الداعية الجفري: «علماء اليمن» تبيح الدماء وتحرض على الاقتتال

> «الأيام» غرفة الأخبار

> «الهيئة» جعلت النصوص المعصومة مقدِّمة لاستباحة الدماء
أصحاب البيان شجّعوا على شق العصا أيام الثورات على الحكام
 في أول رد على بيان ما تسمى (هيئة علماء اليمن) التحريضي على استباحة دماء الجنوبيين، قال الداعية الإسلامي الحبيب علي زين العابدين بن عبدالرحمن الجفري إن الهيئة لا تمثل علماء اليمن إلا من كان منتمياً إلى توجهاتهم السياسية، مشيراً إلى أن البيان "أبعد ما يكون عن البيان الشرعي الذي يرشد الواقع السياسي".
وأكد الجفري أن البيان هو "إعادة لفتاوى الدم التي استباحت دماء أهل الجنوب في حرب 94م".

وفيما يلي: نص رد الداعية الحبيب علي الجفري:
"بِسم الله الرحمن الرحيم
حول البيان المنسوب إلى الجهة المسماة بـ "هيئة علماء اليمن" هدانا الله وإياهم لما هو الحق عنده:
الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
فقد طالعت البيان الصادر عن الجهة المسماة بـ "هيئة علماء اليمن"، وهي هيئة لا تمثل من علماء اليمن إلا من كان منتمياً إلى توجهاتهم السياسية، فوجدت البيان أبعد ما يكون عن البيان الشرعي الذي يرشّد الواقع السياسي، بل هو بيان سياسي تم إلباسه لبوس الشريعة.
وفيه استشهاد بآية كريمة وحديث شريف لا صلة لهما بالواقع المراد بيانه، بل جاء على نحو يجعل من إيراد النصوص المعصومة مقدِّمةً لاستباحة الدماء والتحريض على الاقتتال، والعياذ بالله.

وما هذا البيان إلا إعادة لفتاوى الدم التي استباح بها بعضهم دماء أهل الجنوب في حرب 94، حين اتهموا من يحاربونهم بالكفر والشيوعية، وخاطبوا الناس في المساجد بقتالهم، ونسجوا القصص عن كرامات جهادهم المزعوم، ووصل الأمر بهم حينئذ إلى استباحة ما حرّم الله من قتل المدنيين الأبرياء من أهل مدينة "عدن"، ملصقين باطلهم بفتوى التترس، ناقلين في ذلك نص فتوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام، رحمه الله، على غير هدى ولا بصيرة ولا صواب.
وقد استفتح كاتب هذا البيان بقوله تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
والآية الكريمة نزلت في قتال المشركين الذين يقاتلون المسلمين على دينهم، لذلك اعتبر القتال قتالاً في سبيل الله، فهل يُكررون الحكم بكفر خصومهم من أهل الجنوب ليجعلوا قتالهم جهاداً في سبيل الله؟!

واستشهد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم في صحيحه: "من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه".
وهو استشهاد أبعد ما يكون عن حال من استشهد به فضلاً عن صلته بموضوع البيان.
أولم يكن أصحاب هذا البيان هم من شجّع على شق العصا أيام الثورات على الحكام، وأصدروا الفتاوى بمشروعيتها؟ أولم يجيزوا الاستعانة بالدول الأجنبية على دولهم؟ ومنهم من أثنى على رئيس الولايات المتحدة السابق لدعمه هذه الثورات! بل إن منهم من رحب بغارات حلف الناتو!
وأما الاستشهاد به في التحريض على القتال الجاري فهو باطل ظاهر البطلان لطالب العلم المبتدئ حال اطلاعه على الواقع، فأي اجتماع للأمر في واقع البلاد؟ وأين هي العصا التي يراد شقها؟ وأين هي الجماعة المجتمعة؟ ما لم يقصدوا بذلك جماعتهم وحزبهم، وهذا أمر لا صلة له بحديث النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

