أطول إغلاقٍ حكومي في التاريخ الأمريكي؟ لكن الحقيقة أنَّ ترامب استبدل مجموعة مريعة من عناوين الأخبار بأخرى مريعة أيضاً.
نانسي بيلوسي
نانسي بيلوسي

إخفاء الهزيمة
إذ باتت السردية المتداولة هي أنَّ ترامب الذي نصَّب نفسه صانعاً للصفقات قد أذعن، وخضع، واستسلم، وخسر. حاول منع هذا التصور عن طريق ملء خطابه بحديقة الورد بادعاءاته البيانية المُضرجة بالدماء المعتادة عن تدفق المخدرات والمجرمين العنيفين عبر الحدود الأمريكية المكسيكية. وأصرَّ ترامب، الذي خرج في بعض الأحيان عن الخطاب المُجهَّز على المُلقِّن ليُكرِّر مشاعره الداخلية: «لا يجب أن تكون الجدران أمراً خلافياً. بَنَتَ بلادنا 654 ميلاً (1052.5 كيلومتر) من الحواجز على مدى السنوات الـ15 الماضية، وأخبرني كل شخص تحدَّثتُ معه ممن عملوا في حراسة الحدود إنَّ الجدران تنجح.

وهي بالفعل تنجح. فمهما ذهبت، تنجح الجدران. بَنَتَ إسرائيل جداراً، وهو ناجح بنسبة 99.9 %. ولن تختلف النتيجة في حالتنا أيضاً». وحذَّر من أنَّه في حال لم يحصل على اتفاقٍ عادل من الكونجرس، فإنَّه سيغلق الحكومة مجدداً يوم 15 فبراير أو سيلعب ورقته الأخيرة: إعلان حالة الطوارئ الوطنية للحصول على التمويل بطريقةٍ أخرى. وهدَّد بعد ذلك في لقاءٍ بالبيت الأبيض قائلاً: «سنعمل مع الديمقراطيين ونتفاوض، وإن لم نستطع عمل ذلك، فإنَّنا بوضوح سنلجأ إلى الطوارئ لأنَّ هذه هي الحال فعلاً. إنَّها حالة طوارئ وطنية».

ترامب سحق على أيدي النساء اللاتي لا يحترمهن
لكن على الأرجح، بحسب الصحيفة البريطانية، فإنَّ أياً من ذلك لن يرضي اليمين المتطرف، الذي كان يحضّ ترامب على القتال من أجل الجدار حتى النهاية. فقد غرَّدت آن كولتر، مؤلفة كتاب «In Trump We Trust – نثق بترامب»، قائلةً: «أخبار جيدة للرئيس جورج هربرت واكر بوش (جورج بوش الأب): اعتباراً من اليوم، لم يعد هو أكبر رئيس ضعيف يحكم الولايات المتحدة». وهكذا إذاً وجد ترامب، الرجل الذي لا يُعرَف عنه إظهار الاحترام للنساء، نفسه قد سُحِق على يد بيلوسي من يساره وكولتر من يمينه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى