> رشا النجار
عادت الساحة اليمنية لتحتل مكاناً بارزاً ضمن المشهد الإعلامي، بعد جملة من التطوّرات العسكرية والسياسية، ترافقت مع مؤشرات على بداية تغيّر في طبيعة العلاقات بين دول الخليج فيما بينها، وبينها - منفردة ومجتمعة - وبين إيران. وجاء ذلك على خلفية انكشاف حجم الهزيمة الغربية في ما بات يعرف بـ «حرب الناقلات»، بعد إطلاق سلطات جبل طارق للناقلة الإيرانية "غريس 1" يوم 15 من الشهر الجاري، باتفاق ضمني مع بريطانيا، ورغم معارضة الولايات المتحدة.
█ نوايا انفصالية
شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، منذ حوالي الأسبوعين، تحركاً عسكرياً قاده المجلس الانتقالي الجنوبي، قامت قواته على إثره بالسيطرة على المدينة بعد اشتباكات عسكرية مع قوات الرئاسة اليمنية في المدينة، وأصدر المجلس بياناً أعلن فيه «توليه رسمياً إدارة شؤون محافظات الجنوب»، مشدداً على أن «هدف شعب الجنوب هو استعادة دولة الجنوب الفدرالية المستقلة» (في إشارة إلى اليمن الجنوبي، أو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990)، كما تضمّن البيان «مطالبة للسلطات المحلّية في عدن بتحمّل مسؤولياتها في تلبية احتياجات المواطنين من كهرباء وماء وغيرها، وعدم التهاون إزاء أي عبث أو فساد، وتعزيز الاصطفاف الوطني لحماية الجنوب».
█ تباينات الرياض وأبوظبي
على الرغم من نفي الطرفين وجود خلاف بينهما، وهذا ما عبّر عنه أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، عند سؤاله من أحد الإعلاميين حول حقيقة وجود خلاف بين السعودية والإمارات على خلفية ما يحدث في اليمن، حيثُ ردّ: «الإماراتي سعودي والسعودي إماراتي»، إلّا أنّ هنالك العديد من المعطيات التي تشي بوجود صراع خفيّ بين الحليفين؛ فمن جهة، بات التقارب الإماراتي الإيراني أكثر علنية ووضوحاً، ومن جهة ثانية أعلنت الإمارات منذ حوالي الشهر الانسحاب العسكري من التحالف العربي. وهذا ما يوضّح وجود اختلاف في الإستراتيجية بين السعودية والإمارات.
السعودية وإن كانت قد أعلنت بشكلٍ خجول نيّتها التنسيق مع إيران بخصوص أزمة المضيق، إلّا أنّ قراراً كهذا يصعب اتخاذه في ظل الترابط الكبير بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن أنّ معاداة إيران باتت علامة مميزة للسياسة الخارجية السعودية في مختلف الملفات الإقليمية، إلى الحد الذي يصعب فيه التراجع عنه دفعة واحدة. أمّا فيما يخصّ اليمن، فالهدف السعودي المعلن هو إعادة قوات الرئيس هادي إلى صنعاء والقضاء على الحوثيين، وإنْ كانت تعلم أنّ الوصول إليه مستحيل، ما يشي بأنها تحاول التمسك بأكبر قدر من «المكاسب على الأرض» استعداداً للتسوية القادمة.
█ تنسيقٌ رغم الخلاف
هذا الخلاف في الإستراتيجيات والأهداف بين السعودية والإمارات لم يمنعهما من التنسيق مع بعضهما من جهة، ومع حلفائهما في اليمن من جهة ثانية، من أجل الوصول إلى تسوية مبدئية لأزمة اليمن. ولكن ما تنبغي الإشارة له هنا هو أنّ كلا الموقفين السعودي والإماراتي ليسا في صالح اليمن بأيّة حالٍ من الأحوال، فالتدخل السافر في شؤونه طمعاً ببعض المكتسبات من نفط وغيره ما هو إلّا تنفيذ للسياسة الأمريكية في المنطقة والتي تهدف إلى ضرب الجميع بالجميع، وقد تكبّدت السعودية خسائر هائلة تُقدّر بمئات مليارات الدولارات نتيجة ما سمّي بـ «عاصفة الحزم»، وقد طالت هذه الخسائر دولة الإمارات أيضاً، وهذا ما يضع أمام دول الخليج مهمة صعبة في اتخاذ قرار بخصوص الأزمة في اليمن لتجنّب المزيد من الخسائر، ولعلّ هذا ما يدفعهما إلى اللجوء لسياسة الحوار والتهدئة. محاولات التهدئة مدفوعة أيضاً بهاجس واضح، هو أنّ «التحالف العربي» الذي كان في ضفة واحدة «ضد الإيراني» في اليمن، ومع الحركة التي قام بها المجلس الجنوبي، حاد عن «متاريسه»، ودخل معارك جانبية، من شأنها أن تقوِّي الخصم أياً كانت نتائجها، وأياً كان الرابح والخاسر فيها.
█ هل سيحدث الانفصال؟
تبدو الإجابة عن هذا السؤال غامضة وغير واضحة بعد، ولكن يمكننا القول بأنّه وعلى الرغم من وجود إمكانية لحدوث الانفصال، إلّا أنّ هذه الإمكانية تخضع لتوازنات إقليمية وعالمية، ولا تكفيها الإرادة المحليّة (في حال توفرها) لتحقيقها، وفي ظلّ العلاقات الدولية الجديدة التي تتسّم بمنطق الحوارات والتحالفات الإقليمية في الشرق بمقابل التفكّك والعزلة في الغرب.
* صحيفة "قاسيون" السورية