إن القتال الدائر اليوم ليس قتالاً في سبيل الله، ولا هو شق لعصا الطاعة، ولا تفريق لجماعة كانت على قلب واحد، بل هو قتال على نسق الحكم وتشكيل الحكومات، وفيه من يشتكي ظلماً رآه، وفيه من يدّعي شرعية في معترك بين الفريقين على دولة لا وجود لحقيقتها على الأرض ولا بسط لسلطانها على الرَعِيّة.
ولو أراد طالب علم أن يسلك مسلك هذا البيان في الرد عليه، لنقل له من كتب الشريعة المطهرة ما يستشهد به لتأييد رأيه السياسي أمثال عبارة إمام الحرمين في الحُكم بخلع الحاكم الذي فقد القدرة على بسط سلطانه*، وغيرها من المقولات المعتبرة لدى أهل السنة، ولكن مثل هذا الواقع الذي نحن فيه لم يقم أصلًا على أساس الرجوع إلى أمر الله والوقوف عند حكمه، بقدر ما هو معترك تقوده الأهواء وتؤثر فيه الصراعات الإقليمية والتوازنات الدولية، فلا ينبغي أن نلوث به ثوب الجهاد الطاهر، ولا نلوي أعناق النصوص الشريفة لتبرير التنازع على السلطة.

ولقد كان الاكتفاء بالدعاء بالفرج ونصرة الحق هو المسلك الذي اخترناه منذ بداية الأحداث، تجنباً لالتباس الرأي الشخصي بالحكم الشرعي في أذهان المتابعين، وثباتاً على مسلك أشياخنا من عدم المشاركة في النزاعات السياسية على السلطة، فلما ظهر هذا البيان وما حواه من التلاعب بالخطاب الشرعي والعمل على تسخيره للأغراض السياسية لم يكن هناك بُدٌّ من بيان زيف صلته بالشريعة وإيضاح بُطلانه.
وختاماً أُذكّر نفسي ومن صاغ ذلك البيان ووقّع عليه بتقوى الله تعالى، وأنه لا يفوق خطورة سفك الدماء المحرمة إلا جريمة نسبة ذلك إلى الله ورسوله.

وأُحذّر الجميع من مآل الاسترسال في العبث بدلالات النصوص المعصومة والفتاوى الشرعية في سياق إشعال الحروب وإزهاق الأنفس وتدمير الأوطان، فإن نتاج هذا الاسترسال هو خروج شرائح متسعة من الشباب عن دين الله تعالى إلى ظلمات الإلحاد أو النفور والإعراض، متوهمين أن هذا العبث وسفك الدماء وتدمير الأوطان هو دين الله تعالى.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وعجّل بأمر رشد تُحقن به الدماء وتحفظ به الحقوق، وفرّج عن البلاد والعباد يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
* نص عبارة إمام الحرمين الجويني في الغياثي:
"لو سقطت طاعة الإمام فينا، ورثّت شوكته، ووهنت عُدّته، ووهت منته، ونفرت منه القلوب، من غير سبب فيه يقتضيه، وكان في ذلك على فكر ثاقب، ورأي صائب، لا يؤتى في ذلك عن خلل في عقل، أو عته وخبل، أو زلل في قول أو فعل، أو تقاعد عن نبل ونضل، ولكن خذله الأنصار، ولم تواته الأقدار، بعد تقدم العهد إليه، أو صحيح الاختيار، ولم نجد لهذه الحالة مستدركاً، ولا في تثبيت منصب الإمامة له مستمسكاً، وقد يقع مثل ذلك عن ملل أنتجه طول مهل، وتراخي أجل، فإذا اتفق ذلك، فقد حيل بين المسلمين وبين وَزَرٍ يستقل بالأمر، فالوجه نصب إمام مطاع، ولو بذل الإمام المحقق أقصى ما يستطاع".
غياث الأمم في التياث الظلم، الركن الأول، الباب الخامس".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى