اليمن وسوريا.. التدويل يقترب من الخليج

> عبد العظيم حماد

> لا أشارك البعض رؤيتهم أن التركيز على الأوضاع في منطقة الخليج يعد ابتعاداً عن الشأن المصري، لأن دول الخليج أو بعضها على الأقل تؤثر منذ فترة طويلة في الإقليم كله، إن سلباً وإن إيجاباً، كما أن جوهر النزاع في الخليج هو الصراع على الهيمنة الإقليمية بين كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل وإيران، كما كتب أخيرا يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق، الذي سبق أن خاض مع رئيسه المستشار الألماني الأسبق، جيرهارد شرودر، معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية مفتوحة ضد خطة وعملية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، محذراً في ذلك الوقت المبكر من أن سقوط النظام العراقي سيؤدي إلى تقوية إيران بما لا يطاق، إلى جانب ما سيجلبه الغزو من كوارث أخرى.

كان فيشر أيضاً هو المحرك للمبادرة الأوروبية للحوار مع طهران في خضم الاستعدادات الأمريكية البريطانية لغزو الأراضي العراقية، بذريعة تفكيك ترسانة أسلحة الدمار الشامل، المدعى كذباً على عراق صدام حسين بإنتاجها وتخزينها، والتخطيط لاستخدامها، وكانت رؤية الوزير الألماني الأسبق، التي طرحها على زملائه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، هي عدم كفاية معارضة عدوانية المحافظين الجدد في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، وإنما يجب المبادرة إلى سد الذرائع التي ينتحلونها، وعليه فيجب على الأوروبيين الشروع في الحوار مع إيران، لإقناعها بعدم إنتاج أسلحة نووية، ودمجها في الأسرة الدولية، بعد عقود من الحصار الأمريكي، وعدم الاكتراث الأوروبي، وفي هذه اللحظة تشكلت الترويكا الأوروبية من فيشر ووزيري خارجية فرنسا وبريطانيا، لتبادر بزيارة طهران، وليبدأ الحوار الأوروبي الإيراني، الذي أفضى إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى في نهاية المطاف، ولكن بعد أن كان بوش ومحافظوه الجدد قد غادروا مواقعهم، وجاء الرئيس باراك أوباما وفريقه.

لذا تكتسب رؤية وزير خارجية ألمانيا الأسبق للوضع الحالي في الخليج والشرق الأوسط أهمية خاصة، وتزداد هذه الأهمية عند كاتب هذه السطور لأسباب، الأول هو: الاطلاع المباشر بحكم العمل في ألمانيا في تلك الفترة، والثاني هو: الاتفاق في تشخيص إستراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب نحو إيران بأنها حطام إستراتيجية، كما قال الكاتب قبل أسبوعين، أو كما يقول فيشر في عنوان مقاله المشار إليه في موقع (بروجيكت ــ سينديكيت) حين يصف إستراتيجية ترامب هذه بأنها (Loose ــloose strategy)

وإذا كنا قد رأينا من قبل، كما رأى كثيرون غيرنا أسباباً مهمة تستبعد حرباً واسعة في الخليج، أو هجوماً أمريكياً موسعاً على إيران، مع التسليم بإمكان انفجار الموقف بالخطأ أو بتداعيات التصعيد المستمر من الجانبين الأمريكي والإيراني، والتحريض الخليجي الإسرائيلي.. وإذا كانت المبادرات المنبثقة من الإقليم معدومة، أو غير محتملة على المدى القريب.. وثالثاً: إذا كان من شبه المستحيل على إيران الاستجابة لدعوة ترامب للحوار الثنائي المباشر، وذلك لأسباب أيديولوجية وتاريخية، فإن المخرج الأمثل أو الأرجح هو التدويل، بمعنى العودة إلى مبدأ الاتفاق الدولي مع إيران، على أن يكون هذه المرة متعدد الأغراض والجوانب، أي لا يقتصر على قضية أسلحة الدمار الشامل، أو البرنامج النووي الإيراني.

ما يرجح هذا الاحتمال هو أن كل الأطراف قد وصلت إلى مرحلة الإجهاد، أو إلى النقطة التي ليس بعدها إلا المزيد من الخسائر الاقتصادية، والسياسية، وتآكل الهيبة والمصداقية، دون مكاسب جديدة محتملة.

إيران من ناحيتها تعانى بقسوة من العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وتتكبد نفقات طائلة لاستبقاء نفوذها وولاء حلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، حيث طالت خطوط معاركها بأكثر مما يتحمله اقتصاد عالم ثالث محاصر، وأما الولايات المتحدة فقد نزفت من هيبتها العالمية، ومصداقيتها لدى العواصم الخليجية الكثير مما يصعب تعويضه إلا بحرب مكلفة لها وللمنطقة وللعالم ضد إيران، أو بصفقة شاملة مشرفة أو معقولة، ولكي تصل إلى هذه الصفقة فلا بد لها من الاعتماد على دول كبيرة أخرى، أو التعاون مع هذه الدول على الأقل، كما حاولت أخيراً دون نجاح من خلال الوساطة اليابانية، وهو ما سيؤدي إلى العودة إلى شركاء الاتفاق النووي الذى انسحب منه ترامب، أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.

ومن الواضح أن هذه الدول الخمس الأخيرة لا تنقصها الرغبة ولا الإرادة ولا المصلحة، وكما ذكرنا في الأسبوع الماضي فإن روسيا تحديداً تقدمت بمشروع أولى للأمن الجماعي في الخليج، ويفترض وجود تنسيق صيني روسي حوله، والأرجح أن الولايات المتحدة لم تعد حساسة ضد مثل هذه المبادرات الروسية، كما كان الحال في الماضي، وذلك لأن روسيا أصبحت قوة شرق أوسطية فعلاً لا مجازاً، بوجودها العسكري الكثيف والدائم في سوريا، ونفوذها السياسي العريض في هذه الجبهة، بما يتضمنه من تنسيق إستراتيجي مع إسرائيل من ناحية، ومع تركيا من ناحية أخرى، ثم إن روسيا أصبحت أيضاً قوة خليجية، ولو بصورة غير مباشرة من خلال تحالفها الإستراتيجي مع إيران على الجبهتين الخليجية ذاتها والسورية، وفى ذات الوقت فقد أصبح من المسلمات الإستراتيجية أن الولايات المتحدة قررت خفض التزاماتها في الشرق الأوسط والخليج منذ أواخر سنوات أوباما في البيت الأبيض، وزاد ترامب على ذلك قراره المعلن بالانسحاب العسكري من سوريا وأفغانستان.

وأما السعودية والإمارات اللتان تتصدران إستراتيجية المواجهة ضد إيران في اليمن، وفي كل مكان، وبكل الوسائل، فلا شك أنهما أيضاً دخلتا مرحلة الإجهاد، دون بارقة أمل في نصر قريب، لا في اليمن ولا في الخليج نفسه، ومن المؤكد أن هذا الشعور بالإجهاد في الرياض وأبوظبي تحول إلى شعور بالصدمة والألم من جراء الخذلان الأمريكي للبلدين بعدم الاندفاع لمحاربة إيران، ليس فقط بتراجع ترامب في اللحظات الأخيرة عن توجيه ضربة انتقامية رداً على إسقاط الإيرانيين للطائرة الأمريكية المسيرة منذ أسبوعين، ولكن أيضاً بإعلان الرئيس ترامب دون مواربة أنه لن يخوض حرباً لحماية الملاحة النفطية في الخليج، أو لأي سبب آخر سوى منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

تبقى إسرائيل، وهي مع السعودية والإمارات، الأكثر دفعاً في اتجاه تفجير الموقف مع إيران، وهي بدورها لديها ما قد يجبرها على قبول مبدأ الاتفاق الدولي مع طهران، ولندع مؤقتاً الخطر المؤكد الذي يمثله حزب الله على الشمال الإسرائيلي في حالة الهجوم على إيران، لنذكر القراء بأن سياسة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، المناهضة لأي تفاهم دولي مع الإيرانيين، والباحثة في كل مكان عن حلفاء لضرب إيران فوراً لا تحظى بإجماع داخل إسرائيل نفسها، باعتبارها سياسة متطرفة رعناء، تخدم الأغراض الانتخابية لنتنياهو، كما تخدم تحالفه مع المتطرفين من اليهود الأمريكيين، وكان إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق قد كتب في شهر مايو من العام الماضي معارضاً بشدة نية الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ومحذراً من نتائجه، وهنا ينبغي ألا تفوتنا دلالة إعلان باراك عودته للحياة السياسية مرة أخرى، واعتزامه المنافسة على رئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة، إذ يعرف كل من له دراية بالسياسة الإسرائيلية أن إيهود باراك لا بد وأنه قد نسق مع اللوبي اليهودي الأمريكي غير الليكودي.

حين نقول إن التدويل يقترب من الخليج فليس القصد هو إحياء الاتفاق النووي مع إيران بشروط أفضل، ولكن المقصود، كما سبق القول، صفقة متعددة الجوانب مع إيران تشمل اليمن وسوريا والعلاقات الخارجية الايرانية، وبما أن إيران تعتمد استراتيجياً واقتصادياً على روسيا والصين فلا بد من مشاركة الدولتين في ضمان أي ترتيبات يتم التوصل إليها، وليس لذلك اسم إلا التدويل، أما ما بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فالأغلب أنه سيرحل إلى مستقبل تكون فيه إجراءات بناء الثقة قد اختبرت بنجاح.
"الشروق المصرية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى