عدن لا تؤمن بالقبيلة

>
د. مروان هائل
د. مروان هائل
يُنظر إلى تطور البلاد والسكان في بلد معين من خلال منظور العلاقات الاجتماعية والثقافية والسلوك ومستوى الرخاء الاقتصادي عبر خطوات مدروسة وناجحة تسير فيها الأمم من التخلف إلى التطور والرقي، ولكن حالة مدينة عدن في الوقت الحاضر كسرت حدود العقل والمنطق في تحولها من المدنية والقانون والتحضر في زمن الاحتلال البريطاني إلى قرية في القرن الـ 21 تسكنها بعض القبائل تطبق أعرافها وتسحب عدن في مراحل تطور عكسي متخلف وفوضوي وبأسلوب مكرر وفاشل حير الجميع حتى علماء الأنثروبولوجيا.

عدن القبَلية، هكذا يراها ويريدها بعض ممن يسكنها بقوة السلاح منذ الاستقلال عن بريطانيا وحتى يومنا هذا، يريدونها نسخة من قبائلهم أو مناطقهم في شكلها البدائي المتخلف من علاقات قبلية وروابط عائلية تقوم على التفاهمات العرفية وعلى القرابة الحقيقية أو الوهمية للدم، يريدونها منطقتهم الثانية التي يسكنونها بعد مسقط رأسهم القبلي في صورة خلايا مجتمعية منعزلة ترفض الاندماج والتحضر، خلايا تحمل السلاح وتفرض مصالحها وأجنداتها وخطابها الجهوي وتجبر عدن وأهلها على العيش في حالة خوف وتحت سقف عال من التناقض المتزايد بين المدينة والقرية.

سكان عدن الراحلين  والحاضرين منهم، الذين حافظوا على استمرارية المؤسسات الإدارية والثقافة القانونية قبل وبعد الاستقلال تم تمزيقهم في وطنهم التاريخي بقنابل بشرية على شكل خلايا مناطقية دفعت أبناء عدن إلى العيش في مساحات ضيقة وبشكل مضغوط وصعب، كما أجبرت الحاجة إلى الأمن والاستقرار من عنف هذه الخلايا الكثير منهم إلى مغادرة عدن، ثم جاء عفاش بعد الوحدة وأحيى القبيلة من جديد في الجنوب ورسخ مفهوم الولاءات القبلية لأسباب سياسية من أجل نظامه وبقائه في السلطة، وبعد تحرير وتطهير الجنوب وعدن أولهم من نظام قبائل الهضبة الشمالية عادت عدن من جديد إلى محاور الولاءات القبلية والمناطقية الجنوبية المعروفة والمقرفة والخطرة والتي لا تقدر أي وسيلة إعلامية في عدن التحدث عنها بالأسماء رغم دورها السلبي الواضح في المدينة، هذه المحاور حولت عدن إلى قرية مكتملة الأركان، بل إن القرية أصبحت أكثر أمنا ونظافة واستقرارا من عدن التي تقع تحت رحمة رجال من خارجها، رجال قبائل مدججين بالسلاح لا يدركون أن عدن مدينة كونية وأهلها من أماكن مختلفة يرتبطون بعلاقات احترام متبادل بغض النظر عن معتقداتهم الدينية أو آرائهم السياسية.

الآن كل زعيم قبلي جنوبي يعيش عصره الذهبي في عدن يمارس البلطجة وينهب ويسطو على حسب مزاجه وقوة منطقته، والملاحظ أن قرى ومناطق هذه الزعامات الجاهلة هادئة وخالية من أشكالهم ومشاكلهم، وهناك هم أفراد عاديون، لكنهم عندما يصلون عدن البعض منهم يتحول إلى طرزان ورامبو يثيرون النزاعات التي  تتركز بشكل أساسي في الوظائف والمناصب وفي البسط على الأراضي والعقارات الخاصة والعامة وفي القضايا الجنائية، وترى بالعين المجردة كيف تحشد مناطق المتنازعين رجالها وكافة وسائلها المادية والمعنوية ومواقع التواصل الاجتماعي لمناصرة الطرف المنتمي إليها، شاهرين سيف الاستقطاب المناطقي والعرقي، وغالباً ما يتحول إلى اشتباكات دامية بين المتخاصمين.

عدن كانت وما زالت وستبقى مدينة كونية (كوزموبوليتانية)، ينتمي إليها جميع الأعراق البشرية وتحتضن كل العرقيات والجنسيات، وتحب وتحترم من يبادلها نفس المشاعر، ولا يمكن إلحاقها أو إخضاعها بالقوة لأي طرف سياسي أو قبلي أو مناطقي والتاريخ خير دليل..

 فقد فشل الإنجليز وخرجوا من عدن عندما أجبروا المدينة وسكانها على الانضمام إلى اتحاد الجنوب العربي رغم رفضهم لذلك الاندماج والأسباب معروفة لمن يعرف تاريخ عدن، لحقهم الرفاق الذين أغلقوا مدينة عدن وحولوها إلى قاعة مؤتمرات، وحالوا عنها الاستثمارات والتنمية وتطوير البنى التحتية وفشلوا، ومن ثم سلموها لقبائل الهضبة، عفاش والإخوان والحوثي، باسم القبيلة والدين السياسي والطائفة الذين حاولوا تركيعها وفشلوا، فدمروها وهربوا، واليوم هناك من يكرر نفس الحالة والفشل وبإصرار عجيب ومريض.. فمن ينقذ هذه المدينة وأهلها من هذه الآفات المدمرة؟!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى