المجهول المعلوم في اتفاق جدة والعكس صحيح

> محمود المداوي

> من المؤكد أن اتفاق جدة ما زال يحمل سر بنوده في الأوراق التي كتب عليها، ولا يعلم بفحوى تلك الأوراق غير أصحاب الشأن فيها، ومن قرأها وناقشها ودرسها وربما وقع عليها.. فهذه أمور لا يعلم بها إلا الله وحده علام الغيوب، وما نتحصل عليه من هنا وهناك ما هو إلا مجرد اجتهادات لمعرفة كنة تلك الأوراق وما تضمنته.
كثيراً مما نقرأه ونسمعه أيضاً غير ملزم لنا أن نصدقه أياً كان مصدره بما فيها تلك المصادر المحسوبة على الجنوب أو التي تدعي أنها كذلك فهذه حقائق لم تعد عصية على فهمها واستيعابها حتى على العامة من الناس ممن لا يفقهون من السياسة إلا
قشورها الخارجية.. والفضل في ذلك طبعا يرجع إلى الثورة التكنولوجية الهائلة في مجال الإعلام وكيفية سيطرته على وعي الناس منذ أواخر القرن الماضي تحديداً، وواقع حال هذا الإعلام تتحكم به تلك الوسائل والوسائط الإعلامية.

وعلى البال هنا الآن واحدة من إفرازات هذه الطفرة الإعلامية التي ما زالت سطوتها قوية جداً على الوعي الاجتماعي، وأقصد بها ما تم التعارف عليه في مجال السياسة الدولية من حيث ذيوع صيت نظرية "الفوضى الخلاقة"، وهذه كما نعلم بدأت نتائجها تظهر جلياً بعد انهيار الحرب الباردة عالمياً بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكانت نتائجها واضحة جلية على عدد من بلدان العالم، إلا أن البلاد العربية والشرق الأوسط تحديداً كان محورها المستهدف ولازال.

وهنا لا يخفى على المتابع للشأن الجنوبي أنه كان من نتائج تلك الفوضى الخلاق وضمن بنودها السرية أيضا القضاء على الدولة الجنوبية الموجودة في الركن الغربي في شبه جنوب الجزيرة العربية ممثلة بالنظام في (ج. ي. د. ش) كدولة ذات توجه اشتراكي، ويبدو أن ذلك الهدف قد تحقق من خلال عملية الإسراع في هروب القيادة الجنوبية بعاطفة قومية عرفت عنها مبكراً إلى الوحدة اليمنية، وهو الهروب القاتل ليس لدولة الجنوب؛ بل أيضاً للدولة الجار في الشمال الـ (ج.ع.ي) وللوحدة الاندماجية التي أقيمت بينهما، فتحولت إلى وبال على الدولتين معاً والى يومنا هذا، وكل ذلك تم ويتم وفقاً لعملية الهدم السياسي الخلاق وإعادة البناء المزعوم، ولكن في أوهام صانعي تلك السياسة وأذيالهم في المنطقة الذين يقفون اليوم وراء ما سيتمخض عنه لقاء جدة، وهذا ما راح إليه ذلك الحوار التليفزيوني الذي بثته قناة الغد المشرق مؤخراً للخبير القانوني الجنوبي د. عادل البكيلي الذي شرفت بالتعرف عليه في أكثر من فعالية ومحفل جنوبي، وهو ما تبقى لنا من زمن النوابغ الجنوبيين الذين ينبغي أن يصغى لهم جيداً عندما يتكلمون، ورغم أن كلام الأخ د. البكيلي جاء في معرض رده على سؤال القناة له عن موقع اليمنيين في الخارطة السياسية الإقليمية والعالمية القادمة..

إلا أنها كانت إجابة الخبير العارف بما يقول ويطرح؛ فأجاب كخبير قانوني عرك أكثر من محفل دولي بما معناه أن الوحدة اليمنية كانت مخططاً معد سلفاً للقضاء على الدولة في الجنوب لوقوعها ضمن المعسكر الاشتراكي، غير أن تلك الوحدة كانت فاشلة وأن الجنوب اليوم قد بلغ من النضج ليجعله يتحمل مسئولياته كاملة تجاه أمن وسلام المنطقة الموجود فيها.

لعل ما جاء في حديث الأخ البكيلي كثيراً من الواقعية السياسية التي ينبغي على الجنوبيين اليوم الأخذ بها وهم في خضم ما تتلاطم بنا من أخبار عن اتفاق جدة، الذي طال انتظارنا له ونحن في حالة أشبه بحالة "الحبيبة والحبيب" في الأفلام العربية، ويكون هو أو هي تمسك وردة ولسان كل واحد فيهما، وهو على حدة يردد في قلق وهو ينتف من الورد وريقاته ويقول: "تحبني.. لا.. مش يحبني، يحبني لا مش تحبني.. استقلال. لا مش استقلال!".. وهكذا حتى آخر وريقة.

ويبدو أننا منذ أعلن عن حوار جدة ونحن نعيش هذه الحالة الرومانسية المضطرمة في ذات تلك الحالة، وأننا سنكمل كل ما في حوزتنا من ورود وأزهار ونحن على ذات الحال، ولم تظهر بعد نتائج اتفاق جدة الذي وإن خرجت نرجو أن لا تكون شركاً جديداً للجنوبيين يمضون إليه كما مضوا إلى ما سبق من إفخاخ وإشراك، وأسوأها طبعا المغدور بها "الوحدة اليمنية".

الخلاصة: لنفهم كثيراً مما يدور حولنا؛ لابد من استخدام حدسك الداخلي لاستشعار أهمية هذا الحدث وموقعه ليس بالنسبة لي ولك كفرد أو حتى لنا كشعب جنوبي ووطن ولعلنا نحن وبعد كل هذه التجارب والمعاناة والضغوطات لا نخون أنفسنا وأهلنا وهذا الجنوب المستنفر من أقصاه إلى أقصاه.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى