خيبة فبراير والتناقض بين حلفاء حرب 94م

> د. أحمد سنان

> كثيرون لا يزالون ينافحون على مختلف المنصات الإعلامية للبرهنة على أن فبراير 2011 قد جاء بما "لم يأت به الأوائل" لخدمة تطلعات الشعب.

أريد هُنا أن أتوقف قليلاً عند الإرهاصات التي قادت إلى فبراير، وإلى أين تم اقتياد هذا الفبراير بعد ذلك:

- هل فبراير ثورة واحدة؟

- هل فبراير جبهة واحدة؟

- ما العلاقة بين مفهومي الثورة والسلطة عند أصحاب فبراير؟
وصلت الأمور في البلاد إلى منتهاها في بداية عام 2011 وأصبح من المستحيل حل التناقض الصارخ بين حلفاء حرب 1994. لقد وصل هذا التحالف إلى مأزق حقيقي بين أطرافه المختلفة. فمن ناحية لقد كبر الأبناء الذين كانوا أطفالاً عند اندلاع حرب 94، لقد صاروا كباراً وبالتالي يطالبون بإعادة قسمة الثروة والسلطة وفقاً للواقع الجديد، لم يعد تقسيم ثروات البلاد وسلطتها يرضي هؤلاء.

وقد رأينا مثلاً حميد الأحمر من على شاشة الجزيرة وهو يتوعد الرئيس صالح مستقوياً بقبيلة حاشد والشيخ صادق وليس بمشروع الدولة.
يثبت التاريخ دائماً أن الدولة والقبيلة نقيضان لا يجتمعان إلا بخضوع الدولة للقبيلة، ذلك أن الدولة هي إطار أوسع وأرفع. هي فوق القبيلة والمنطقة وبالتالي لا توجد للقبيلة مصلحة معتبرة بوجود الدولة، لو لم يشرعن الحكام لذلك.

حتى أواخر القرن السادس الميلادي كانت اليابان قبائل متناثرة على الجزر اليابانية تحكمها العصبية ويحل العنف كل مشكلات المجتمع، فتسود القبيلة المنتصرة دائماً، ولم تشكل اليابان حتى ذلك الوقت رقماً في سوق الدولة.
كان "الساموراي" هو القانون هو الحاكم. ولو لم تستعن بالعلوم الصينية والكتابة الصينية وبعدها بالبعثات العلمية إلى أوروبا لما وجدناها لتنقل، لتصير إمبراطورية الشمس المشرقة، حتى كادت تهيمن على جزء كبير من العالم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فيما عرف بالعسكرية اليابانية.

ومرت الصين في تاريخها بفترة مشابهة أيام الممالك الثلاث (يان، تشاو، وي تشين).
أين اليابان وأين الصين، زالت القبيلة وتأصلت الدولة كرافعة للتقدم والازدهار.

اليوم لا توجد دولة قبلية متطورة ناهضة في مصاف الدولة المحترمة. هل منكم من يستطيع الإشارة إلى دولة واحدة متقدمة ومحترمة تحتكم للقانون والدستور تديرها قبيلة؟
لنحن فقط ومن في حكمنا بقينا أسارى لسطوة القبيلة التي حذر منها ابن خلدون في مقدمته.

إذاً، التناقض الذي فتك بنظام 17 و07 يوليو في الأساس هو عدم قدرة هذا النظام على الاستجابة لمطالب الصغار حين يكبرون، بل لم يكن يتوقع مطالب كهذه.

لقد حاول الشيخ عبدالله الأحمر وهو القطب الأكثر تأثيراً باعتباره شيخ الرئيس، حاول التخفيف من وقع الصدمة على رئيسه الذي وضعه هو على كرسي الرئاسة عندما انحاز في انتخابات 2006 ومعه الزنداني وطابور طويل من قيادات الإخوان إلى صف علي صالح ضداً على طيب الذكر المهندس فيصل بن شملان، وكان هذا هو التناقض الخفي الذي لم يفُصح عنه أي من الطرفين.

تم إلباس هذا التناقض ثوباً عاماً حتى لا يدرك الناس طبيعة الصراع المحتدم حول إعادة تقسيم النفوذ.

على أن ذلك ليس إلا سبباً واحداً، والسبب الأكثر تحفيزاً الذي دفع غالبية الناس للخروج هو حالة الجمود الاقتصادي الذي أصاب البلاد بدرجة رئيسية، فقد تراكمت مخزونات البطالة لسنوات متتالية، حتى أصبحت البلاد تحتاج عام 2008، حسب تقارير وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، إلى 180000 فرصة عمل لتلبية الطلب السنوي وتحتاج إلى 35000 فرصة إضافية سنوياً لتشغيل جزء من البطالة المتراكمة.

ولن نتحدث عن مخرجات التعليم للفترة من 1978 حتى 2010 لأن الشاهد عليها يأتي من أفغانستان إلى حرب التكفير إلى حوادث كثيرة.

وحالة الخدمات العامة هي نتيجة انشغال النظام بتطويع الناس لخدمته عبر الإفقار والهبات ودبر حالك. فالكهرباء والمياه لم تشهد أية مشاريع حقيقية منذُ منتصف الثمانينات، ونفس الأمر يمكن قوله على الصحة، حيث رأينا جميع المسؤولين قريباً يسافرون زرافات ووحدانا للعلاج في الخارج. ربما يكفي الاسترسال في هذا الجانب فهو بين حتى اليوم.

لقد وصلت القوى السياسية إلى طريق مسدود في خطابها حول مشروعها السياسي مع الشعب ومع النظام.
فالقوى التي أطلقت على نفسها اسم معارضة ظلت طوال 2009 تفاوض صالح على إشراكها بالسلطة مقابل كف خطابها الناري، وقد أعرب صالح حينها عن استعداده منح المعارضة 6 حقائب وزارية، لكن الطرف الأقوى فيها كان يصر على 8 حقائب، أربع له وأربع توزع على البقية.

عند هذه النقطة اتفق الطرفان على التمديد لفترة مجلس النواب لمدة سنتين لمرة واحدة فقط، على أمل أن يأتي عام 2011 وقد حسمت المفاوضات الأمر بين الجانبين.
ظل الجمود في مفاوضات الطرفين سائداً حتى العام 2011، ولم يحدث أي اختراق يذكر، يشي بتوصل الطرفين إلى صفقة سياسية بحيث تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقاً لها.

على أن الرئيس صالح قد نجح خلال هذه المدة من إقناع العديد من النواب بالموافقة على التمديد لولايته ولم تكن تلك الموافقة شفوية بل موقعة بمحضر رسمي، بل وتقديم تعديلات دستورية جديدة في يناير 2011 تلغي تحديد مدة ولاية الرئيس، حينها خرج علينا سلطان البركاني بمقولة "قلع العداد". الغريب في الأمر هنا أن الكثير من النواب الموقعين على التمديد صاروا فيما بعد يقدمون أنفسهم على أنهم رجال الثورة ومنظريها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى