ارتفاع تكاليف الزواج بأبين يفاقم مشكلة العنوسة ويوسع رقعة العزوبية

> تقرير/ عبدالله الظبي

> أحد الشباب: كثير من أولياء الأمور حوّلوا بناتهم إلى سلع للبيع
ظهرت في الآونة الأخيرة، لدى أبناء محافظة أبين، عادات وتقاليد تفوق قدرات المجتمع، لاسيما فيما يتعلق بالزواج ومتطلباته الكثيرة، وفي مقدمتها ارتفاع سعر المهر، والسكن ومستلزماته، في ظل تزايد معدلات البطالة وعدم مقدرة الشباب على استيفاء جميع الأشياء المطلوبة، الأمر الذي تسبب بتوسع رقعة العزوبية في أوساط الشباب.

وفي الوقت الذي ترى فيه بعض الأسر، وهي قليلة، بأن تخفيف تكاليف الزواج من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ترى الأخرى بأن في ارتفاع سعر المهر ضماناً لمستقبل بناتهم، وهو ما يؤدي إلى إغراق الشباب المتقدم للزواج في الديون والقروض ليتمكن من تأمين المهر وتكاليف الزواج.

أسباب متعددة
وأدت أسباب متعددة إلى تأخر سن الزواج لدى الكثير من الشباب والفتيات منها: ارتفاع تكاليف الزواج في المجتمع الأبيني خاصة والبلاد عامة وانخفاض العملة الوطنية أمام العملة الأجنبية، وكذا انتشار البطالة وتدني الرواتب مقابل غلاء الأسعار.

وعدّد المواطن عدني عوض علي باهادي أسباباً أخرى لهذه الظاهرة المجتمعية بالقول: "إلى جانب ما تمر به البلاد من أوضاع سيئة، هناك معوقات كثيرة تقف حائلاً أمام الشباب لتحقيق أحلامهم في الزواج وبناء مستقبلهم، تتمثل بارتفاع أسعار الذهب، وكذا الكماليات الخاصة بتجهيز العروس والتفاخر والتباهي من قبل أهل الفتاة في أشاء ثانوية، وما إلى ذلك من التكاليف التي يتكبدها الشباب رغماً عنهم".

وتمنى باهادي من أولياء الأمور التخلي عن الأشياء الثانوية، كالمجلس العربي والمكتبة والقاعة المكلفة والفنانة، حتى يجد الشباب سبيلاً إلى الزواج وتقل نسبة العنوسة.

عادات وتقاليد
من جانبه اعتبر الشباب مروان الشاطري، المغالاة في المهور من أبرز المشكلات التي يواجهها الشباب والفتيات على حد سواء، في الوقت الحاضر.
وأعاد جزء من المعضلة إلى بعض العادات والتقاليد القبلية والعرفية التي تثقل كاهل الراغبين بالتقدم للزواج، كـ (المغالاة في المهور).

وأضاف لـ«الأيام»: "عندما يتقدم شاب يُقال له زوجنا أختها بمبلغ ثلاثة ملايين، وهي ليست أسوأ من أختها!، فمن أين للشباب بثلاثة ملايين وسط هذا الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار وتضارب أسعار العملات، وأيضا تكاليف الزواج نفسه؟، إذ تشترط العديد من الأسر أموراً كثيرة، كأن يكون لديه منزلاً خاصاً منفصلاً وليس بالإيجار، وأن تكون الخطوبة في قاعة وحفلة الزفاف في قاعة أخرى، ومن الأسر من تشترط فنانة معينة يكون سعر أجرتها مرتفعاً جداً، بالإضافة إلى طقوس الزواج التي تشمل الذهب والشبكة والتسريحات والدخلة والصبيحة، وكل هذه الأمور يتم صرف مئات الألوف عليها، فعندما يفكر الشباب بكل هذه التكاليف يصاب بالإحباط الشديد ولا يجد من يساعده أو يعينه على إكمال نصف دينه وسعادته في وسط مجتمع محبط وسلبي".

وتابع قائلاً: "الناظر إلى حال معظم أولياء الأمور هذه الأيام يرى أنهم يبيعون بناتهم بيعاً، إلا من رحم ربك، لا يشترون رجالاً يحفظون كرامة بناتهم ويسعون لهم بالسعادة الزوجية، إذ يطلبون الملايين مقابل صداق بناتهم ويشترطون شروطاً أخرى قد تكون تعجيزية أيضاً كأن يكون موظفاً ولديه سيارة ولا يهمهم خلقه ودينه، ولا أظن أنهم لم يستمعوا إلى حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه..".

ويرى الشاطري بأنه يتوجب على السلطة المحلية إيجاد حل لهذه المشكلة، وهو أن تصدر تعمماً تحدد فيه مقدار المهر الذي يتناسب مع مقدرات الشباب المادية، كما دعا ائمة المساجد وجمعيات المجتمع المدني ومدراء المدراء المدارس تنفيذ حملات التوعية والتثقيف كلا في موقعه ومكانه بخصوص هذا القضية، متمنياً في السياق من أولياء الأمور أن يتقوا الله في بناتهم.

تجارة
وأكد الشاب، محمد شريهد، في حديثه لـ«الأيام»، بأن الزواج أصبح في هذه الأيام أشبه بالعملية التجارية من قبل أولياء الأمور.

وأضاف: "هناك من الآباء من يضع رقماً محدداً في المهر في حال تقدم الخاطب لابنته، وكأن ابنته سلعة في البقالة.. وبهذا أصبح المهر الذي كان لا يتجاوز الـ (500) ألف ريال، يتراوح ما بين مليون ومليوني ريال، لافتاً إلى أن "هناك جملة أخرى من المعوقات تقف أمام الشباب وتأخرهم من الزواج المبكر، منها: تكلفة بناء المنزل وعدم توفر فرص عمل، وهبوط الريال أمام العملات الأجنبية".

فيما قال الشاب أحمد محمد: "تنتج عن انتشار ظاهرة التأخر في الزواج أضرار كثيرة، ويساعد على انتشار الفساد بين الشباب والفتيات، خاصة في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تساعد على تسهيل التواصل ودخول الشيطان بينهم، خصوصاً إذا كانوا يشعرون بالوحدة في سن من المفترض أن يكونوا قد صنعوا أسرة وأطفالاً"، مضيفاً: "من وجهة نظري.. أولياء الأمور سبب في انتشار هذه الظاهرة نتيجة لرفعهم المهور بعذر غلاء الأسعار وارتفاع أسعار الذهب، وقلة التوظيف، الأمر الذي يدفع ثمنه الشباب والفتيات على حدٍ سواء، ولهذا لا حل لمشكلة العزوبية بين الشباب والعنوسة لدى الفتيات إلا في اتباع سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، الداعية لتسهيل عملية الزواج وتمكين الشباب منه وعدم الوقوف على معايير مادية جامدة، مؤكداً أن الدين الإسلامي ينظر من ناحية التيسير في كل الأمور.

وقال في حديثه لـ«الأيام»: "لا يوجد حد أعلى أو أدنى للمهور، وهناك ما يسمى مهر المثل وهو المهر الواجب للزوجة بحكم الواقع الاجتماعي. كما على الأهل أن يراعوا ظروف الشباب اليوم لضمانهم حقوق بناتهم المالية، فالمتطلبات كثيرة والظروف صعبة"، لافتاً إلى ضرورة التماس ظروف الآخرين وعدم التضييق على الخاطب، وداعياً إلى ضرورة العمل بمعيار "الدين والأخلاق" امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه"، دون الإخلال بحقوق المخطوبة المالية والاجتماعية.

ارتفاع سعر الذهب
بدورها قالت الإعلامية والناشطة، إبتسام سالم الناصر: "ارتفاع المهور بسبب ارتفاع سعر الذهب، أي أصبحت العملة الوطنية في الحضيض، فارتفاع الأسعار الجنونية، جعل الأهالي يضطرون لرفع مهر ابنتهم حتى تستطيع أن تغطي أغلب احتياجاتها من ملابس وعطور وذهب وتكاليف حفلة غسل الخ".

وأصافت لـ«الأيام»" قائلة: "تعد ظاهرة غلاء المهور من الظواهر التي أصبحت منتشرة ومتواجدة بقوة، وهذا سبب رئيسي لعزوف بعض الشباب عن الزواج نتيجة لارتفاع المهور وكذا الأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، كما أن ارتفاع المهور نتيجة متوقعة لارتفاع غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف المبالغ المطلوبة للزواج كالمهر الذي قد يصل أحياناً إلى مبالغ خيالية لا يقوى عليها الشباب في هذا الوضع الراهن"، مشيرة إلى إن "هناك أسباب أخرى تتمثل بطلب بعض أولياء الأمور من المتقدمين لخطبة بناتهم مبالغ لا يستطيعون دفعها. ومن خلال «الأيام»، نوجه رسالة إلى أولياء الأمور نتمنى منهم أن يترفقوا بالشباب، فليس المال كل شيء، كما ذكر الحديث الشريف (من جاءكم ترضون خلقه ودينه فزوجوه). ووفقاً لهذا الحديث لم يعد المال مطلب رئيسي، بل الخلق والدين والاستقامة، وللحد من هذه الظاهرة يجب أن تكون هناك حلولاً جذرية لها، حتى لا تكون سبباً في لجوء بعض الشباب إلى الانحراف بكافة أنواعه".

غلو ومبالغة
من جهته، علّق الشيخ خالد إبراهيم، مرشد عام بمكتب الأوقاف والإرشاد في المحافظة، بالقول: "قضية غلاء المهور موضوع حيوي وذو شأن، وذلك لكونه يتعلق بحياة الناس وطقوسهم، والإسلام دين سمح حنيف يدعو للتيسير ويذم التشدد والتنطّع والغلو، ومن ذلك أمر المهور وتيسيرها، ولهذا من المؤكد أن المغالاة في المهور تعد السبب الرئيسي لعزوف الشباب عن الزواج، فأغلب الشباب ظروفهم المعيشية صعبة، وقليلي ذات اليد ويصطدموا باشتراط ولي المرأة بمهر باهظ يقصم الظهور، فيصرفوا النظر وينزووا جانباً، مثخنين بالهموم والغموم.. وهناك من أولياء الأمور من يرجع السبب وراء رفعهم للمهور إلى تجهيز بنتهم، وما إلى ذلك من مبالغات التي ما أنزل الله بها من سلطان".

معوقات
بدوره قال مدير عام مكتب الأوقاف والإرشاد بأبين، الشيخ فهمي بابرادع: "في النكاح مصالح كثيرة والشرع رغّب وحث علي تيسيره وتسهيله لِما فيه من المصالح الدينية والدنيوية، ولكن في زماننا هذا طفت على الواقع معوقات للزواج ومنها رفع المهور، وجعلوها محلاً للمفاخرة والمتاجرة، لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر دون التفكير في عواقبها، ورسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إن أعظم النكاح بركه أيسره مؤنة"، رواه الإمام أحمد، وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا تغلوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوي في الآخرة كان أولى بها النبي صلي الله عليه وسلم".

وأضاف في تصريحه لـ«الأيام»: "الزواج قسمة ونصيب، ومنع المرأة من الزواج بكُفئها لمن تقدم بخطبتها مفسدة، قال صلي الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلّا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساداً كبيراً"، والأولياء الذين يمتنعون عن تزويج بناتهم بمن هو كفء لها ويعنسونهن، عليهم ثلاث جنايات: جناية الولي على نفسه بمعصية الله ورسوله، وجناية على المرأة، حيث منعها من كفئها وفوت عليها فرصة الزواج الذي هو عين مصلحتها، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياها. فنصيحة لأولياء الأمور أن يتقوا الله في بناتهم وأولادهم"، مؤكداً بأن النكاح سنة الله في خلقه، لقوله تعالى: "وخلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكتوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، ولهذا يتطلب التيسير لنفقات الزواج والمهور وقبول من هو على خلق ودين ومن سيحافظ علي الفتاه فزوجوه، وليس الحسب والنسب هو مقياس الزواج والمصاهرة، ومن هنا أتمنى من أولياء الأمور النظر لمصالح أولادهم وبناتهم فيما يرضي الله ورسوله، فالزواج قسمة ونصيب وتوفيق من الله، واتباعنا لتعاليم دينا الإسلامي الحنيف من شأنه أن يحد من مشكلة العنوسة بين الفتيات اللاتي أصبحن اليوم كثر نتيجة أسباب لا تمت للشرع ومنهاج السنة النبوية بصلة، ولهذا أتنمى أن يكون عام 2020 عام تيسير الزواج للشباب، فالأمة قائمة على التواد والتراحم والعمل بمقتضيات الشرع والسنة النبوية.

مفاسد
وأشار مدير عام مكتب الأوقاف والإرشاد بأبين، الشيخ فهمي بابرادع، إلى جملة من الأسباب التي أدت إلى عزوف الشباب عن الزواج أبرزها: غلاء المهور وتكاليف الزواج في ظل الظروف الاقتصادية، وكذا البطالة وقلة فرص العمل، بالإضافة إلى طلبات ولي أمر الزوجة، كل هذه التبعات حالت دون حلم الشباب، فضلاً عما يترتب عليها من مفاسد عظيمة منها ممارسة الفاحشة بين الرجال والنساء، لكون منع المشروع يفضي إلي غير المشروع، وكل شيء جاوز حده انقلب إلي ضده، ومع الأسف أولياء الأمور يغالون في مهور بناتهم، ونسوا أن المقصد من التزويج هو توفير قوامة الرجل للمرأة والمهر وسيلة لا غاية، والنبي صلي الله عليه وسلم قال: "التمس ولو خاتماً من حديد"، ولهذا يجب أن يكون المهر في حدود المعقول".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى