للمرة الثالثة خلال نصف شهر.. جريفيثس يغادر صنعاء «صفر اليدين»

> «الأيام» غرفة الأخبار

>
كالعادة وللمرة الثالثة خلال نصف شهر يغادر المبعوث الأممي صنعاء صفر اليدين، سوى من بعض التكهنات التي يمنّي بها المجتمع الدولي والشعب اليمني عن سلام زائف مع جماعة الحوثي.

أمس الأول الخميس، غادر جريفيثس عاصمة الحوثيين صنعاء، دون نتيجة تُذكر خلال محادثاته مع الجماعة من أجل تنفيذ "اتفاق السويد"، خصوصاً فيما يتعلق بالانسحاب من الحديدة وموانئها، وتنفيذ خطة الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد.
جاء ذلك في وقت أعلنت فيه الجماعة تنصلها من اتفاق الأسرى والمعتقلين، وتراجعها عن حضور أي اجتماعات مقبلة مع ممثلي الحكومة الشرعية، لحسم الكشوف النهائية الخاصة بأسماء الأسرى.

ووصف القيادي الحوثي عبدالقادر المرتضي، المكلف بالتفاوض في هذا الملف، في تصريحات نقلتها المصادر الرسمية للجماعة، مشاورات عمان مع الجانب الحكومي حول هذا الملف بأنها “كانت عقيمة ولا فائدة منها"، وقال: "لا يمكن أن نستمر في مشاورات بذلك الشكل".

وزعم القيادي الحوثي أن “جماعته لن تتخلى عن جوهر الاتفاق؛ لكنها تريد إعادة النظر فيه وتزمينه مجدداً"، وقال: "قد يكون هناك تنازل من جانبنا فيما يخص الآلية التنفيذية، بأن يكون هناك إعادة تزمين أو تجديد للآلية التنفيذية، أو بعض الخطوات كأن يكون هناك وضع آخر لها، لكن بالنسبة لجوهر الاتفاق هذا لا يمكن على الإطلاق أن نتخلى عنه أو نتنازل عنه".

وكانت الجماعة الحوثية عطلت تنفيذ الاتفاق بخصوص، الأسرى والمختطفين رغم العرض المقدم من الجانب الحكومي، وهو "إطلاق سراح الكل مقابل الكل”.
وكشفت مصادر في الوفد الحكومي المفاوض، في هذا الملف أن الجماعة الحوثية تريد أن تناور في هذا الملف الإنساني لتحقيق مكاسب سياسية، خصوصاً بعد أن عرضت على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إطلاق سراح شقيقه ناصر منصور هادي مقابل مجموعة من أسرى الجماعة، وهو الأمر الذي رفضه الرئيس هادي، متمسكاً بمبدأ "الكل مقابل الكل”.

وكان مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن في العاصمة الأردنية عمان، عمل على تيسير نقاشات الفريق الحكومي والفريق الحوثي خلال جولتين، وتم التوافق على خمس خطوات قبل الوصول إلى الكشوف النهائية في المرحلة الأخيرة من الطرفين، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بسبب العراقيل الحوثية.

في سياق متصل، أفادت مصادر مطلعة في صنعاء بأن مشاورات المبعوث الأممي مارتن جريفيثس مع قادة الجماعة الحوثية لم تسفر عن أي نتيجة، وهو ما جعله يغادر صنعاء، بعد ثلاثة أيام من المساعي لدى قيادات الجماعة، أملاً في دفع اتفاق السويد خطوة إلى الأمام.

وذكرت مصادر ملاحية في مطار صنعاء أن جريفيثس غادر المطار باتجاه مكتبه الإقليمي، في العاصمة الأردنية عمان، دون أن يدلي بأي تصريحات.
وأوضحت المصادر أن جريفيثس ناقش مع الجنرال الأممي رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار وكبير المراقبين الأمميين في صنعاء، خلال لقائه به، تفاصيل خطته في المرحلة الأولى، والعراقيل التي حالت دون تنفيذها قبل أن يصطحبه خلال لقاءاته مع القيادات الحوثية في مسعى لإقناعهم بإعادة الانتشار.

وتريد الجماعة الموالية لإيران أن تنفذ انسحاباً شكلياً من الحديدة وموانئها، وترفض عودة السلطات الشرعية من قوى الأمن المحلية والسلطة المحلية التي كانت موجودة قبل الانقلاب في 2014، وهو الأمر الذي يرفضه الفريق الحكومي الميداني في الحديدة ويعتبره مخالفاً لجوهر "اتفاق السويد".

وكان وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، التقى في الرياض نائب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة معين شريم، للوقوف على آخر مستجدات السلام، وما يتصل بتنفيذ "اتفاق ستوكهولم”.
وخلال اللقاء بحث الجانبان الخطة المقدمة من رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد لتنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار، التي سبق للحكومة اليمنية والميليشيات الحوثية الموافقة على تنفيذها، بحسب الجدول الزمني المتفق عليه.

ونقلت مصادر بحكومة الشرعية أن اليماني "تطرق إلى موقف الحكومة والذرائع التي تختلقها الميليشيات لعرقلة تنفيذ الاتفاق"، وناقش مع "شريم" تطورات ملف الأسرى والمعتقلين وموضوع اللجنة المشتركة الخاصة بتفاهمات تعز.
وقال اليماني: “إن الخطة الممنهجة للحوثيين لتعطيل جهود السلام باتت مكشوفة ولا تحتاج إلى ضياع المزيد من الوقت، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي اتخاذ مواقف صريحة وواضحة لإنهاء عبث الحوثيين وإصرارهم على تعطيل كل ما يتفق عليه من مراحل وخطوات تنفيذية لإجراءات بناء الثقة”، مشيراً إلى أن الفشل في تنفيذ اتفاق الحديدة، سيعيد الأمور إلى المربع الأول، وسيقلل من فرص تحقيق السلام.

وبحسب جريدة الشرق الأوسط، فإن قادة الجماعة الحوثية حرصوا، خلال الحديث مع المبعوث الأممي، على المناورة باتجاه الملف الاقتصادي، زاعمين أنه ضمن “اتفاق السويد”. وقالت المصادر: “إن قادة الجماعة أبلغوا المبعوث الأممي ورئيس فريق المراقبين الدوليين أنهم مستعدون لتنفيذ الانسحاب من ميناءَي الصليف ورأس عيسى، وتنفيذ الاتفاق في مرحلته الأولى بشكل أحادي، في مسعى منهم لإعادة مسرحية الانسحاب الصوري من ميناء الحديدة”.

ورفضت الجماعة هذا الأسبوع تنفيذ عملية الانسحاب ثلاث مرات، على الرغم من التزام الفريق الحكومي بدعم جهود الجنرال لوليسغارد في تنفيذ خطته الأولية شريطة التأكد من عملية انسحاب الحوثيين، وتسليم خرائط الألغام ونزعها بإشراف أممي قبل الشروع في المرحلة الثانية.

وكان طرفا النزاع قد توصلا في 13 ديسمبر الماضي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الحديدة، وانسحاب الحوثيين من مينائها ومن ميناءين آخرين في المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، وانسحاب القوات الحكومية من شرق وجنوب المدينة. لكن الاشتباكات المتقطعة لم تتوقّف منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ في 18 ديسمبر، بينما لم يطبّق اتفاق الانسحاب وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بخرقه.

وركّزت اتفاقية ستوكهولم على ثلاث نقاط: إعادة انتشار القوات في الحديدة، ووضع آلية لتبادل الأسرى، وبدء المناقشات حول تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية في محافظة تعز. وبالرغم من ضيق نطاق تركيزها، لا تخلو هذه الوثيقة من الأهمية، كونها الاتفاق الأول الذي يبرم بين الطرفين منذ عامين ونصف العام.

وترى “إلينا ديلوجر”، وهي زميلة أبحاث في برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ترى أنه مع أن “اللغة المبهمة المقصودة والمعتمدة فيها لم تطمئن إلى حدوث توافق فعلي بين الطرفين على شيء ذي مغزى، الأمر الذي يؤكد على عمق الارتياب وقلة الثقة بين الطرفين، مع أن المبعوث الأممي الخاص مارتن جريفيثس يصر على وجود “إرادة سياسية” بالاتفاق لدى الطرفين اليمنيين”.

فحوى الاتفاق
بالرغم من التأجيلات، نجح الطرفان في التوصل إلى اتفاق ضيق حول ما تسمّيه الأمم المتحدة “المرحلة الأولى” من الانسحاب من الحديدة، مع الإشارة إلى أن هذا الاتفاق الأخير لا يغطي المرحلة الثانية من عملية الانسحاب أو آليات تبادل الأسرى أو محافظة تعز.

وقد فسّر جريفيثس الخطوتين اللتين تكوّنان المرحلة الأولى في مقابلة أجرتها معه مؤخرا قناة “العربية” فقال: إن الخطوة الأولى تنصّ على إعادة انتشار الحوثيين من ميناء الصليف وميناء رأس عيسى، الواقعين شمالي ميناء الحديدة، وإزالة عدد كبير من الألغام التي زرعوها هناك.

وتتمثل الخطوة الثانية في إعادة انتشار الحوثيين من ميناء الحديدة نفسه وانتقال الطرفين إلى مواقع متّفق عليها شمالاً وجنوباً لتسهيل الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر وغيرها من المواقع الهامة. ويُذكر أن مطاحن البحر الأحمر هي المنشأة الرئيسية لتوزيع القمح والطحين ضمن برنامج الأغذية العالمي، ويقول جريفيثس: إن سعتها تكفي لتخزين مؤن تُعيل 3.7 مليون يمني في الشهر.

وبموجب الاتفاقية الأخيرة، تمكّن طاقم الأمم المتحدة من الوصول إلى الموقع للمرة الأولى منذ سبتمبر الماضي، وسط تخوفات من فساد مخزونه من القمح. ومن المرتقب في المرحلة الثانية التي لم يُتّفق على شروطها بعد أن تنفَّذ مجموعة أخرى من عمليات إعادة الانتشار، وقد ذكر جريفيثس في هذا الإطار أن “الأمم المتحدة ستقود عملية نزع السلاح، من مدينة الحديدة وتتيح فتح ممر إنساني في المنطقة”.

بيد أن الكثير من المشاكل لا تزال عالقة بلا حل، وفق إلينا ديلوجر. أول هذه المشاكل أن أحداً لم يحدد هوية (القوات المحلية) التي يفترض أن تتولى مهمة حفظ الأمن في ميناء ومدينة الحديدة مع انسحاب قوات الطرفين منها. وهنا تخشى الحكومة أن يترك الحوثيون وراءهم عناصر “محلية” موالية لهم في السر، كما سبق أن فعلوا في الماضي.

والمشكلة الثانية هي أن “الوقت المحدد لعمليات إعادة الانتشار لا يزال مجهولاً”. فالتقارير الأولية تفترض بدء هذه العمليات في مطلع هذا الأسبوع، وإن كان فتح الطريق إلى مطاحن البحر الأحمر يعتبر بدايةً حسنة، فإنه يبدو أن عمليات الانسحاب من الميناء تأجّلت، وبالطبع كل طرف يلقي باللوم على الآخر كما هو متوقع. ومن الممكن أن جزءًا من التأجيل يعود إلى مسائل لوجستية، إذ ليس معروفاً مثلاً بأي سرعة يستطيع الحوثيون إزالة الألغام الكثيرة من شبه جزيرة الصليف حتى إذا بذلوا أقصى جهدهم. ولكن التأجيل قد يكون سياسياً من نواح أخرى.

حين يبدأ التنفيذ أخيرا، ستعمل الأمم المتحدة على التحقق من التزام الطرفين به، وإذا لم يمتثل الحوثيون خلال فترة زمنية معقولة، سينفذ صبر الحكومة اليمنية والجهات الداعمة لها في التحالف، وربما أيضا الأطراف الدولية الأخرى، وعند ذلك ستحتاج العملية الهشة التي تتبناها الأمم المتحدة إلى تدخل أمريكي لضمان استمرارها. ولهذه الغاية، يجب على واشنطن أن تحث التحالف على التحلي بالصبر وتفادي انتقاد العملية الأممية في العلن أو تنفيذ عمليات عسكرية إضافية.

أمل في تحقيق اختراق
إذا اعتبرت الأمم المتحدة أن المرحلة الأولى من اتفاقية الحديدة نُفّذت بنجاح، سيصبح التفاوض على المرحلة الثانية من أولى أولوياتها. ولكن إذا فشل التنفيذ، ستُستأنف محادثات المرحلة الأولى إنما ستكون ثقة الأطراف مقوّضة بدرجة أكبر بعد.

في الوقت نفسه، يركز جريفيثس وفريقه على الجانبين المهمين الآخرين من اتفاقية ستوكهولم، أي الإفراج عن الأسرى والممر الإنساني في تعز. فيما يخص المسألة الأولى، تقول إلينا ديلوجر إنه سبق للجنة الإشراف على تطبيق اتفاق تبادل الأسرى -المؤلفة من ممثلين عن الحوثيين والحكومة اليمنية بمشاركة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر- أن عقدت عدة لقاءات في العاصمة الأردنية عمّان، والخطة التي تعمل عليها تقضي بالإفراج عن السجناء على دفعات، على أن تكون الدفعة الأولى كبيرة من أجل زرع بذور الثقة في العملية. ويستطيع الطرفان العمل بشكل منفصل على الإفراج عن السجناء لأسباب إنسانية كما سبق وحدث منذ بضعة أسابيع حين أطلق الحوثيون سراح أسير سعودي مريض مقابل إفراج الرياض عن سبعة حوثيين.

في المقابل، وكان التقدم المحرز في مسألة ممر تعز أبطأ. فمع أن الطرفين عمدا - بعد اتفاقية ستوكهولم - إلى تسمية أعضائهما المرشحين لتشكيل لجنة مختصة بهذه المسألة، إلا أن جريفيثس صرّح أن “هذه اللجنة لم تجتمع بعد، لأن الطرفين لم يجدا بعد مكانًا آمنًا لانعقادها”. وحين تجتمع هذه اللجنة، ستتمثل أهدافها الرئيسية في فتح ممرات إنسانية عبر مدينة تعز (التي تعاني من حصارٍ شلّ حركتها خلال الفترة الكبرى من الحرب) وتطبيق اتفاق محلي لوقف إطلاق النار. ومن شأن هذه الترتيبات أن تسمح لأطراف عدة، من بينها الوكالات الإنسانية، باستخدام الطريق الرئيسية بين صنعاء وعدن بحرية أكبر.

في هذه الأثناء، عقدت الأمم المتحدة في جنيف لقاءها الثالث لجمع الالتزامات للأزمة الإنسانية في اليمن، وكانت قد طلبت 4.2 مليار دولار، وهذا أكبر طلباتها على الإطلاق، لمساعدة 24 مليون نسمة الذين يعانون.
وتفيد التقارير الأولية إلى أنها جمعت 6.2 مليار دولار على الأقل. لكن المال هو جزء بسيط من الأمور التي يحتاجها اليمن، فالممرات الإنسانية وإمكانية الوصول إلى الموانئ والمرور الآمن على الطرقات الرئيسية والمساعي الملحوظة لنزع الألغام هي كلها أمور ضرورية لإيصال المساعدات فعلياً إلى المحتاجين، بيد أن كل واحدة من هذه التدابير تتوقف على توصل الطرفين إلى اتفاقات بشأن الحديدة وتعز وتطبيق مثل هذه الاتفاقات.

وتشير إلينا ديلوجر إلى أنه “على كافة الفاعلين التنبه إلى أن العملية الضيقة التي اتُّفق عليها في ستوكهولم ما هي إلى افتتاحية لمفاوضات السلام الكامل”. وقد تعمّد جريفيثس تسمية أي نقاشات دارت بين الطرفين بـ "المشاورات" وليس “محادثات السلام” آملا على الأرجح، أن تتيح خطوات بناء الثقة هذه للطرفين التطرق إلى قضية الحرب نفسها في جولة المناقشات المستقبلية. وحين سألته (العربية) ما إذا كانت ستجرى باعتقاده مجموعة مهمة من المحادثات بحلول الصيف، أجاب بنبرة حماسية، ما يوحي بإمكانية انعقاد هذه المحادثات في وقت أقرب.

تعنت حوثي
وتخلص الباحثة إلى ضرورة أن تدعم واشنطن مساعي المبعوث الأممي الخاص إنما بحذر. فإذا تم تنفيذ الاتفاقية الأخيرة بشأن الحديدة بشكل مقبول، يجب بالطبع تسريع وتيرة العمل لإقامة محادثات ذات نطاق أوسع. ولكن إذا كانت الجهود المتوترة التي بذلت حتى الآن مؤشراً على الوضع، فلا يزال الطريق طويلاً أمام حصول محادثات سلام حقيقية.

وجُلّ ما هو مطلوب من الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الشريكة الأخرى التي تتشارك الفكر نفسه، هو الإرادة السياسية والانخراط الثابت والتشديد على الصبر، لاسيما داخل التحالف العربي. فهذه عناصر جوهرية لإنهاء هذا النزاع المعقد في عملية ستكون حتما بطيئة ومتقلبة وصعبة.

ويبدو أن نصيحة “ديلوجر” ستلقى صداها عند بريطانيا، حيث أعلن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، الخميس (أمس الأول)، أنه في طريقه لزيارة ثلاث دول خليجية للتباحث حول عملية السلام في اليمن.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى