هل تحتاج اليمن وليبيا إلى نموذج «لويا جيرغا» الأفغانية؟

> د. نصر محمد عارف

>
تحت قبة الجامعة العربية.. مجلس أعلى للقبائل اليمنية

للمجتمعات القبلية ديناميتها السياسية الخاصة، التي ينبغي أن يحسن السياسيون فهمها، والتعامل معها، وتوظيفها بما يحقق الأمن والاستقرار في المجتمع، فعلى الرغم من أن الدولة تديرها مؤسسات سياسية، وعسكرية واقتصادية وغيرها؛ فإن القبيلة كوحدة أساسية للتنظيم المجتمعي، وكرابطة قوية لتحقيق التماسك الاجتماعي هي الأساس الراسخ لاستقرار وفعالية مؤسسات الدولة، وهى القاعدة الصلبة لشرعية الدولة ذاتها.

لذلك إذا انفجر المجتمع القبلي، وتصارعت القبائل، وفقد المجتمع تماسكه، وتخلى عن أواصر العيش المشترك، ولُحمة الحياة معا، سيكون من العسير على مؤسسات الدولة إعادته إلى طبيعته، وتحقيق السلام والأمن والطمأنينة فيه مالم يتم ذلك من خلال إعادة القبائل إلى حالة السلام والتناغم والعيش المشترك من خلال عملية توافقات قبلية، لأن علاقات القبائل على مر التاريخ تحكمها الأعراف والتقاليد، وعمليات التفاهم والتنازلات المتبادلة، فلا غالب ولا مغلوب في مجتمع قبلي، تعلو فيه مفاهيم الكرامة والشرف القبلي على أي مصالح أخرى.

وتتعدد النماذج التي تم فيها إعادة بناء المجتمع والدولة بعد حروب أهلية طاحنة، فهناك نماذج لمجتمعات قبلية بالمعنى التاريخي للقبيلة، وهناك أخرى لمجتمعات قبلية بالمعنى الحديث للقبيلة الذي أصبح يتمظهر في صورة الطائفة، أو الجماعة الدينية المغلقة، هذه النماذج يمكن الاستفادة منها في إعادة كل من ليبيا واليمن إلى الحالة التي كانتا عليها قبل انفجارات الربيع العربي المشؤوم كالنموذج اللبناني الذى مر بحرب أهلية طاحنة استمرت 15سنة من 1975 إلى 1990، وانتهت الحرب باتفاق الطائف الذي تم بين قبائل دينية في صورة «طوائف ومذاهب وملل ونحل وأديان، وكانت الدولة اللبنانية ممثلة بهذه القبائل الدينية والطائفية، بحيث أن شكلاً جديداً للدولة ولد من رحم هذا الاتفاق».

في نهاية الحرب الأهلية في أفغانستان، لم يستطع الأمريكان بكل قوتهم تحقيق الاستقرار، وهزيمة طالبان إلا من خلال إحياء «اللويا جيرغا» وهى المجلس الأعلى للقبائل والعشائر الأفغانية، ومن خلال اجتماع اللويا جيرغا، تمت إعادة بناء الدولة في أفغانستان من جديد، وتمت ولادة الدولة الأفغانية بعد غياب طويل استمر لما يقارب ربع قرن، وعلى الرغم من استمرار العمليات الإرهابية لتنظيم طالبان، فإن اللويا جيرغا نجح في إعادة بناء الدولة الأفغانية، وتحولت طالبان فيها إلى جماعة منشقة خارجة على القانون.

العمليات الإرهابية في العراق بعد 2003 التي أوشكت أن تدخل العراق في حرب أهلية شاملة بين السنة والشيعة، لم يستطع أقوى جيش في العالم السيطرة عليها، لذلك لجأت الإدارة الأمريكية في العراق إلى فكرة الصحوات القبلية، وكانت هذه الصحوات تمثل قوة القبائل والعشائر، التي هي في حقيقتها أقوى من الدولة، ولم يتم القضاء على القاعدة والزرقاوي في العراق إلا من خلال الصحوات القبلية.

وبناء على ذلك فإن الاعتماد على القوى الاجتماعية ممثلة في العشائر والقبائل يمثل حلاً قد يكون مفيداً في حالة اليمن التي تجاوزت حروبهما الأهلية ثلاث سنوات من الكر والفر بين جيش نظامي تسانده قوى شعبية يمنية متقلبة الولاءات، متغيرة الانتماءات في مواجهة حرب عصابات تشنها جماعات عقائدية مغلقة تتحرك مثل الروبوتات، بأوامر من طهران وبيروت. ونفس الأمر ينطبق كذلك على الحالة الليبية التي لم تزل منذ أكثر من سبع سنوات تعيش حالة من الفوضى والعبث بمقدرات الشعب من خلال جماعات تعمل لحساب قوى إقليمية تهدف لتوظيف ليبيا للإضرار بدول الجوار، وخلق مناطق نفوذ.

ويتحقق نموذج «اللويا جيرغا» من الدعوة لعقد اجتماع يضم جميع قبائل وعشائر الدولة المعنية، تحت مسمى المجلس الأعلى للقبائل والعشائر اليمنية أو الليبية أو أي مسمى آخر. ويفضل أن يتم عقد هذا الاجتماع في الجامعة العربية، وينبغي أن يتم التخلي تماماً عن صيغة الحل السابقة سواء اتفاق الصخيرات في حالة ليبيا، أو المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية، هذه الثلاثية لم يعد لها وجود، لأن الزمن تجاوزها بكثير، ولذلك ينبغي التأسيس لشرعية جديدة تضع الحوثيين في وزنهم الطبيعي ضمن البنية القبلية اليمنية. ويتم وضع جدول أعمال يركز على ميثاق عيش مشترك، وعقد اجتماعي جديد. كذلك يتم وضع وثيقة دستورية تحدد المبادئ العليا للدولة اليمنية، ومن هذه الوثيقة يتم بعد ذلك صياغة دستور جديد من خلال لجنة دستورية منتخبة أو مختارة بوسيلة ترضى مختلف مكونات المجتمع.

بذلك يتم تقديم فكر جديد ورؤية جديدة لمستقبل الدولة يقوم على عقد اجتماعي متجدد، يؤسس لميثاق العيش المشترك، ويعيد بناء المجتمع، وبعد ذلك يتم بناء مؤسسات الدولة بعد أن يستقر المجتمع، ويقر بصورة واضحة عن إرادته في العيش المشترك، لأنه لا يمكن بناء الدولة إلا إذا كان هناك مجتمع يقبل بشرعية هذه الدولة، وهذا النموذج سيقوم بإعادة تأسيس مجتمع قوى أصابته أدواء التفكك والصراع خلال السنوات السبع العجاف الماضية.

عن «الأهرام» المصرية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى