اتفاق جدة وحرق المراحل

> صالح علي الدويل

> حوار واتفاق جدة صممه التحالف ودول الثقل الدولي التي بيدها ملف الحرب بما يتوافق ونجاح وإنجاح مهمتها.. والذكاء السياسي أن تحصل على أقصى ما تستطيع في ظل حرب وتدويل ووصاية وفصل سابع ودول جاسرة قادرة، كانت هذه ظروف مباراة الانتقالي السياسية التفاوضية في حوار جدة.

بقدر ما هو لا تلبي كل أهدافنا فإنه يمثل صدعاً في جدار مشروعهم فهم لا يسمونه توقيعاً؛ بل وقيعة، وآخرون يسمونه مسمار النصوص عائمة، كنصوص آية اتفاقيات، وهي البداية الحقيقة لمشوار نضال جنوبي شاق وما وراء نصوصها يحتاج نخب سياسية جنوبية متمرسة تملك دهاء وجودة رأي وقدرة على أن تصرف عدوها عن مقصده بقدراتها السياسية أم الرفض فيحسنه أي واحد.

لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يعتقد أن مبادرة الحوار التي رعتها المملكة بين الانتقالي والشرعية كانت لاستعادة دولة الجنوب العربي أو جاءت حتى للاعتراف بالقضية الجنوبية، فما زال العالم والتحالف ملزماً شكلياً بالمرجعيات يعلم أنها لم تعد سقفاً للحلول، فمخارج حوار جدة لم تفرض في بنودها على الجنوب اليمن الاتحادي كما أن التوقيع مع الانتقالي الجنوبي هو اعتراف بصفته حاملاً لقضية جنوبية ليست بالمفهوم الذي قبل به "مكون ياسين مكاوي" في حوار صنعاء.

البعض يقول إن الانتقالي كان يملك سلطة أمر واقع وأنها أفضل مما حصل عليه في الحوار، لكن تلك السلطة في ظل الحرب وصلت إلى مرحلة تصادم مع التحالف، ولن يكون الانتقالي ولا قضية الجنوب منتصراً فيها، فسلطة الأمر الواقع للانتقالي كسلطة الأمر الواقع للحوثي في صنعاء، فقد ظلت في حالة تنازع وصراع مع قوى اليمننة في الشرعية التي حولتها إلى كابوس على عدن خاصة والجنوب عامة، فظل مسرح صراع إرادات منذ تحريره بين مشروع الاستقلال والشرعية اليمنية بكل نخبها وأحزابها وشرعيتها. هذا الصراع انعكس جنوباً بشكل صراع الكل يعرفه، وانعكس في الشمال جموداً في جبهات القتال ضد الانقلاب، فكان حوار أو فيتو التحالف والدول ذات الثقل هو البديل الذي يحفظ الجميع حتى تحقيق هدف التحالف، ومن ثم الوصول إلى مفاوضات الحل النهائي ما يعني أن مخرجات الحوار والمرجعيات لم تعد سقفاً للحل!.

إن الاتفاق من ألفه إلى يائه لم يتحدث عن الشمال وقوات الشمال؛ بل كان الحديث عن الجنوب وقوات الجنوب.
أشير إلى سحب القوات والألوية إلى جبهات الحوثي، والمعنى واضح؛ تخرج من الجنوب إلى الشمال، وتتولى الأمن في الجنوب القوات الأمنية والنخب والشرطة والنجدة والقوات الخاصة وقوات حماية المنشآت.. إلخ ستتخذ طابعاً رسمياً في مؤسسة جنوبية لن يدخلها عنصر شمالي.

وقوات الانتقالي ستظل تحتفظ بوحداتها وشخصيتها ولن يتم تفكيكها أو دمجها مع غيرها، والاتفاق واضح أنه إعادة تنظيمها وإعطاؤها الطابع الرسمي اسمياً تحت غطاء وزارة الدفاع أو الداخلية وفعلياً تحت إشراف التحالف!.
التأكيد على أن حماية المنشآت وطبعاً فيها النفط والغاز تحرسه قوات جنوبية خالصة. بموجب الاتفاق صار التحالف صاحب سيادة، وهذا لن يجعله سلاحاً بيد اليمننة أو الأخونة ضد الجنوب، وأن العلاقة مع التحالف في مدى الجدية ضد الحوثي.

المكاسب أن كل القوات المتحركة في الجنوب جنوبية ولا وجود في الاتفاق لسلطة البرلمان ولا له أي رقابة، وأخرجت التيار الوحدوي المتشدد الذي خلق الصدامات الأخيرة في عدن، وأخرجت الوجود العسكري الشمالي من الجنوب، وكذا دور الأحزاب اليمنية في الجنوب.
الاتفاق فيه مزايا ومداخل قانونية كثيرة لصالح الجنوب، وأعطى شرعية واعتراف قانوني دولي وإقليمي بالمجلس الانتقالي ممثل رسمي للقضية وقطع مشاريع التنصيب والتفريخ الذي ظلت اليمننة وطرفيتها من الجنوبيين تنتجه في كل استحقاق.

وهو لا يعني عدم التواصل معها لكن في إطار أنها شكل من أشكال منظمات العمل المدني والحقوقي والنسوي التي حدد مندوب الأمين العام أنها أشكال مجتمعية سيتم التواصل معها.

التعاون مع التحالف العربي أمسكه إخوان اليمن ومشاريع اليمننة الأخرى باسم الشرعية من اليوم لأنه لم يكن في الجنوب أي مكون سياسي أو قوة جنوبية متماسكة لا أثناء الحرب ولا بعد التحرير، كانت مقاومة قوية ولكنها غير مهيكلة، وأعادت نفس إنتاج خلاف واستحقاق مكونات الحراك، فسلم الجنوبيون انتصارهم العسكري، فاستثمرته اليمننة في الشرعية سياسياً ضد الجنوب، فكان الحوار فرصة للانتقالي لتصحيح المعادلة، فلو بقيت بيد الأعداء أو أعيدت لهم مرة أخرى فسيسحقون قضية الجنوب.

استعادة استقلال الجنوب تتطلب جهداً جنوبياً جنوبياً يتجاوز كل الخلافات مهما عظمت، وحواراً مع الكل حتى مع الأصوات التي تبدو نشازاً، ووضع الجنوب فوق الجميع لتكن أسس بنائه واضحة للجميع، فاستعادت الجنوب ليست مسؤولية الانتقالي فقط، ولن تتحقق بمكونات لا يهمها إلا "أين موقعي؟" الصراع مع اليمننة سيكون مضنياً وشاقاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى