زواج القاصرات أخطر ما تتعرض له الأنثى

> القاضي/ منى صالح محمد

> من هي الفتاة القاصرة؟ بالمفهوم العام هي من يتراوح عمرها ما بين سن السابعة و15 عاماً، ووفقاً للمفهوم القانوني فهي الأنثى التي لم تبلغ سن الخامسة عشر ولم تتجاوز سن الثامنة عشر.
ومن خلال هذين المفهومين المتقاربين تماماً نرى بأن الأنثى القاصر هي شخص يمر بمرحلة الطفولة التي يجب أن تتمتع بها والذي تحمى بقوانين دولية من الأمم المتحدة وكذا المواثيق والمعاهدات التي أبرمت بشأن حمايتها من أي انتهاكات يتعرض لها القاصر من الأسرة أو المجتمع، ومن هذا المنطلق فإن المفهوم الخاطئ لدى كثير من الأسر بالذات في المناطق النائية والريفية والتي لا تؤمن بأن الأنثى لا حق لها بالتعليم بمجرد أن تبلغ سن العاشرة خاصة إن بلغت وأتتها الدورة الشهرية، فلابد أن يتم زواجها وهي بالأساس لا تدرك مطلقاً مفهوم الزواج الواجب القيام به تجاه من ستتزوجه، وليس هذا وحسب؛ بل إن القاصر من الناحية البيولوجية تكون فيها الكثير من الهرمونات في إطار التكوين، إلى جانب الفكر الذي يندرج في محيط ضيق من فهم كثير من الالتزامات والواجبات التي يفترض أن تتفهمها وهي بهذا السن الحرج للغاية، حيث نجد أنها تتصرف كطفلة بريئة لا تفقه في نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

وبهذا التصرف يرتكب الأهل مأساة حقيقية تجاه حياة طفلتهم بدلاً من أن يجعلوها تعيش حياتها البريئة في اللعب والتعلم وممارستها بكل مقتضياتها دون وضع حجر عثر لزوايا هي ليست من اختصاصها، كما يفرضون عليها العيش بحالة موت بطيء يسرقون من خلاله طفولتها التي يجب أن تتعايش معها كحق لها في التواجد وممارسة مراحل عمرها كما يجب حتى تحيا لغد مشرق، فضلاً عن الشرع الذي حرّم ذلك، ليس فقط ما جاء به القانون ووضع حماية لحق هذه الأنثى القاصر حتى لا تُستغل من قِبل من هم مسئولون عنها.

أسباب متعددة
إن الباحث عن أسباب زواج القاصرات لدى الكثير من الأسر في الدول العربية النائية يجدها تكاد تكون متشابهة، كالفقر والحاجة والجهل لمترتبات هذه الأفعال إلى جانب عدم تحمل بعض الأسر مسؤولية بناتهم، الأمر الذي يجعلهم يفكرون بزواجهن للتخلص منهن ورميهن في براثن العهد العتيد، إلى جانب أن بعض من الأسر لديها معتقد خاطئ بأن البنت إذا بلغت وجاءتها الدورة يجب زواجها كنوع من الستر عملاً بالمقولة الشائعة: “البنت ما لها إلا زوج يسترها”، بدلاً من السعي معها لأجل التعليم الذي يفترض أن يكون.

إن زواج القاصرات يجب أن يعد من الجرائم، ويجب أن تكون هناك نصوص قانونية تجرمه للحد منه، كما يتوجب عمل ضوابط لمنع تزويج القاصر خاصة برجل يكبر عنها سنوات كثيرة، وبنظري الشخصي فإن زواج القاصرات يُعد من ظواهر العنف التي ترتكب برضا وموافقة هذه الأسر التي أصبحت تبيع بناتها لرجال بعقد شرعي وتقبض هي الثمن مقابل أن تتخلص من مسؤوليتهن وينتج عن ذلك عواقب وخيمة فيما بعد.

وللحد من زواج القاصرات يجب عمل الآتي:
1 - وضع قواعد قانونية تجرم زواج القاصرات بوضع عقوبة السجن وغرامة بمبلغ يوازي المهر الذي استلمه على كل أب يتضح بأنه قام بتوقيع موافقة عقد زواج ابنته، كون ذلك يؤكد بأنه تم من دون رضاها أو حتى بعلمها؛ لأنها قاصر لا تدرك أين تكمن مصلحتها وغير قادرة على تدبير شؤون أسرة مستقبلا.
2 - أن يُعاقب كل مأذون شرعي بالحبس وسحب الترخيص عليه من قِبل وزارة العدل في حال اتضح بأنه قام بتحرير عقد زواج لقاصر، وعليه أن يبدي الحرص في طلب شهادة الميلاد خاصة أن هناك كثيراً من الأسر تقوم بإخراج بطائق شخصية لبناتها مزورة تواريخ الميلاد، وإن لم توجد شهادة ميلاد عليه أن يطلب شهادة التسنين من طبيب الأسنان المتخصص للتأكد.
3 - عمل دورات وورش عمل ومحاضرات وندوات لكل المناطق والمحافظات لتوعية الأسر عن خطورة زواج بناتهم القاصرات على الجانبين النفسي والمعنوي بهذا الشأن.
4 - تشجيع الأسر الفقيرة في تنمية قدراتهم في مهن حرفية كالخياطة وصناعة بعض المنتجات الشعبية المتداولة؛ لأجل إخراطهن بالمجتمع، وفتح لهن مشاريع صغيرة ليتسنى لهن العيش دون الحاجة لأن تدفع ببناتها القصر للزواج قبل السن القانوني.
5 - تشجيع الأسر الفقيرة للدفع ببناتها للتعليم وتوفير الاحتياجات الخاصة لهن للتعليم عبر منظمات المجتمع الدولي كاليونيسيف بهدف إدماجهن في المجتمع، وهنا يتجلى دور منظمات المجتمع المحلي في تنفيذ هذه المشاريع.

آثار سلبية
ويجب علينا هنا أن ننوه إلى أن الدراسات والبحوث أثبتت من أن زواج القاصرات ينتج عنه مشاكل كثيرة هي: وفاة الجنين عند إنجابها كون رحمها في العادة يكون غير مُهيأ لاستقبال مولود، وهي بنفسها تريد أن يهتم بها؛ لأنها ما زالت طفلة قاصر تجهل كيف تتعامل مع حملها في تكوين جنين.
كما إن القاصر تكون أكثر عرضة للإصابات بالنزيف الحاد والشديد، وذلك لوحشية بعض الرجال الذين يكبرونهن سناً ولا يتمتعون بمخافة الله في التعامل الجنسي اللائق مع هؤلاء القاصرات.

فضلاً عن أن كثيراً من القاصرات يكن عرضة للإصابة في الجانب النفسي بشكل حادٍ نتيجة لانتهاك مشاعرها كطفلة بعدم التعامل الحسن من قِبل الزوج الذي يكبرها سناً في الوقت الذي تجهل فيه تماماً لمفردات الحياة.
كما أن زواج القاصرات يؤدي إلى عدم تكوين أسرة لها مقومات صحيحة في نطاق الحياة؛ بل إن أكثر الطلاق يحصل على من تزوجن وهن قاصرات، كأن يتم تزويجها برجل يكبرها بعشرين عاماً وهي غير ناضجة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وجود توافق في الفهم وبالود والمحبة، مما يؤدي بالتالي إلى خلق حياة سلبية هشة خالية من العواطف.

ومن الآثار السلبية لزواج القاصرات حدوث الخيانة في العلاقة الزوجية في بعض الأحيان؛ لعدم التكافؤ، خاصة إذا الزوج رفض أن يُطلق زوجته عندما يكون هو قد وصل لسن الستين وهي بمقتبل العمر لها والمشحون بالعواطف الجياشة والمشاعر الفياضة التي تحسسها بأنها تتجه لمن تحب وترغب به، وأن من تعيش معه فُرِض عليها من الأسرة وهي قاصر لا تفقه حينها متطلبات الحياة الزوجية.

وما نتمناه من الأمهات والآباء هو أن يكونوا عوناً لبناتهم اللائي لم يبلغن سن الرشد بعد، وعليهم بتوجيههن والتقرب منهم وتشجيعهن على التعليم، والتي لم تفلح منهن بالتعليم يتم توجيهها لممارسة مهارة معينة أو بإدخالهن المساجد لتعليم القران، كما يتوجب على الآباء والأمهات إشغال بناتهم بأي حرفة، كالخياطة أو النسالة أو أشغال يدوية وأعمال حرفية مفيدة يستفدن منها، لا أن يدفعوهن للزواج المبكر غير المجدي والمؤذي لهن وهن قاصرات، كون هذا التصرف ليس سترًا لهن كما يظنون؛ بل تدميراً لهن ولإنسانيتهن.

* رئيس دائرة حقوق المرأة والطفل بمكتب النائب العام بعدن، ورئيس جمعية أنا وليس إعاقتي للتنمية البريقة - عدن.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى