بيان التحالف وإحقاق الباطل

> د. هيفاء المعشي

> يتعرض الجنوب العربي لصور مكررة من الظلم والمعاناة وكأنها سلسلة ممتدة لا نهاية لها، تشمل اضطهاد سياسي واجتماعي وفكري وإعلامي، والأكثر إيلاماً التحطيم لمعنويات أجيال من الشباب الجنوبي الذي كان يطمح إلى بناء مستقبل مشرق ويحلم بغد سعيد.
شباب الجنوب هم من قادوا ثورتها ضد الظلم والعدوان الذي مارسته قوى النظام الشمالي منذ قيام الوحدة المزعومة التي بدأت كاتفاق شخصي بين قيادات سياسية وانتفت منها صفة الشعبية ثم تحولت إلى فرض واقع سياسي ظالم بقوة السلاح.

منذ قيام الوحدة المزيفة وأجيال الشباب تتوالى جيلاً وراء جيل في جنوب اليمن رافضة لمزاعمها الباطلة وللمظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن التحركات كانت محدودة لافتقار هؤلاء الشباب حينها للنضوج السياسي والقدرات المختلفة التي تؤهلهم لمواجهة هذه التيارات الشمالية المتسلطة التي شكلتها كيانات وأشخاص تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح وغيرها من الأحزاب المهترئة التي كانت غالباً ما تعوم خلف التيار الأقوى، وأحياناً نادرة كانت تحيد لتحقيق مصالح خاصة بها ولا علاقة لها بمعاناة الجنوبيين. وكان الحراك الجنوبي الذي قاده في البداية مخضرمون هو الوعاء الذي استطاع من خلاله الشباب الجنوبي أن يتحد ويتحرك ويتوافد بأعداد كبيرة من كل محافظات الجنوب للتضحية في سبيل دولته المنهوبة. وسقط شهداء كثيرون وجاهدوا شباب أوفياء وأخلصوا في الجهاد ضد التيارات الشمالية المتعجرفة. وقد كان لي شخصياً الشرف في تدريس جيل من الشباب أثناء عملي في كلية الآداب في جامعة عدن الذين كانوا يطلقون أصواتهم دون خوف وبشجاعة لا حدود لها ضد نظام علي عبدالله صالح وأعوانه، وتم اعتقال العديد منهم وبعضهم سقط شهيداً في أرض معركة تحرير الجنوب للخلاص من النظام الشمالي الغادر. وكانت المعركة طويلة ومضنية ولم تكن وليدة حرب 2015 أو ما بعدها. وتبعهم جيل آخر من الشباب هو من ثار وقدم التضحيات في معارك عدن وآخرها المعركة الأخيرة.

هذه حقوق شعب وأمة يطالب بها جيل بعد آخر، ولن يستطيع أي من كان أن يفنيها من الوجود أو يبيعها بأبخس الأثمان أو يوسمها بصفات باطلة أو يستغل الشعب الجنوبي كأداة سياسية لتحقيق أجندات أخرى كون مصلحة الجنوب تأتي في المقدمة. وكما ساهم الحراك في توفير الوعاء السياسي لتضحيات الشباب الجنوبي، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي يمثل وعاءً من نوع آخر، اكتسب شرعيته من رضا الشعب ولم يكتسبها بقوة السلاح. لذا فإن الالتفاف حوله في الوقت الحالي هو الخيار المطروح بشكل عملي لمواجهة التيارات التي عصفت بحقوق الجنوبيين، سواء كانت تيارات محلية قادمة من الشمال أو تيارات خارجية قادمة من الخارج.

وإذا كانت التيارات الشمالية قد اعتادت على تزييف الحقائق وطمس الهوية الجنوبية وسرقة حقوقها فإن من الأهمية بمكان لقوى التحالف، سواء المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، أن تخلص النية في دعمها للجنوبيين. وفي نطاق حمايتها لمصالحها الخاصة سواء كانت خليجية أو إقليمية يجب أن لا تتجاوز حقوق الجنوبيين كونها حقوق شعب وليست حقوق قيادات أو كيانات سياسية كما يحاول العديد من المعارضين لتلك الحقوق تعريفها في محاولة لتفكيك الجبهة الجنوبية والزعم بأن المجلس الانتقالي لا يمثل إلا الأشخاص الذين يديرونه. وللأسف تأتي بعض الطعنات من داخل الجنوب من أشخاص يدّعون وطنيتهم وهم لا همّ لهم سوى الاشتراك في لعبة الكراسي السياسية وتقاسمها.

البيان المشترك للتحالف السعودي الإماراتي بعد معارك شبوة كان للأسف فاقداً للمصداقية لكونه يرسم الوضع الحالي كما يريده هو لا كما هو قائم فعلياً ويفصل الأحداث بما يتواءم مع مصالحه وهو تفصيل صوري يكرر فيه نفس التوجهات منذ بداية حرب 2015 على الرغم من انكشاف العديد من الحقائق بعد مواجهات عدن ومعركة شبوة الأخيرة. وبدلاً من تصحيح الأخطاء وتعديل المسار يصر التحالف على السير على ذات المسار المجحف بحق الجنوبيين.

ليس من العيب أن يتم تصحيح الأخطاء ولكن العيب كل العيب الاستمرار في مسرحية فقدت جمهورها وتحولت إلى شكل من أشكال الصفقات التجارية، وهذا ما لن يوافق عليه الجنوبيون. لابد من مراجعة حقيقية، وإلا فإن الفشل سيكون من نصيب جميع الأطراف المشتركة في المسرحية.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى