عدن.. عادات خاصة لاستقبال رمضان

> تقرير/ وئام نجيب

>
مواطنون: تخلينا عن الكثير من الأشياء بسبب الغلاء الفاحش
لشهر رمضان في العاصمة عدن جو خاص به، ومنذ زمن طويل اعتاد أبناؤها على تزيين شوارعها وأزقتها وحوافيها، باللمبات الكهربائية والفوانيس وغيرها، بمجرد أن يبدأ العدل التنازلي لشهر شعبان، استعداداً لاستقبال شهر الصيام، فضلاً عن التحضير لمستلزماته المطلوبة من مواد غذائية ومشروبات، فيما كانت تشمل التجهيزات في الماضي أو ما يوصف اليوم بـ“الزمن الجميل”، إخراج الطاولات والكراسي إلى أمام المنازل، وفي أفنائها استعداداً للسهرات والألعاب العدنية الرمضانية مثل (الكيرم ولعبة ورق البطة والدمنة للكبار، ولعبة بيع التيس والغُميضان للطفال) وغيرها من الألعاب التي اشتهر فيها سكان المدينة، ومازالت كثير منها قائمة، يرافقها تبادل للشاي المُلبن (بالحليب) والقهوة المزغول، والفيمتو والماء، وبعض المأكولات في مشاهد تعكس مدى التراحم وقوة أواصر المحبة والتكافل فيما بين الأسر وجيرانها في المدينة. وفي العادة تتكون وجبة الفطور من: التمر، والشوربة، السمبوسة، الباجية، الخمير الحالي، اللبنية والبدامي، وتحتوي وجبة العشاء العدني على الأرز واللحم، أو أرز وسمك صانونة، ومطفاية، عُشار أو شتني أو بسباس مع الحُمر، أو بسباس أخضر مع الجُبن.
شارع مدرم بالمعلا يتزين بالإنارات استقبالاً وابتهاجاً برمضان
شارع مدرم بالمعلا يتزين بالإنارات استقبالاً وابتهاجاً برمضان
مائدة إفطار رمضان في البيت العدني
مائدة إفطار رمضان في البيت العدني

عادات جميلة
ومما كان يميز هذه المدينة في شهر رمضان، ازدحام مقاهيها الشهيرة بالكتاب والشعراء وكبار المثقفين والمفكرين والسياسيين، الذين يستمتعون بقضاء سهراتهم فيها، والتي لا تخلو من الشعر والفكاهات الأدبية والسياسية والموسيقى والأغاني والرقصات الشعبية بالنكهة العدنية الأصيلة.
عادات جميلة ما تزال بعضها باقية في نفوس أبناء المجتمع العدني، رغم منغصات الحرب وعاصفة الأسعار التي أثرت على حياة المواطنين بشكل كبير جداً.
جولة "زكو" بكريتر
جولة "زكو" بكريتر

لا مقارنة
وقال الحاج عبدالسلام إبراهيم: “لا مقارنة لحالة الناس في هذا الشهر بين الماضي والحاضر على الإطلاق، فلم يعد المرء حالياً يشاهد تلك العادات الطيبة التي اتسم بها أهل عدن في السابق، من حيث صفاء القلوب ونقاوتها وبشاشة الوجه والبساطة والتراحم والتكافل فيما بين الجيران، كما كان الوضع المعيشي للناس جيداً، وحياتنا كلها ألفة ومودة نتقاسم المُر قبل الحلو، لهذا كانت البركة موجودة في كل بيت، هذه العادات والصفات الحسنة بدأت تتلاشى بعد أن دقت طبول الحرب، وبات الجار لا يسأل على جاره، ولا رحمه، وانقطعت الأواصر فيما بين الناس، ومن المؤسف أننا وصلنا لوقت غادرت فيه الابتسامة من وجوه الكثيرين، بل إن هناك من أصبح يخشى على نفسه وهو ذاهب إلى المسجد”.
زينة رمضان تُباع في عدة محلات بعدن
زينة رمضان تُباع في عدة محلات بعدن

وأعزى إبراهيم هذا التغيّر الكبير في سلوكيات المواطنين إلى الوضع الراهن، والحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات، وما نتج عنها من ظروف مادية صعبة وغلاء طال كل مناحي الحياة، مضيفاً: “هناك الكثير من المواطنين أخذوا جزءاً يسيراً من متطلبات رمضان بسبب الارتفاع الجنوني في قيمة المواد الغذائية والاستهلاكية وغيرها، وأسر تتجرع الجوع على مدار أيام العام ولا يعلم بحالها سوى خالقها”.
حارة حسين - كريتر
حارة حسين - كريتر

غلاء جنوني
وأوضح المواطن محمد علي ناجي أنه تخلى هذا العام عن شراء الكثير من حاجيات الصيام مثل: اللبن، والكريم كراميل (البدينج)، الجيلي واللبنية (المهلبية)، والمقليات وغيرها، لارتفاع أسعارها.
وأضاف في حديثه لـ “الأيام”: “المؤسف أيضاً أن هذا الغلاء شمل هذا العام الشوربة والعتر، والخضروات والفواكه، وما تبقى من بهجة وروحانية هذا الشهر ستعكر صفوه الانقطاعات المتكررة للتيار الكهرباء وخدمة المياه”.
بهارات مائدة رمضان
بهارات مائدة رمضان

وقال المواطن عوض محفوظ ناصر، بينما كان يشير إلى كيس صغير يحمله: “هذا ما استطعت شراءه من متطلبات الصيام، والحمد لله على كل حال، فهناك أُسر لم تتمكن من توفير أي شيء، وستفطر على الماء البارد وبما ستتحصل عليه من الجيران، وهناك عوائل لا تتناول إلا وجبة واحدة أو قد يمر عليها اليوم واليومان ولم تتناول أي شيء، ولكن لشدة تعففها لا يعلم بها أحد، وما أتمناه من رجال الخير والإحسان في هذا الشهر الفضيل هو البحث عن هذه الأسر لإعانتها”. 
ليالي رمضان في عدن أيام زمان
ليالي رمضان في عدن أيام زمان

موسم للاستغلال لا العبادة!
فيما قال المواطن هاشم صالح: “رمضان شهر صيام وعبادة وصلة الأرحام والتقرب إلى الله سبحانه وتعالي بالأعمال الصالحة والتصدق، وكذا الشعور بحالة الفقراء والمساكين وتلمّس احتياجاتهم للتخفيف من معاناتهم، ولكن ما هو حاصل في وقتنا الحاضر هو العكس، حيث استغل كثير من التجار هذا الشهر كموسم للربح السريع والمضاعف، برفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وغيرها، دون أي مراعاة لأوضاع المواطنين المغلوبين على أمرهم والذين بات الكثير منهم يعانون فقراً مدقعاً وغير مسبوق”.
زاوية من أحد زقاق كريتر العريقة
زاوية من أحد زقاق كريتر العريقة

وعلى الرغم من الظروف المادية الصعبة وحالة العوز التي باتت تخيم على السواد الأعظم من سكان هذه المدينة، نتيجة للحرب التي تشهدها البلاد منذ عدة سنوات وتهاوي العملية وعدم انتظام صرف المرتبات وشحتها، إلا أن الأجواء الرمضانية الخاصة بهذا الشهر تبدأ تتجلى من منتصف شهر شعبان، حيث يشرع المواطنون وأصحاب المحال التجارية وغيرهم بتعليق الزينة واللمبات والفوانيس في الشوارع و الحوافي والأزقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى