أزمة بناء اليمن في إشارات إستراتيجية

> د.باسم المذحجي*

> ما تزال بلدنا حتى اللحظة تفتقر إلى إستراتيجية بناء الوطن، في غمرة الانشغال في الصراع على الهوية، وإشكالية الانتماء؛ لتصبح لدينا أزمات دائمة، وليست تحولات بالفعل، أصعب عملية هي عملية بناء الوطن؛ لأن الوطن أرض نبنيها، وليس نتصارع عليها.

أزمة وطنية مفتوحة
لم يتم التركيز على القيم العملية؛ كالفقراء، ومحدودي الدخل، وطلاب العلم، والعمال، والإنتاج، والتنمية، والاستثمار، وبناء الإنسان، وحقوقه وكرامته. السياسات العامة لم توجه لخدمة وتطوير المجتمع، ولم تحقق أهداف المجتمع.. بالفعل فشل طرح الشعارات وآليات الخطاب الوطني هو جزء من أزمة بناء الوطن اليوم.

تواضع مساهمة المواطنين في السياسة بعد مرور 101 سنة من ظلم أبناء تهامة ومأرب وتعز والحجرية، وكذلك بعد مرور 29 سنة من الوحدة اليمنية، والأمر كذلك بعد مرور 25 سنة من ضم الجنوب العربي إلى قبائل الشمال بقوة الضم والفيد والإلحاق، الراهن اليوم بأن أجندة 101 سنة عادت للواجهة بزعامة عبدالملك الحوثي وميليشياته المسلحة، وأجندات 25 سنة عادت بزعامة عبدربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر وجماعة الإخوان المسلمين، فيحين البقية التي كانت سبب الوحدة الاندماجية 1990 تم إقصاؤها بشكل مباشر أو غير مباشر، وتراوح اليمن مكانها من استبداد يحل محل استبداد، وهيمنة تحل محل أخواتها، وهكذا هلم جرا..

لكن الأهم إستراتيجيًا ووطنيًا بأن الغالبية الشعبية هي المتضررة من كل الأجندات السابقة، وهذه هي أزمة الوطن في يومنا هذا، وبات ملحا على الجميع تبني خيارات إستراتيجية جديدة بنفس وطني جديد.
الغالبية المتضررة ترفض ذات الوجوه وإن كان قدرنا بأنها ستظل في وجهنا، فيا حبذا تغير من نفسها الكريهة في بناء وتنمية وتطوير البلدان.

نريد نفسا وطنيا يحترم عقولنا وحقوقنا وتطلعاتنا وآمالنا ورغباتنا في الإدارة الذاتية لمصالحنا ومشاريعنا الوطنية.
الوحدة الوطنية هي وحدة قلوب وليست وحدة قيادة وحدود، فكما سيقول البعض إن عبدربه منصور هادي وعلي محسن صالح وجماعة الإخوان المسلمين هم سبب وحدة اليمن، فالغالبية تقول إنهم سبب تمزق النسيج الاجتماعي الوحدوي برفقة حزب الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.

البعض يقول إن ثورة 11 فبراير هي سبب وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل والدستور الاتحادي الجديد؛ لكن مع الأسف فالغالبية تقول إن هناك أطرافاً في اليمن تستخدم الحوار الوطني تكتيكاً وليس قناعة، بما فيهم الإخوان المسلمين ومنسقاتهم الثورية في الوجه الآخر للسياسة، لكن يظل العقلاء والحكماء يؤكدون أن مشروع اليمن الاتحادي فكرة دولية لحلحلة مشاكل اليمنيين.

الأخطاء الوطنية القاتلة
يُقال إن عليك أن تصمت لكي يسمعك الآخرون، ويُقال إن الشيء السيئ ذو فائدة، نظرًا لأنه يضرب به المثل في السوء، لكنني هنا بين ثنيات هذه الحروف أطالب الجميع باحترام عقولنا وإرادتنا؛ فعقولنا ليست سياسية بقدر ما هي تنموية.
مشكلة الحفاظ على الوحدة ليست مسئولية حكومات بقدر ما هي الوسيلة التي بموجبها يتسلمها الشعب، أي مسئولية الوحدة، وتصبح المسئولية مسئولية الشعب وليست حكرًا على الساسة عبر إدارة الشؤون العامة والتنمية والتطوير، فمع دخول البلد في التنمية والتطوير والإدارة الذاتية للشؤون العامة فالبلد سيتوحد تلقائيًا.

التركة الثقيلة من السياسات السابقة نتيجة لإقحام البلد في حروب عبثية أنهكت وشلت عجلة الاقتصاد مع فوضى أمنية عارمة خيمت على قطاعات البلد الأمر الذي عطل الخدمات العامة، مما أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي؛ بل تطورت المسألة لإقحام البلد في أجندات صراع خارجية.

مقترحات عملية
نحتاج إلى قيمة جديدة لمحددات ثقافية نشتغل عل أساسها، فأي مشروع سيجعل صاحبه جميلا ومحبوبا من الشعب حتى لو افتقد لمواصفات القائد الإستراتيجي.. لكن نحتاج إلى تطوير تقديم قالب أي مشروع بوضع أرقى تنمويًا وإستراتيجياً وبنمط يستوعب شرائح أكبر.

نجاح المشروع الوطني يحتاج إلى قدرة إستراتيجية على تغيير القناعات السابقة وليس ترسيخها.
الوحدة الوطنية ليست صهر المجاميع السكانية في وحدة بحيث مجموعة تغلب أخرى، والأصل بأن يتم القريب بين الوحدات المختلفة ووضعها جميعًا في إطار وطني عام يعزز الانتماء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة.
كيف نعزز الشعور الوطني بالانتماء؟ تحقيق التوازن داخل المجتمع ونجاح التنمية والتطوير وشعور الأفراد بأنهم مستفيدون من الأحوال الجديدة التي هم فرضوها ولم تفرض عليها بأي شكل سياسي أو أمني أو عسكري أو اقتصادي.

بناء مؤسسات قانونية وقضائية وتنموية والمباشرة في وضع الخطط الإستراتيجية التنموية للبلد بعيدًا عن ضجيج السياسة اللامسئولة الوقحة، وتطوير حياة الناس، والعمل على تصميم خطط تنموية هدفها الربط بين تنمية الموارد البشرية والتنمية الاقتصادية، والاستفادة من استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرة، والطاقات الإبداعية، وتشجيع الشباب، ودعمهم على إنشاء المؤسسات، والمشاريع الصغيرة، وتدريب الشباب والخريجين الجدد، ووضع خطط للارتقاء بهم وكذلك إعادة النظر في المناهج الدراسية والتخصصات بما يتناسب مع الحاجة العملية في سوق العمل وبناء خطط إستراتيجية تنموية.
* باحث يمني إستراتيجي في مجال تطوير البلدان​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى