كيف تفاعل السعوديون مع ترميم مبني "جدة دوم" التراثي؟

>

في سبعينيات القرن الماضي، كانت  مدينة جدة السعودية عامرةً بالنشاط الثقافي والفني، وكان مبنى ”جدة دوم“ في حي المشرفة بتصميمه الغريب حينها أحد أكثر الأماكن التي يقصدها أبناء المدينة المطلة على البحر الأحمر، قبل أن يصبح مهجورًا منذ نحو ثلاثة عقود، وقررت المملكة الآن إحياءه مجددًا.

وتعمل وزارة الثقافة حديثة النشأة في السعودية، على إعادة ترميم مبنى ”جدة دوم“ أو قبة جدة كما يسميه البعض، نسبة لتصميم المبنى الذي لا يتعدى كونه صالة على شكل قبة كبيرة مشابهة لقبب المساجد، غير أنها ليست مخصصة للعروض الفنية والنشاطات الثقافية.

وحضر وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان إلى المبنى المتهالك الثلاثاء الماضي، وقال إن خطط وزارته التي أنشأتها السعودية لتعزيز القطاع الثقافي بعد عقود من الانغلاق، ستشمل إعادة ترميم ”جدة دوم“.

وقال الوزير الذي أطلق في مارس  الماضي سلسلة مشاريع ثقافية عملاقة تشكل إستراتيجية عمل لوزارته في الفترة المقبلة، إن ”جدة دوم“ سيعود ليحتضن معارض الحركة الفنية التشكيلية، والمناسبات الثقافية المختلفة.

ولا يعرف جيل الشباب الذين ولدوا في نهاية سبيعينيات القرن الماضي وما بعدها، الكثير عن ”جدة دوم“، لكن المبنى الواقع في تقاطع شارع فلسطين مع طريق الملك فهد بن عبدالعزيز ”الستين“ في حي الشرفية، كان قبل إغلاقه مقصدًا دائمًا لعشاق الفنون والنشاطات الثقافية.

وبدا جمهور القبة الثقافية إبان فترة ازدهارها، سعيدًا بمبادرة وزارة الثقافة بترميم المبنى، وراحوا يروون ذكرياتهم مع ذلك المكان الذي كان نواةً لنشاط ثقافي لافت في المدينة، تبعه إنشاء عدد من المشاريع الثقافية والفنية من صالات ومراكز ما لبثت أن أغلقت أبوابها تباعًا.

وقبل الانتهاء من ترميم ”جدة دوم“، عادت الصالة الثقافية للحياة بالفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة، حيث يخوض كثير من أبناء جدة نقاشات حول مستقبل القبة بعد الانتهاء من ترميمها.

وقال شاب سعودي معلقًا على قرار وزارة الثقافة بترميم مبنى ”جدة دوم“: ”دايم أشوفها ومعرف وش هو احسبه مطعم“، قبل أن تنهال الردود والتوضيحات عليه ممن عاصروا تلك الصالة في فترة ازدهارها.

وكتب أحد رواد ”جدة دوم“ في الماضي فيما يبدو: ”هذه أول صالة للعروض الفنيّة والتسويقية في جدة.. استثمرها موفق الحارثي تزامنًا مع الانفتاح التجاري والاجتماعي الذي كانت تعيشه جدة.. وانفردت بتصميمها المعماري ذي الطابع الغرائبي الذي كان جديدًا على المدينة.. كانت جمعية الثقافة والفنون تقيم عروضها التشكيلية بها“.

وبدأت النشاطات والفعاليات الثقافية والفنية تتلاشى إلى حد كبير مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث تزايد دور رجال الدين في المجتمع والحياة العامة، وفرضوا تفسيرات محافظة للشريعة الإسلامية حرَّمت كثيرًا من تلك النشاطات، ومنعت الاختلاط بين الجنسين حتى داخل قاعة تقام فيها محاضرة.

وكان لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك الحقبة صلاحيات الدخول لأي فعالية ثقافية وإيقافها، فيما لو اعتبر رجال المؤسسة الدينية أن محتوى الفعالية أو أجواءها تخالف تفسيراتهم للشريعة الإسلامية.

وألغيت كثير من المحاضرات الثقافية والأمسيات الشعرية، ومنعت مسرحيات من العرض، وتم حظر إنشاء دور عرض سينما، وكانت مدينة جدة آخر معاقل تلك النشاطات الثقافية قبل أن تتلاشي فيها أيضًا مع تزايد سطوة رجال الدين.

وبدأت السعودية في السنوات الثلاث الماضية بتبني نهج جديد يقوم على الانفتاح، فقلصت صلاحية هيئة الأمر بالمعروف أو الشرطة الدينية كما يسميها البعض، وأعلنت عن تبنيها تفسيرات جديدة للشريعة الإسلامية متبعة في غالبية دول العالم الإسلامي ومغايرة لما كان سائدًا في البلاد طوال العقود الأربع الماضية التي يطلق عليها اسم ”الصحوة الدينية“.

وتقود وزارة الثقافة وهيئة الترفيه الحكومية، خطط الرياض للانفتاح على العالم وفنونه وثقافاته وتحويل البلاد لقبلة سياحية وفنية يقصدها كبار فناني العالم ونجومه مع جمهورهم الكبير، وتحقيق عوائد مالية في إطار خطط تنويع مصادر إيرادات الميزانية.

وبدت الفنانة التشكيلية السعودية فاطمة سعود عمران، سعيدةً بترميم المبنى ومتفائلةً بإعادة الحياة لمراكز وصالات أخرى عرفتها المدينة الساحلية قبل عصر الصحوة، وقالت: ”من أجمل الأخبار .. تجديد التاريخ لبدايات الفن التشكيلي في جدة .. جدة دوم ..ردك بلازا ..الروشان جاليري“.

ووصف زميلها مشعل العامري خطوة الوزير بأنها ”عرس“ قائلًا: ”الأخبار المفرحة تتوالى والمثقفون والفنانون يعيشون عرسًا حقيقيًا هذه الأيام“.

قحطان العبوش – إرم نيوز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى