> تقرير/ خالد بلحاج

 دفعت الظروف المادية القاسية التي تشهدها البلاد بالعديد من النساء، في وادي محافظة حضرموت، إلى العمل في الحقول الزراعية وأعمال أخرى صعبة لتوفير لقمة العيش لهن ولأفراد أسرهن، يتحملن في سبيلها أعباء العمل الشاق والحر الشديد في فصل الصيف، أو البرد القارس في الشتاء وكذا مخاطر الطرقات وغيرها.. حتى لا يجبرن على مد أيدهن إلى التسول وطلب العون أو السرقة.

الخروج باكراً
ويعج وادي حضرموت، طوال أيام العام، بالمئات إن لم يكن بالآلاف من هؤلاء النساء العاملات وبمختلف الأعمار مقابل مبلغ مالي لا يتجاوز ألف ريال، وقليل من الحصول، والذي عادة ما يكون من الذرة والقمح أو البصل أو الثوم وغيرها من المحاصيل.
وجرت العادة أن تخرج النساء منذ الصباح الباكر في جماعات إلى محطات التجمع المحددة لهن والمنتشرة بمختلف قرى ومدن الوادي قبل أن تأتي السيارات المخصصة لنقلهن للحقل ومن ثم إعادتهن عند الظهيرة، ويعدن للعمل مرة أخرى في الفترة المسائية، وهكذا دواليك في عمل دائم ومستمر.

مازالت الحاجة أم صادق (67 عاماً) بالقطن تعمل منذ ما يقارب أربعين عاما في الحقول الزراعية لسد حاجة أسرتها، ولو بقليل من المال.
وتضيف أم صادق، المصنفة رئيسة للعاملات، بينما كانت تجني بمنجلها ثمار القمح: «طالبنا بأن نحصل على زيادة أو تأمين لحياتنا فلم نحصل على شيء، ونحن نعمل منذ سنوات طويلة في حقول الزراعة بنظام اليوميات، بمعنى أن اليوم الذي نعمل فيه نتقاضى عليه أجراً واليوم الذي لا نعمل فيه لا نأخذ شيئا.. إننا نعمل مضطرات لكسب لقمة العيش بدلاً من أن نمد أيدينا لأحد أو نتسول على الطرقات».

وتؤكد أم صادق في حديثها لـ «الأيام» أن المرأة العاملة في هذا المجال تبذل الكثير من الجهد لتحصل على أجر زهيد لا يكفي لسد حاجياتها.. مضيفة «نعمل دون توقف منذ الصباح لساعات الظهيرة، وفي حال جلسنا لتناول وجبة الفطور يجب علينا تعويض الوقت الذي جلسنا فيه، مازالت حقوقنا مهضومة، لا استراحات في العمل، ولا ضمان صحيا أو اجتماعيا، لقد وصلت إلى حافة القبر وأنا عاملة بالنظام اليومي».

العمل بأجر زهيد
ويعملن إلى جانب أم صادق نسوة في الحقل يؤكدن على أن أصحاب العمل يرفضون زيادة أجرتهن، التي لا تتعدى (1000) ريال، يومياً كحد أقصى، ويكتفون بما يعطى لهن من ثمار القمح بواقع «مكيال ونصفه للذرة» وفي القبعة ثمار البصل أو الثوم وحزمة من قصب الذرة أو البرسيم، كما يرفضون أيضاً العمل بنظام العقود والذي من شأنه أن يضمن حقوقهن.
وتضيف أم رجاء (أربعينية) «أصحاب العمل يتهربون من العقود خوفاً من أن يجبروا على إعطائنا ضمانا صحيا أو اجتماعيا، وكذا هروباً من الحقوق التي تتوجب عليهم تجاه العمال، مثل الإجازات والاستراحات وتحديد ساعات العمل».

ولفتت أم محمد إلى أنها طالبت، ضمن نسوة أخريات، من أصحاب العمل زيادة في أجرتهن اليومية، ولكن قوبل طلبهن بالرفض، بذريعة أن العاملات كُثر ومستعدات للعمل بدلاً منهن بأجر أقل.
وتؤكد لـ «الأيام» أن «هذا الأمر هو ما جعل الكثير من العاملات يرضخن للأمر الواقع ويقبلن العمل بأي شيء وبأي أجرة، لأجل توفير لقمة عيش لأطفالهن».

أضرار ومخاطر كثيرة
وما يثير امتعاض العاملات كثيراً، هو عدم مراعاة مكان العمل لظروف واحتياجات المرأة خاصة، فهن يعملن في سهول زراعية مكشوفة تفتقر إلى الحمامات أو المياه الباردة.
فيما وصفت نعمة (عشرينية)، وعدد من رفيقاتها اللاتي يعملن بجوارها، العمل في الحقول بـ «الشاق والمتعب»، وأضفن بالقول: «ما نعاني منه اليوم نتيجة لتركنا المقاعد الدراسة في وقت مبكر، ولم نجد أمامنا إلا هذا العمل لنحصل على مصاريفنا اليومية وادخار ما يمكن اذخاره للمستقبل وليعيننا ففي حال تعرضت إحدانا لأي مرض أو مكروه».

أما الشابة فاطمة، فأكدت أن عملها لسنوات طويلة في الحقول عرضها، تحت البرد القارس وحرارة الشمس الشديدة عرضها، للإصابة بمرض «الروماتيزم» الذي جعلها غير قادرة على ثني ركبتيها ويديها.
وتحدثت مريم عن المخاطر التي تتعرض لها هؤلاء السنوة جراء نقلهن إلى أماكن عملهن بفلاحة الأراضي الزراعية على متن سيارات شبه متهالكة بالقول: «سلامتي وسلامة رفيقاتي تكون على كف عفريت، بمجرد أن تطأ أقدامنا سطح الصندوق الخاص بسيارة النقل»، لافتة إلى أن «العديد من الحوادث القاتلة والمؤلمة شهدتها الطرق التي يمرن فيها راح ضحيتها العديد من الشابات والنسوة، نتيجة للحالة السيئة للعربة أو الحمولة الزائدة أو لتهور السائق وإفراطه في السرعة».

ومازالت النساء العاملات في القطاع الفلاحي محرومات من أي غطاء قانوني يحميهن من استغلال أرباب العمل، بحيث يمكنهن من المطالبة بحقوقهن، إذ لا ينتظم القطاع الفلاحي لاتفاقية قطاعية، ولهذا ستظل معاناة تلك النسوة والشابات «محلك سر»، لكونهن وجدن في بلد لا يحترم القطاع الخاص ولا العاملين فيه.