كساد الأفراح ورواج الأحزان

> كتب/ منصور الصبيحي

>
​سنوات من الحرب الظاهرة للعيان لم تكن إلا وليدة سنوات من الحرب الخفية يقودها نظام مصاصي دماء الشعب ولم تكن وليدة صدفة بل كانت أمرا متوقعا.. إن ضريبة الحرية والخلاص ستكون فادحة يوما ما، وستبلغ مداها لكل أسرة وقرية ومدينة وشارع، ومن لم تمسه نارها مسهُ دخانها، فما يسود حاضراً خير شاهد من رواجٍ للأحزان وكساد للأفراح، فلا يكاد يمضي يوم ويومين إلا ويزف إلينا نعي من هنا ونعي من هناك ومصيبة من هنا وأخرى من هناك.. قد راجت الجروح والمصائب بحجم الكارثة وبحجم عدل القضية وبحجم الحرب الظاهرة والخفية.. فإن تكون في عيد فنزهتك المستشفى لزيارة مصاب أيامك غير أيامه ذهب بالأنس وعاد بالوحشة، وقد يأتي يوم من يأتي إليك متنزهاً -لو سمح الله- إن طالت الحرب وأن تكون في عرس أحيانا يتلازم الاثنان عرسا وعزاء جنبا إلى جنب في قرية أو حارة، فمنهن من تطلق الزغاريد، ومنهن تشتد بالنحيب. 

فإن ترقص ترقص على وقع الألم، وأن تبتسم فقلب يعصرهُ الأسى، ذلك المشهد الذي لا يزال قائماً إلى يومنا يحضرني منهُ من أحد المستشفيات لشاب في مقتبل العمر تعرض للإصابة جراء لغم، وقد أقر الأطباء قطع ساقيه بعد أن تأكد لهم عدم تماثلهما للشفاء، وما أن زف إليه الخبر نزل عليه كالصاعقة، وفي اليوم التالي قال لمرافقيه أخرجوني لأشم النسيم لدقائق معدودة خارج المستشفى.. كان قد جهز مجموعة من المضادات الحيوية يخفيها تحت قميصهُ لعلهُ يريد أن يضع حداً لحياتهِ بعد أن يرى السماء والرحاب لآخر مرة ولا يستطيع أن يواجه الحقيقة المؤلمة عليه ولم يستصغ موقفها، وحين اكتشاف أمره وسأل وهو يبكي ويقول أنا انتهيت أنا انتهيت أنا انتهيت، لا أريد أن أرى نفسي ناقصا، لا أريد أن أرى أصدقائي يلعبون الكرة وأنا لا أستطيع اللعب، لا أريد أن أرى أمي تحدق في عيني فتنهمر دموعها حسرة وندامة، لا أريد لا أريد لا أريد.. كلمات تبكي الشجر والحجر قبل الإنسان.. وظل يبكي ويبكي حتى فقد الوعي..

إلى هنا هل عرفت عزيزي القارئ لِمَ راجت الأحزان وكسدت الأفراح؟ فما قدر لنا أن ننتهي يوما انتهينا، لكن يوم عانق نصر الطغاة غيهم واستفحل الوجع في عمق أعماقنا يوم أن تفننوا بموتنا البطيء لم ننتهِ اليوم ولم تقطع ساقاك، اليوم يا ولدي قد قطعت ساقاك من يوم وطأت جنازير الغزاة أرضك واستباحت مقدرات شعبك، ولم تقطف زهرة ربيعك، ولم تسال دماؤك وتنزف دموع أمك الآن؛ بل بالأمس حين لم يحسب الطغاة حساب يومهم ويومنا وحساب ربهِم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى