التدخل الخارجي ورفع وتيرة الصراع في اليمن.. صراع الأجندات يفاقم المأساة الإنسانية

> حافظ الشجيفي

> نشبت الحرب الأهلية بين الأطراف المتصارعة في اليمن في مطلع العام 2015م، عندما اتجهت المليشيات الحوثعفاشية جنوباً نحو عدن للسيطرة عليها بحجة مطاردة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي الذي فر إليها بعد أن كانت قد انقلبت على شرعيته وسيطرت على العاصمة صنعاء في وقت سابق، ما أدى إلى تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015 بدعوة من الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بشرعيته التي تأسست على التوافق الوطني من قبل المجتمع الدولي.

ووفقاً لتوصيف الأمين العام للأمم المتحدة فقد أدت هذه الحرب، التي لم تتوقف منذ ذلك الحين، إلى أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم، حيث قضى أكثر من 85 ألف طفل يمني نحبهم بسبب الجوع حتى الموت، وفق تقارير صادرة عن جمعية إنقاذ الطفولة الخيرية، في حين أسفرت عن مقتل أكثر من عشرة آلاف مدني خلال نفس الفترة، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، بينما تشير تقديرات لمنظمات مهتمة أخرى إلى نحو 16 ألف قتيل مدني غير آلاف المصابين والجرحى والمعوقين منهم..

وفيما تشير تقديرات مماثلة لمنظمات دولية معنية بالإغاثة الإنسانية، ومنها بعثة الأمم المتحدة، إلى أن ما يصل إلى 2.2 مليون إنسان في اليمن يعيشون ظروفاً معيشية مأساوية مدقعة ويشكلون نسبة مرتفعة بالنسبة لإجمالي عدد السكان البالغ حوالي 30 مليون نسمة.

ويمثل الاستمرار في الحرب وتوسع رقعتها وتعدد وتشابك أطرافها تحدياً كبيراً أمام منظمات الإغاثة الدولية في الوصول إلى المواطنين المهددين بالجوع والمرض وانتشار الأوبئة في أوساطهم، فضلاً عن أكثر من مليونيّ نازح من مناطق الصراع والتوتر في الداخل يعيشون أوضاعاً إنسانية متردية في ظل تدهور أوضاع البنية التحتية والتدمير الممنهج لمنشآتها ومرافقها بما في ذلك التعليم والصحة والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى..

ومع اقتراب إكمال الحرب لعامها السادس دون أي بوادر تبشر بوقفها حتى الآن، يبدو أن المأساة الإنسانية وتهشيم بنية المجتمع وحجم الخراب الهائل الذي خلفته بمناطق الصراع وتفشي الأوبئة وتردي الظروف المعيشية والاقتصادية وارتفاع أسعار العملات الأجنبية وأسعار السلع والخدمات الأساسية، هي الخطر الأبرز بعد الخطر الذي يمثله اشتداد التنافس الإقليمي والدولي والتدخلات الخارجية التي أدت إلى تعقيد الأزمة وغياب أي أفق في المدى المنظور لحسم الحرب "الكارثية" وبات من المؤكد أن التدخل الخارجي في اليمن تسبب في رفع وتيرة الصراع وعرقلة الجهود الدولية الرامية لوقف الحرب الدائرة فيه منذ ما يقرب من ستة أعوام، بدلاً من أن يتسبب في إخماده كما كان يفترض.

وتعرضت وحدة المجتمع اليمني شمالاً وجنوباً بفعل التدخلات الإقليمية إلى انقسام مذهبي وسياسي وعسكري بات يهدد اليمن بحرب طويلة الأمد مع غياب أي آمل في الوصول إلى تسوية سياسية ترضي أطرافها أو اهتمام دولي "ضاغط" لإرغام تلك الأطراف على وقف إطلاق النار بقرارات يتبناها مجلس الأمن الدولي.
وأدى هذا الانقسام المذهبي والسياسي والعسكري إلى إضعاف الشرعية وتكريس وضع "اللا دولة" وغياب المؤسسات الموحدة والنافذة وتشكل الكيانات العسكرية والأمنية المختلفة في البلاد ..

ويعتبر التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية أن التدخل في اليمن هو مسألة جوهرية لمواجهة التدخل الإيراني في المنطقة ككل من خلال الحركة الحوثية، غير أنه ليس من المتوقع على المدى القريب أن يتمكن التحالف العربي من حسم الحرب وطرد مسلحي جماعة الحوثي من العاصمة صنعاء وهزيمتهم عسكرياً في بقية المناطق التي تقع تحت سيطرتهم

وبينما يتبنى التحالف العربي دعم القوات اليمنية التابعة لشرعية حكومة عبد ربه منصور هادي، المقيمة في المنفى، وقوى قبلية ومجموعات مسلحة أخرى تتبع أحزاب تقليدية ويمينية فإن الإمارات العربية المتحدة التي تلعب دوراً موازياً للدور السعودي تقدم دعماً خاصاً لأطراف جنوبية تتبنى مشروع فك الارتباط عن صنعاء وتحظى بتأييد قاعدة جماهيرية عريضة من أبناء الشعب الجنوبي، في حين تتلقى جماعة الحوثي دعماً مالياَ وسياسياَ وعسكرياً وتقنياً من إيران التي تنفي صلتها بهذه الجماعة.

وترعى المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن حواراً غير مباشر كانت قد دعت إليه في وقت سابق على خلفية الأحداث التي احتدمت مؤخراً بين المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة وبين حكومة الشرعية في عدن وبقية المناطق الجنوبية أسفرت عن سيطرة القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على العاصمة عدن وبعض المناطق المجاورة لها قبل أن تتوقف الأحداث العسكرية بين الطرفين إثر تدخل المملكة والإمارات للتهدئة بينهم.

وكانت الأوضاع العسكرية قد انفجرت في عدن في العاشر من أغسطس الماضي بعد القصف الذي استهدف عرضاً عسكرياً تابعاً لقوات المجلس الانتقالي كان يقام بمدينة البريقة شمالي العاصمة عدن. وتسبب في مقتل العديد من القيادات الأمنية وعلى رأسها أبو اليمامة قائد معسكر الدعم والإسناد، وهو القصف الذي تبنته ميليشيات الحوثي إلا أن هذا الاعتراف لم يكن كافياً على ضوء النتائج التي توصلت إليها لجنة للتحقيقات كان قد شكلها المجلس الانتقالي في حينه للنظر في ملابسات ما حدثً، حيث اتهم المجلس الانتقالي أطرافاً في الشرعية بالتواطؤ في تنفيذ الهجوم وصرح هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي أن الهجوم استهدف منح حزب الإصلاح اليد العليا في عدن، مضيفاً: "إن الهجوم تم التخطيط له لكي تسقط عدن في أيدي حزب الإصلاح ليعلن بعده النفير الذي انتهى بتطويق القصر الرئاسي في معاشيق"

ويرى مراقبون أن حوار جدة يفترض أن يمثل انطلاقة عملية صائبة لحوار جاد يشمل جميع محاور الخلاف ويعمل على حلحلة التعقيدات وتذليل الصعوبات ولملمة الأنفاس ورص الصفوف وتوحيد الإمكانيات وتسخيرها مواجهة ميليشيا الحوثي الإيرانية واستعادة الدولة، وعلى هذا الأساس يمكن للفرقاء أن يجتمعوا على المصالح العليا لدولتهم وشعبهم كما يمكن تأجيل بعض الخلافات لما بعد استعادة الدولة.

وبما أن اليمن تمثل عمقاً إستراتيجياً حقيقياً للسعودية فأن السعودية يهمها والحال كذلك مستقبل اليمن واستقراره، ولا أدل على ذلك من إنشاء «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية ومعها دولة الإمارات والدخول في حرب خشنة مع مليشيات الحوثي لضمان استقرار الدولة اليمنية وقطع يد الاحتلال الفارسي وذراعه الحوثية والقضاء على تنظيمات الإرهاب القاعدة وداعش لما فيه استقرار منطقة الخليج برمتها.. فالوقائع التي تؤكد ذلك كثيرة ولا تحتاج إلى تحاليل ولا تقبل الاختلاف.

ويعقد اليمنيون في الشمال والجنوب آمالاً كبيرة على حوار جدة في إعادة تصحيح المسار وتوحيد الطاقات ورص الصفوف لاستعادة الدولة اليمنية وحماية الشعب من ميليشيا إيران التي تختطف الدولة منذ ست سنوات مضت حتى الآن مع ضرورة نبذ المصالح الضيقة التي قد تعيق الوصول إلى الهدف الأسمى والغاية الكبرى ومن دون ذلك فلن تكون فتنة عدن إلا أصغر الفتن ومستصغر الشرر وستتحول اليمن إلى صومالٍ جديدة، حيث لا دولة ولا استقرار ولا أمان، وسيدفع الشعب اليمني في الجنوب والشمال ثمن صراعات سياسية وحزبية لا ناقة له فيها ولا جمل.

وعندما تصل الأزمات إلى ذروتها وتوصد أبواب الحل وتتعقد الأمور فيجب إعادة النظر في المواقف وإثبات حسن النوايا والقدرة على المراجعة والتصحيح وتقديم التنازلات وإعادة ترتيب الأولويات لتحقيق المصالح المشتركة العلياء وهو ما يجب أن يفعله الفرقاء في «حوار جدة» ومنهم بعض أطراف الشرعية والمجلس الانتقالي، فالأخطاء المتراكمة عبر سنوات يجب أن تجد حلولها الفاعلة في جدة، ويكفي المجلس الانتقالي أنه استطاع وبجدارة أن يوصل صوته إلى أسماع القيادة السعودية وقيادة التحالف العربي، وأنه كان أول المستجيبين لحوار جدة لمرتين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى