«الإندبندنت»: في شرق اليمن.. حرب خليجية جديدة بالوكالة لا يتحدث عنها أحد
«الأيام» عن «إندبندنت عربية»
نجت محافظة المهرة شرقي اليمن من ويلات الحرب التي تستعر منذ حوالي خمس سنوات، لكنها في الآونة الأخيرة كانت مسرحًا لأحدث حرب بالوكالة بين دول الخليج، إذ بدأ السعوديون في نقل جنود إلى المنطقة، وتدريب القوات المحلية هناك، بدعوى مكافحة التهريب، وهو ما رأته عُمان تهديدًا داخلياً لها، لاسيما أن هناك امتداداً للقبائل العُمانية والمهرية عبر الحدود، والتي بدأت هي الأخرى في نقل الإمدادات والدعم للجماعات المرتبطة بها على الأرض هناك.

- خبراء: عُمان وصفت بسويسرا لحيادها لكنها بدأت بدعم الموالين لها في المهرة
يستهل التقرير بالقول: "أحدثت الرصاصة ثقبًا في باب سائق الشاحنة الصغيرة، فيما اخترقت رصاصتان أخريان الجزء العلوي من نافذة الشاحنة. لكن لسببٍ ما، كان جرحًا طفيفًا في الكتف هو الإصابة الوحيدة التي تكبّدها سالم بلحاف - جندي يمني متقاعد من شرق اليمن - أثناء القتال. لقد تعامل مع الرصاصة بلا اكتراث، بفمه المملوء بنبات «القات» المخدر.
█ المهرة.. خط المواجهة للحرب بالوكالة
سالم هو أحد المئات من رجال القبائل اليمنيين الذين اشتبكوا على مدى العام الماضي مع القوات السعودية ووكلائها في المهرة، وهي محافظة تفخر باستقلاليتها، وثقافتها، ولغتها الفريدة، لكنها الآن باتت خط المواجهة لحرب جديدة بالوكالة.
وقد نظّم الرجال والنساء احتجاجات منتظمة ضد ما يرونه «احتلالًا» لأراضيهم من جانب الرياض، التي تقود تحالفًا عسكريًّا يقاتل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، على الجانب الآخر من البلاد.
وكونها منعزلة بالوديان السحيقة والخبوت الشاسعة، نجت المهرة - أكبر المحافظات الشرقية في اليمن - من ويلات الحرب التي تستمر للعام الخامس على التوالي، والتي اندلعت بسبب طرد الحوثيين للحكومة اليمنية المُعترف بها. كما شهدت المحافظة حتى وقت قريب وجودًا ضئيلًا للجماعات المتطرفة، مثل تنظيمي «القاعدة» و «داعش».
وبعد فترة من فرض الحماية البريطانية عليها، في الستينيات من القرن الماضي، أصبحت المهرة - رُغمًا عنها - جزءًا من جنوب اليمن المنفصل، وذلك قبل توحيده مع الشمال في عام 1990.
لكن منذ أواخر عام 2017، وجدت المنطقة المنسيّة في كثير من الأحيان نفسها متورطة في أحدث حرب بالوكالة في اليمن بين دول الخليج، إذ بدأ السعوديون في نقل ما يصل إلى 1500 جندي إلى المنطقة، وفقًا للباحثين اليمنيين، بالإضافة إلى تدريب القوات المحلية على مواجهة تهريب الأسلحة، المتفشي عبر الحدود التي يسهل اختراقها مع سلطنة عُمان.

█ استعداء السكان المحليين وإثارة قلق عمان
يضيف التقرير: "بعد أيام قليلة من وصول القوات السعودية، استُبدل بمحافظ المهرة محمد بن كدة - الذي حاول معارضة وجود تلك القوات - المرشح الذي اختارته الرياض، راجح باكريت، وهو شخص قضى وقتًا قصيرًا نسبيًّا في المهرة، وهبطها بطائرة سعودية في يناير عام 2018م.
وعلى الرغم من وعوده في البداية بعدم تحويل المحافظة إلى مقر عسكري للقوات السعودية، فإن الرياض استولت على مطار المهرة المدني وأغلقته. وأسس السعوديون خمس قواعد عسكرية رئيسية أخرى، ما يزال بعضها قيد الإنشاء. ووفقًا لسكان محليين، يصل عددها إلى 20 موقعًا أصغر؛ ما أثار قلقًا وغضبًا بين المهريين الذين يتهمون السعوديين بالاستيلاء على الأراضي.
ولم يُغضِب الوجود السعودي السكان المحليين فحسب، لكنه - حسب الخبراء والدبلوماسيين الأجانب - تسبب أيضًا في خلاف متزايد مع عُمان المجاورة، وهي قوة إقليمية أخرى؛ إذ ترى مسقط أن الاستيلاء على جارتها المهرة يُشكل تهديدًا داخليًّا لها، لاسيما أن هناك امتداداً للقبائل العُمانية والمهرية عبر الحدود.

█ جرّ عمان إلى الصراع
لم تحظ التوترات الناتجة إلا باهتمام دولي ضئيل، لكنها قد تترك تداعيات واسعة النطاق ومدمرة، إذا واصل الطرفان القتال من أجل السيطرة على المنطقة، بحسب الكاتب.
وقال فارع المسلمي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية في اليمن: «كانت المهرة آخر مكان معزول ومستقر في اليمن، لكن الآن تختمر حرب للقوى الإقليمية، والمهرة هي الخط الأمامي لحرب الوكالة الجديدة».
ولم يكن لدى المركز ولا أسرة السواري أي فكرة عن مكان احتجازه، أو الاتهامات الموجهة له. ودعت لجنة حماية الصحفيين إلى إطلاق سراحه على الفور.
ومن بين الديناميكيات التي كان السواري يبحث فيها، هو كيف أن استحواذ السعودية على السلطة جرّ عُمان إلى النزاع في اليمن.
وأضاف المسلمي: «كانت عُمان آخر جارة محايدة لليمن، إذ لم تكن متورطة في هذه الحرب، لكنها الآن أضحت كذلك».

█ المهرة.. الفناء الخلفي لسلطنة عمان
يقول د. عبد الله الغيلاني، الخبير الإستراتيجي العُماني - لصحيفة «الإندبندنت» من مسقط - إن المهرة كانت «الفناء الخلفي لسلطنة عمان».
ويضيف: «لقد طورنا أيضًا الكثير من البنية التحتية هناك، ولدينا روابط سياسية قوية. تُعد المهرة المنطقة العازلة التي ظلت مكانًا سلميًّا، حتى وضع السعوديون والإماراتيون قواتهم هناك».
ويُحتمل أيضًا أن تكون المهرة قد وضعت السعوديين في مواجهة حليفهم الإقليمي، الإمارات العربية المتحدة، التي قِيل إنها حاولت - وفشلت - بين عامي 2015 و2017 بناء قوة نخبة في المهرة وتدريبها، ظاهريًّا لمحاربة الجماعات المتطرفة، مثل «القاعدة»، كما فعلت في محافظات أخرى، بما في ذلك عدن العاصمة الفعلية حاليًا للبلاد.
وتضيف: «إذا كانت للسعودية قواعد عسكرية، فسيعني ذلك أنه لا يمكن أن تحظى الإمارات بجنوب منفصل في اليمن؛ لأنها لن تحصل على المهرة وسقطرى».
وتتابع إليزابيث كيندال: «بالتأكيد، تدخل السعوديون لمكافحة التهريب، لكن لا يبدو أنهم سيغادرون. وفي حين أنهم عالجوا الأشياء الكبيرة، إلا أنهم تركوا الأشياء الأصغر».
█ تضاؤل الأمل في إنهاء الأزمة
يكمل التقرير: "تمزق اليمن بسبب الحرب الأهلية المدمرة، التي اندلعت شرارتها منذ أن سيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على البلاد، في أوائل عام 2015، وأطاحوا الرئيس المعترف به دوليًّا عبد ربه منصور هادي.
وخوفًا من تعدي النفوذ الإيراني على حدودها، أطلقت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها السنة - بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة - حملة قصف ساحقة في مارس من العام ذاته؛ لإعادة هادي إلى السلطة.
لكن بعد خمس سنوات، هناك أمل ضئيل في إنهاء الأزمة، التي تركت ما يقرب من 13 مليون شخص على شفا المجاعة.
█ معارك منفصلة من رحم الحرب
في الوقت الراهن، وفي غمرة الحرب، تبرز عدة حروب منفصلة، بما في ذلك حرب من أجل الاستقلال الجنوبي تغذيها جزئيًّا القوى الانفصالية الجنوبية المسنودة من الخليج.
وقد فرضت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي الشهر الماضي سيطرتها على عدن العاصمة الفعلية للبلاد، وأطاحت الحكومة المعترف بها التي يُفترض أنها متحالفة معها.
وهكذا، فإن الصراع المحتدم في المهرة - المحافظة التي تجنبت الصراع لكونها تبعد أكثر من 850 كيلومترًا عن الخطوط الأمامية المعتادة - يتخفى بعيدًا عن الأضواء إلى حد كبير، حتى الآن.
█ حركة احتجاجية نسوية
ونقل التقرير عن نادرة محمد، البالغة من العمر 30 عامًا، وهي مدرِّسة، تقود منذ عام حركة احتجاج نسائية ضد وجود القوات السعودية في الغيظة، عاصمة المهرة: «الشيء الذي يقلقنا أكثر هو أن الاحتلال السعودي سيستولي على المزيد من الأراضي، ويصبح عنيفًا».
وتكافح المسيرات النسائية أيضًا تدفقًا حديثًا للسلفيين الفارين من الحرب، في أجزاء أخرى من البلاد، الذين ظهروا أول مرة بعد أن أنشأ السعوديون قاعدتهم الرئيسية في مطار المهرة.
وأضافت نادرة، وهي أم لأربعة أطفال، أن احتجاجات الرجال - على غرار الحركة النسائية - قوبلت بالقوة، وادعت أن ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص قد اُعتقلوا واختفوا.

وفي نوفمبر عام 2018، قُتل شخصان من رجال القبائل المحليين، خلال احتجاج تعرض لهجوم القوات المدعومة من السعودية، التي خاضت مواجهات مع السكان المحليين.
وينفي السعوديون والقوات التابعة لهم أنهم أظهروا أي نوع من العنف، ويرفضون الاحتجاجات قائلين إنها مدبرة من رجال القبائل الساخطين والفاسدين، الذين طُردوا من السلطة في المعركة ضد التهريب. واتهم بعض النقاد الاحتجاجات بأنها مدعومة من مسقط، وهو اتهام تنفيه النساء بشدة.
ويقول حازم كدة: «طلبوا مني أن أخبر شقيقتي بأنها يجب أن تتوقف عن الذهاب إلى الاعتصام، وأخيرًا أطلقوا سراحي بعد 10 ساعات عندما تدخل شيخ قبلي».
█ «لا قات ولا رشاشات»
وبعيدًا عن حركة الاحتجاج، والولاءات السياسية المتداخلة، ثمة شعور متزايد بالغضب بين السكان المحليين. ففي مستشفى المهرة الرئيسي على مقربة من لافتة كُتب عليها «لا قات ولا رشاشات»، تتحدث الأسر - التي تتسم بالعفوية للغاية - عن ارتفاع أعداد «المليشيات» والاعتقالات.
يقول عبد الله، البالغ من العمر 40 عامًا: «نحن قلقون للغاية بشأن الوضع مع هذا الجيش الجديد من الخارج»، في إشارة إلى القوات المحلية التي دربتها السعودية، والتي ينحدر معظم أعضائها من المحافظات في جميع أنحاء البلاد.
ويضيف: «كنا نعيش في سلام حتى وقت قريب. إنهم يأتون ويعتقلون الناس من منازلهم، ويتهمونهم على ما يبدو بأنهم محرِّضون أو متطرفون».
وفي جميع أنحاء البلدة في إحدى قرى الصيد المهجورة في المهرة، يشتكي الصيادون - الذين يرتدون ملابس يمنية تقليدية - من أنهم لا يُسمح لهم بالصيد في محيط القواعد العسكرية السعودية الجديدة.
وقال البعض مثل سعد عبد الله، البالغ من العمر 30 عامًا، إن أماكن الصيد الخاصة بهم دوهمت بعنف؛ ما زاد من حدة التوترات في المنطقة.
█ فتِّش عن النفط
ويزعم المسؤولون الإقليميون السابقون الساخطون - الذين عُزِلوا من مناصبهم، مثل محافظ المهرة؛ ليحل محلهم المرشحون المفضَّلون للسعودية - أن الاستيلاء على السلطة هو جزء من الجهود التي يبذلها السعوديون لبناء خط أنابيب للنفط من أراضيهم إلى بحر العرب، وهي فكرة ظلت تُطرح لعقود من الزمان.
ويقولون إن المملكة العربية السعودية أصبحت متوترة بشكل متزايد، منذ هجمات الطائرات بدون طيار في مايو الماضي على خطوط أنابيب النفط الخام الخاصة بها، وهي أزمة تتعلق بالممر المائي الرئيسي «مضيق هرمز» والحوثيين الذين يهددون مضيق باب المندب على الجانب الآخر من شبه الجزيرة.
وكان قحطان من بين المسؤولين اليمنيين الذين حاولوا منع السعوديين من الاستيلاء على مطار المهرة. كما تتهمه الفصائل الموالية للسعودية بالفساد وإثارة حركة الاحتجاج.
ويتابع قحطان - الذي يتخذ من مسقط مقرًّا له إلى حد كبير هذه الأيام - دون أن يلطّف من حدة كلماته: «نود أن تتوصل منظمة الأمم المتحدة إلى قرار يأمر الإمارات والسعودية بمغادرة اليمن في غضون 30 يومًا. نحن حاليًا نفضل إسرائيل على أولئك الناس هناك».
ومنذ زمن الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، بات الحريزي - الزعيم القبلي الذي أصبح شخصية بارزة في الاحتجاجات المناهضة للسعودية - مزعجًا بسبب مزاعم تورطه في التهريب، وهو ما ينكره بشدة. ومع ذلك، فهو يقر علناً بالدعم الذي قدمته له الحكومة العُمانية.
وقال: «السعوديون يريدون استغلال مئات الآلاف من براميل النفط عبر البحر العربي. لقد رأيناهم يضعون مؤخرًا علامات لخط أنابيب، لقد داهمناهم وأخذنا أسلحتهم».
وعند عودته إلى الشاحنة الصغيرة المثقوبة بالرصاص، وضع سالم بلحاف بندقيته في المقعد الأمامي. ومع وجود قاذف صاروخي «آر بي جي» في الخلف، يستعد سالم للمغادرة.