انتكاسة القيم في اليمن والتدليس بالوطنية

> عبدالوهاب العمراني

> بعد  أكثر من نصف قرن في شمال اليمن وجنوبه اختلفت المقاييس «الوطنية» وانحرفت البوصلة وحتى الشعارات بمسميات قيم متناقضة لما كان عليه قبل عقود، عندما انعتق الشعب في الشمال من الإمامة وفي الجنوب من الاستعمار.
وبعد هذه السنين حدثت نكسة وتراجع في كل تلك القيم (جمهورية وحدة، استعمار، إمامة)، أصبح العكس هو الصحيح، فلا جمهورية، وإنما مجرد مسمى على غرار (جمهوري إسلامي انقلاب إيران) والوطنية على غرار شركاء مع الإنجليز!

فقبل سنوات كان مجرد التفكير برؤية كهذه ضربا من الخيال وإن همس به مواطن ما على استحياء، واليوم بدعوى الوطنية وحب اليمن!
فالإعلام الحوثي يتغنى باليمن، وإعلام الحراك يتغنى بالجنوب. وكلاً يغني على ليلاه وليلى لا تقر لهم وصالاً!

فعلى سبيل المثال مواجهة أعداء الجمهورية غداة ثورة 26 سبتمبر في مطلع الستينيات كانت حكومة النظام الجمهوري داخل صنعاء والمتمردين من فلول الملكيين خارج المدن الرئيسية وكلهم في الجغرافيا اليمنية، واليوم العكس تماما سواء للمتمردين من جماعة الحوثي أو متمردين ما يسمى بالحراك الجنوبي في عدن.
فليست ميلشيا الحوثي التي تحكمت بجزء من الداخل اليمني وتصمد وتنكل بالشعب من الداخل والشرعية من خارج اليمن، بل والحراك أيضاً، رغم أن بعضهم مسؤولون في الحكومة الشرعية، ويتقاضون مرتباتهم من الحكومة اليمنية ودعم سخي من الإقليم.        
           
وبداهة وعلى خلفية سيطرة الممولين من الإقليم لا يستطيعون عقد مؤتمر في عدن لهم، بدليل أن مؤتمرا خاصا وموسعا للقضية الجنوبية انعقد الخميس 6 مارس خارج عدن وخارج اليمن بأسرها وذلك في القاهرة، وقد جرى تأجيل المؤتمر بسبب عدم حصولهم على الموافقة الأمنية من السلطات المصرية.
في داخل صنعاء أو حتى خارجها من يؤيد الشرعية يعتبر مرتزقا من قبل ما يسمى بسلطة الأمر الواقع، وهو الأمر نفسه في عدن من يجرؤ على الكلام وحتى من يؤيد الشرعية يعتبر (إخونجي) ويناصر حكومة الشرعية على استحياء بدون انتقاد لخصومها من الحراك .. وفي صنعاء وعدن من ينتقد النظام السابق يصنف من قبل أيتام علي عبدالله صالح (إخوانج)، بل وحتى في بقايا عفاش من الدولة العميقة في الشرعية نفسها سواء من هم في الداخل في صنعاء أو عدن أو حتى في المنفى من قبل عصابة الأربعة الإعلاميين البررة!

قبل أربعة عقود ونيف الرموز اليمنية، على سبيل المثال الحمدي وسالمين، انقضوا عليها واليوم يتغنون بهؤلاء، وفي نفس الوقت ليسوا على خطاهم، فترى شخصا يعلق صورة الحمدي وزعيم الفساد وسيدي عبدالملك في نفس الوقت!
 وفي عدن يتغنى الحراكي بدولة الحزب الاشتراكي والحقبة اليسارية التي كانت تلعن الاستعمار ليلا ونهارا واليوم يريدون أن يعودوا لنفس الدولة.

 الوحدة وئدت بيد صانعيها، والجمهورية والديموقراطية غدت مجرد قيم افتراضية نتغنى بها، وشعار «كلنا من أجل اليمن» هو في واقع الحال «كلنا ضد اليمن».
 اليمن يتلاشى ويتهاوى أمام أعيننا، وكرة الثلج تكبر يوما بعد يوم، وأيام اليمنيين بألف يوم، معاناة مركبة ومستمرة تتعقد الأمور بصورة تبعث باليأس والقنوط، فلا أفق للحل ولا أمل مرتجى، الشعب اليمني ينكل به الغازي «الوطني» والخارجي.

واليمنيون كمجتمع ينكلون أنفسهم بأنفسهم بخلق مستجدات وتفاصيل خارجة عن سياق القضية الرئيسية.
 ملايين من اليمنيين في حالة ضياع ويأس وقنوط والحرب تزداد ضراوة ليس من أجل الحسم بل ربما لمزيد من التعقيدات والتداخلات .. يحدث كل هذا والنخب المثقفة والشبه متعلمة تتصارع فيما بينها في تفاصيل تافهة وتسير في اتجاه آخر تهرول للمجهول وتنشغل في جدل لا يغني ولا يسمن من جوع.

فقدان البوصلة هو عنوان المرحلة، ويمن الحكمة غداء بلا حكمة!
الخلاصة بفضل تراكمات وتناقضات وفساد نحو أربعة عقود سيطر على معظمها الرئيس السابق، غدت بنية وتركيبة المجتمع اليمني في حالة احتراب غير معلن والجميع يكره الجميع، ولم نعد نعرف من ضد من ومن أجل من.

عن «بوست»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى