أحمد الأسد وقصة كفاح في زمن الحرب

> تقرير/ جمال محسن الردفاني:

>
في منزله الكائن في حافة حسين بمدينة كريتر بالعاصمة عدن يعش أحمد عمر صالح الأسد (17 عاماً) حياته التي لا يتخللها اللعب واللهو والمرح كأقرانه ممن هم في عمره، بل تفرّغ لخوض قصة كفاح تجسّد صمود أهالي عدن في زمن الحرب، ليجد في طباخة حلوى الفوفل العدني المعروف بـ "الملبس" وبيعه في أحياء المدينة وسيلته المُثلى لمساعدة أسرته لتوفير متطلبات الحياة وتأمين احتياجاته الدراسية، في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تشهدها البلاد.

بابتسامته الفريدة وبشاشته المعتادة، قابلنا "أحمد الأسد" بجانب المنزل وحبات العرق تنحدر من على جبهته مبللة معطفه، فور أن عاد من جولته المسائية الخاصة بتوصيل الطلبيات للزبائن، متنقلاً بين مديريات المدينة.
وما إن وصل إلا وكان أطفال الحي بانتظاره لفتح خشبة البلياردو، الذي استأجره، ليتناوبوا باللعب عليه مقابل مبلغ زهيد يدفعونه، وهو المبلغ الذي يجمعه إلى جانب ما يتحصل عليه من مشروعه الصغير في بيع حلوى "المُلبس".

"الظروف صعبة، ولابد أن نجتهد لطلب الرزق" بهذه الكلمات افتتح "الأسد" حديثه ليحكي لنا عن قصة الكفاح التي خطاها لمجابهة الأوضاع المعيشية.
ويضيف قائلاً: "من الصعب علينا أن نظل مكتوفي الأيدي، مثقلين كاهل أسرنا في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، فواجب كلٍ منا التحرك وطلب الرزق بما يستطيع لمساعدة أسرته عبر أي من مشروع أو عمل، فالشغل مش عيب، و(الفوفل الملبس) الذي نعمل عليه حالياً يُعد من أجود أنواع الحلويات العدنية على الإطلاق، وتنتج في المنازل".

ويتحدث "الأسد" لـ«الأيام» عن بداية عمله في مشروعه الصغير بالقول: "قبل عام أصبت بـ(الصفار)، وهو مرض يصيب الكبد، وأُجبرت على البقاء في المنزل طويلاً ووجدت صعوبة في تحضير الطعام عند انشغال الوالدة، فاضطررت إلى تعلم مقادير تحضير بعض الأطعمة، وعندما جربت طهي الفوفل كان محط انبهار الجميع وعملوا على تشجيعي، وكانت تلك هي البداية، ومنه شرعت بالبيع في الحافة بجانب البلياردو للمساعدة في دفع فواتير العلاج ومواجهة لوازم الأسرة والدراسة، وواصلت العمل بهذا المجال منذ ذلك الحين، كما بدأت بالإعلان عن ما أنتجه في مشروعي الصغير عبر صفحاتي في (الفيس بوك وتويتر، واتساب)، وبمساعدة بعض النشطاء بدأت الطلبات تأتي من مديريات المعلا والتواهي وخورمكسر، ومؤخراً أصبحت أقوم بتوصيل الكثير منها إلى الشيخ عثمان والمنصورة ومناطق عِدّة في عدن".

ويكمل: "هناك زبائن كُثر تعرفوا عليّ عبر النت، والفضل في ذلك يعود إلى الإخوة النشطاء الذين عملوا على إشهار مشروعي عبر خدمات التواصل الاجتماعي، وأخص بالذكر الأخت أماني عبد الرحمن التي أعجز عن شكرها".

طريقة التحضير
وعن طريقة تحضير "الملبّس"، يؤكد الأسد بأنها ليست بالصعوبة أو المجهدة بقدر ما هي بمستوى الخبرة الدقيقة في ضبط المقادير، وبلهجته العدنية يشرح الطريقة قائلاً: "أضع أربعة قلاصات سكر في مقلى، وأخلي الشولة لأصية وأجلس أحرك السكر، لما يتفاور وقده مثل الماء، أسكب عليه الفوفل وأقلبه، وبعدها أسوي النارجيل ويندمج معهم، وأطلعهم إلى الصحن وأشبعهم بالنارجيل من فوق، ثم أقطعه وأرش الحبيبات الملونة عليه وأتركه ليبرد لأضعه بعد ذلك في الصحن البلاستيكي، ويكون جاهز للتوصيل للزبائن، وبملغ 1500 ريال للصحن الواحد".

ويتابع: "أحببت عملي بشكل كبير، وأعيش بسعادة لكوني أعتمد على نفسي وأساعد أسرتي"، مؤكداً بأنه مسرور أيضاً لما لاقاه من تفاعل واهتمام من قبل الأهالي ورواد التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من بساطة مردود ما يقوم به إلا أنه يشعر بالافتخار حياله، ولكنه يرجو تجاوز بعض المعوقات التي يُعاني منها في عمله والتي يوضحها بقوله: "لم تُعد الصعوبة تكمن في توافر المواد والطهي بالدرجة الأساس، بل في عمليات التوصيل، فالتحرك من منطقة إلى أخرى عبر وسائل النقل "الباصات" أمر متعب جداً، وهو الحلقة الأصعب في عملي وتأخذ وقت طويل وتكاليف مرتفعة".

ويضيف: "فكرت في أن اقترض مبلغاً من المال وأشتري دراجة نارية لتسهيل إيصال الطلبيات، ولكن وجدت صعوبة في الاقتراض، ولا طاقة لي على السداد، فما أجمع من مال يتم صرفه مباشرة"، مبيناً بأن توافر وسيلة إيصال الطلبات إلى الزبائن هي أهم ما يحتاجه في الوقت الحالي، إضافة إلى طموحه بفتح محل خاص به بعد ذلك.

وضع عام مُزرٍ
وتثير الأوضاع الإنسانية في البلاد حفيظة أحمد ليقول: "الحكومات المتعاقبة زاد فيها الفساد، وهي التي دمرت مستقبلنا، ففي بلادنا حتى وإن درست وتخرجت في أي تخصص، فلا يوجد أمل بأنك ستلاقي شغلا، ولا يفلح فيها إلا من لديه وساطة فقط، وعلينا في المقابل أن نعمل ونطلب الله بما استعطنا حتى يفرجها من عنده".
وخاطب أحمد الأسد في حديثه لـ«الأيام» شباب المدينة بالقول: "المشكلة ليست في الظروف الصعبة فقط، بل في بقائنا في المنازل بدون أي عمل، وعلى الجميع البدء بفتح مشاريع ولو كانت صغيره، وعدم الركود، فكل شيء يدفع نحو الأسوأ، وعلينا أن ندفع نحو الأفضل بسواعدنا وتكاتفنا وأخلاقنا وقيمنا، وكما يُقال: مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأنا في الخطوة الأولى وهدفي إكمال طريقي".
الأسد مع الزميل جمال الردفاني
الأسد مع الزميل جمال الردفاني

إشادات
ويقول عبد الله الحاج وهو محامٍ وناشط حقوقي: "إن ما يقوم به أحمد الأسد يعكس أصالة أبناء عدن ومساعيهم الجادة لتجاوز الظروف الصعبة التي يعيشونها"، مثنياً عليه بالقول: "في ظل الأوضاع الصعبة وقلة فرص العمل يبرز هذا الشباب كنموذج فريد من نوعه، ليحصل على الرزق الحلال لإعالة أسرته".
ويضيف: "عدن هي مدينة المفاجآت، فمثلما فاجأنا أبناؤها بصمودهم أثناء الحرب، فهم مازالوا يدهشوننا بهذا الثبات، وأحب أن أتقدم بالتحية للشبل الأسد ولجميع الشباب الذين يعملون ليعيلوا أسرهم، ونجدها فرصة لنوجّه عبر «الأيام» مناشدة للجهات المختصة والخيرين إلى دعم أصحاب المشاريع الصغيرة، والتي ستكون بإذن الله في يوم من الأيام، من المشاريع الكبيرة إذا ما حصلت على الدعم والتعاون اللازم لإنجاحها".
حلوى «الملبّس»
ويعرف "الفوفل المُلبس" بأنه أحد أجود أنواع الحلويات العدنية على الأطلاق، وينتج محلياً في المنازل، من خلال دق الفوفل إلى قطع صغيره وإضافة السكر والنارجيل وبعض الملحقات حين طباخته، ثم يُغلف في أكياس صغيرة أو صحون بلاستيكية خاصة، وقد عرفته مدينة عدن منذ مئات السنين.
والفوفل نبات من الفصيلة النخيلية يعرف باسم جوز "الأريكا" وهو نخيل عالٍ ينمو في المناطق الحارة في العالم كالهند وسيلان والصين، ويتميز النبات بأوراقه الريشية الطويلة وثماره التي تعرف بجوز الفوفل والتي لها استخدامات كثيرة ومتعددة.

أوضاع إنسانية
وأدى الصراع الدائر في البلاد إلى تدهور خطير في الأحوال الاقتصادية، حيث كشف تقرير مؤشرات الاقتصاد اليمني الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي: "إن نسبة الفقر في اليمن ارتفعت إلى 85 %، من إجمالي عدد السكان".
وأكد التقرير أن "الأوضاع المعيشية باتت سيئةً جداً، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 150 % مقارنةً بما كان عليه الحال قبل الحرب".

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 9 ملایین یمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، وتقلصت فرص العمل والتوظيف في القطاع الخاص، وعمل التراجع الحاد للعائدات الحكومية، في انهيار شبكة الأمان الاجتماعي، وعدم انتظام دفع الرواتب جراء الصراع الذي تشهده البلاد منذ مطلع العام 2015م، وهو ما دفع المواطنين إلى امتهان وسائل عمل جديدة ومبتكرة لتأمين حصولهم على أبسط مقومات الحياة.

وفي ظل غياب دور الحكومة وجهات الاختصاص تجاه المواطنين، وتفاقم الوضع الإنساني، وتعرض بعض الأسر للحاجة الشديدة، يبرز هؤلاء الفتية لمساعدة أسرهم. فيا ترى هل سيكون لرجال الخير دور في مساعدتهم للتغلب على هذه الظروف وتمكينهم من تطوير مشاريعهم، أم أن الأبواب ستظل مؤصدة أمامهم من كل اتجاه؟!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى