حقاً.. لم نتعلم بعد!

> محمود المداوي

> رغم ما مر بنا - هنا في الجنوب - من دروس كثيرة في خضم تجاربنا سابقاً، وحتى الآن؛ فإن الوقائع تشير إلى حقيقة واحدة، وهي أننا لم نتعلم بعد من أخطائنا وإخفاقاتنا وحتى نجاحاتنا.. حقيقة لابد من الاعتراف بها، حتى وإن كانت مريرة.
لم نتعلم بعد؛ أن المكايدات البينية بيننا كجنوبيين، سواء كانت السياسية أو غيرها، حتى الشخصية منها، وهي مصدرها الرئيس لن تفضي إلا إلى نتيجة واحدة لا غير؛ وهي: التفكك والتفتت وذهاب ريح الجنوب إلى مسارات لا توحي إلى أمان.
لم نتعلم بعد؛ أن وجود المجلس الانتقالي الجنوبي على الساحة الوطنية الجنوبية يشكل -بحق وقبل كل شيء- خطوة إيجابية وجدت كي نمدها بكل أسباب الانتصار والبقاء، حتى وإن اختلفنا معه وخاصة في هذه المرحلة المفصلية الدقيقة في بعض التفاصيل الصغيرة، التي يكمن فيها الشيطان متى نفخنا فيها بقصد أو بغير قصد، إلا أننا نتفق ونتوافق معه على القضية الجنوبية الأساس وهي استعادة الدولة الجنوبية.

لم نتعلم بعد؛ أن عدونا الرئيس الآن هو عدو قضيتنا الجنوبية، وهو أيضا العدو التاريخي لنا كجنوبيين، ولهدفنا الإستراتيجي، وهو الحرية والاستقلال، وأن التعامل معه خيانة عظمى للوطن الجنوبي الذي نحلم به، ولدماء الشهداء على مدار الثورة الجنوبية، لا لشيء غير أن هذا العدو لا هم له إلا أن تبقى أرض الجنوب تابعة له لا حول لها ولا قوة، ينهب خيراتها وثرواتها ويعيث فساداً فيها.

لم نتعلم بعد؛ أبجديات السياسة، وأن نترك هذا الشأن لأهله كما هو الحال مع أهل كل اختصاص ومجال، ولا نحشر أنفسنا فيها بمناسبة أو بغير مناسبة، ولا دافع لنا فيها إلا المكايدات والمزايدات الرخيصة، ولأمزجة قتلها المرض والأنانية، وغذَّاها الاحتلال اليمني طوال المرحلة الماضية.

لم نتعلم بعد؛ أن الحرص الزائف وأدعياءه، هما سببان في كثير من إخفاقات المناضلين الشرفاء عند تحملهم المسؤولية هنا وهناك، وقد أثبتت التجربة أن هؤلاء لا همّ لهم إلا إلحاق الهزيمة والفشل بكل نجاح جنوبي، وإن كانوا جنوبيين خلّص.
لم نتعلم بعد؛ أن سياسة المهادنة مع كل ما يحدث في الشارع الجنوبي ثقافياً واجتماعياً مصدره القوى النافذة للاحتلال، وإن كثيراً من شبابنا -إن لم نتخلص من مثالبنا وتقصيرنا نحوهم- سيفضي حتماً إلى ما لا يُحمد عقباه، فكثير من مظاهر الشارع الجنوبي في المدينة والريف، سواءً بسواء هي دخيلة ووافدة، وليس لها أدنى صلة بالهوية والشخصية الجنوبية العربية الأصيلة.

كما لم نتعلم بعد؛ أن ما يحدث معنا هنا أو هناك لا دخل للصدفة فيه، خاصة إذا كان هذا الشأن يتعلق باستمرار التمترس وراء معوقات نهوضنا الجنوبي الكبير، وفي مقدمة هذه المعوقات المناطقيَّة والقبلية المقيتة، وأن وراء كل ذلك سعي حثيث من ذات العدو اليمني على اختراق الوحدة الجنوبية، التي كانت وما زالت بشارتها على الأرض هو المجلس الانتقالي الجنوبي.

لم نتعلم أيضاً؛ كنشطاء في العديد من الفعاليات الجنوبية على الأرض فن إقناع الآخر، المختلف معنا في الرأي حول هذه القضية أو تلك، وأيضاً بصواب ما نقوم به من نشاط، بل ويصل الأمر إلى الخروج عن اللياقة والكياسة، وتحت مبررات لا علاقة لها بقضيتنا وعدالتها، أن لم نكن قد أصبناها في مقتل.

لم نتعلم بعد؛ وليتصور معي قارئي الكريم مدى ما يصيبني من قلق وأنا أراها قد تمكنت من كثير من الشخصيات المحسوبة على الحراك والمجلس الانتقالي الجنوبي، وأعني بها هنا ظاهرة «صورني يا جدع» التي وجدتها تعود بقوة في أدنى احتفال يقام أو نشاط ينظم. هي ظاهرة وقتيّة بكل تأكيد، ومرتهنة بوعي من يمارسها، وأيضا ثقافته، ولا علاقة لها بالتاريخ النضالي لهذا أو ذاك، وبالوعي والثقافة ستنتهي كما انتهت من قبلها ظاهرة التزاحم على الظهور في المنصة والإمساك بلاقط الصوت عند أول سانحة، وعندما يعرف هؤلاء أن هذه الظاهرة هي نتاج طبيعي لاحتلال همجي متخلف، دام لأكثر من ربع قرن جلب لنا كل السلوكيات الأنانية التي يختزلها الجنوبيون بعبارة واحدة معبرة وهي عبارة «الدحبشة».
أخيراً لم نتعلم بعد ونحن كما نصف أنفسنا بكل صفات الثوار. لم نتعلم كيف نتحلى بسلوك وصفات الثوار الحقيقية، ولنا في هذه الجزئية صفحات خالدة من جيل الثوار الرواد، وأيضاً وبكل صراحة وبكل هدوء لم نتعلم من تضحيات شعبنا الجنوبي الذي نفخر بالانتماء إليه، ولا إلى شهداء الجنوب الذين قدموا لهذا الجنوب أغلى شيء يملكه الإنسان، وهي أرواحهم فداءً له، وعلى طريق استعادة دولة الجنوب التي لن نستطيع أن نؤسس لها من جديد إذا مضينا في جهالتنا ولم نتعلم بعد.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى