هل تنهي ثورة لبنان الاغتصاب الطائفي للسلطة؟

> نُهى البدوي

> لم ينجح الرئيس اللبناني ميشال عون في إقناع المتظاهرين، ترك الساحات، في الخطاب المتلفز الذي ألقاها الخميس الماضي بعد مرور ثمانية أيام على انطلاق تظاهراتهم، وأبرز ما جاء فيه: "إن تغيير النظام لا يكون بالساحات بل بالمؤسسات الدستورية"، وأن الورقة الإصلاحية المقدمة من الحكومة ستعالج مطالبهم، وهو ما قوبل برفض المتظاهرين والتمسك بالبقاء في الساحات، كما لم ترهبهم محاولات الاستفزاز، التي يقوم بها مسلحون ينتمون لحزب الله، وبعض التيارات اللبنانية، لاستفزازهم في معظم المناطق والساحات اللبنانية التي تعج بالمظاهرات، بل زادهم صلابة، وتمسكا بمطالبهم، التي في مقدمتها إقالة الحكومة كاملاً، واتخاذ إجراءات ملموسة لمحاربة الفساد، وإنهاء التقاسم الطائفي للسلطة.. فهل ستنجح ثورتهم في هدم المقدس؟

كان متوقعا أن يصل الصمت اللبناني عن الفشل المقرون بالفساد، الذي أنتجته الدولة الدينية منذُ نهاية الحرب الأهلية قبل 30 عاما، إلى نقطة النهاية ليخرج الشعب اللبناني في 17 أكتوبر لكسر حائط التطرف الطائفي والتحرر من الارتهان لـ "ميليشيا حزب الله" الذي صنعها نظام المحاصصة الطائفية كدولة موازية لدولتهم، والتسبب في تآكل الدولة الوطنية اللبنانية.

لم تشهد لبنان من قبل مثل هكذا تظاهرات، تهتف بصوت ٍواحد "كلهن.. يعني كلهن"، لإسقاط الطبقة السياسية ونظام التقاسم الطائفي لمؤسسات الدولة، ما يعني أن الفساد لا يرتبط إلا بمرتكبيه بعيداً عن انتمائهم الطائفي والسياسي، ولم تكُن كسابقاتها التي خرجت عامي 2011 و2015، انتفض الكل هذه المرة وخرج يهتف للخلاص من الظلم الاجتماعي في مشهد ثورة حضارية أثار إعجاب العالم منطقية مطالبها وهتافاتها الموحدة الرافضة لاستمرار الفساد والواقع السياسي والاقتصادي، الذي جعل لبنان على قائمة مجموعة الدول الأعلى فسادا ليحتل مؤخرا المرتبة الثالثة عالميا في حجم الدين العام البالغ 85.3 مليار دولار عام 2019، وهو ما يعني أن الدين العام بلغ 151 % من إجمالي الناتج المحلي، ووصول مستوى الهشاشة للدولة اللبنانية إلى 70.8 %، لتصبح أفقر دولة بعد ما عرفت في السابق بـ "سويسرا الشرق".

اجتمع الفشل والفساد والفقر في لبنان ليدفع أبناءه، بكل طوائفهم البالغ عددها 18 طائفة، للخروج في حراك مدني حضاري، تخطى انتماءاتهم الطائفية، للتعبير عن قناعتهم بأنه آن الأوان للتحرر من الهيمنة الطائفية، التي بسببها تم مصادرة حقوقهم الديمقراطية وأراءهم السياسية في السنوات الماضية، وتوظيفها من قبل الطبقة السياسية لمصلحتها لممارسة الفساد تحت مظلة نظام ديمقراطي، تم تفصيله بمقاسات طائفية أوصلهم إلى هذا الوضع الكارثي، والمطالبة بالتخلص منه، وتحجيم التأثير السلبي للتطرف الطائفي على الإدارة السياسية والاقتصادية للدولة، وإقالة ومحاسبة الطبقة السياسية المتسببة في الوضع الاقتصادي الكارثي، الذي طالت تداعياته كل الطوائف اللبنانية.

اللافت مشاركة المرأة اللبنانية بوتيرة عالية، عكس دورها الريادي في قيادة التغيير، ما جعل الثورة اللبنانية تتميز عن بقية الثورات بالزخم الأنثوي المؤثر، والأجواء الفنية الحماسية، وأصوات الأناشيد الوطنية، والرقصات الشعبية، في ساحات الثورة لتشعل أخبارها وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.

مهما تكُن التحديات التي تواجه المتظاهرين، ومحاولات كسر حماس ثورتهم "المؤجلة" بأنصاف الحلول، إلا أن ذلك لن يعالج دوافعها وأسبابها ولن يفرغها من مضمونها أو يعطل مسار انطلاقتها، بعد كسرها حاجز الخوف وجدار التطرف الطائفي، وكسبها التعاطف الدولي مع مطالبها لإنهاء معاناة الشعب اللبناني، التي تتشابه كثيرا مع معاناة بقية الشعوب العربية، المنتظرة نفس الجرأة لدفع قطار ثوراتها "المؤجلة" للانطلاق لاقتلاع الأنظمة الفاسدة.

الكل يراقب ويتفاعل مع مطالب الثورة اللبنانية.. فهل ستستمر وتنهي الاغتصاب الطائفي للسلطة؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى