بريطانيا والإخوان.. نصف دعم ونصف تجريم

> بهاء العوام*

> قبل أيام بحثت جلسة متواضعة الحضور في البرلمان البريطاني في سؤال واحد يدور في خلد الكثيرين داخل البلاد وخارجها منذ سنوات هو؛ لماذا لا تصنف لندن جماعة الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية؟
لا توجد إجابة رسمية على هذا التساؤل. ببساطة لأن العلاقة بين المملكة المتحدة وهذا التنظيم متشعبة وتمتد لعقود، وبالتالي لا يستطيع أحدهما التخلي عن الآخر، إن أراد ذلك طبعا، إلا عبر تمهيد وترتيب يمتد لسنوات ويأتي على مراحل.

علاقة بريطانيا والإخوان معقدة قليلا. ليست على ما يرام كما كانت في السابق، وخاصة قبل ولادة تنظيم داعش الإرهابي. لكنها أيضا لم تصل إلى مرحلة العداء والخصومة المباشرة. ما ألم بالبلاد خلال السنوات القليلة الماضية من إرهاب باسم الإسلام جعل لندن تعيد النظر بعلاقتها مع الجماعة. فتراجعت عن دعمها خطوة إلى الوراء، بعدما واجهت حقيقتين، خدعت بهما أو تجاهلتهما لعقود طويلة، ليست لندن فقط وإنما العديد من العواصم الغربية أيضا.

الحقيقة الأولى، هي أن فكر الإخوان يؤدي إلى التطرف. فهو ليس مجرد حالة من العزلة الفكرية يفرضها المسلم على نفسه كي يتحصن من ثقافتي السفور والإلحاد اللتين تنتشران في الغرب، أي العيش حالة من الدفاع الذهني عن نفسه، لا تتطور في يوم من الأيام إلى هجوم بالكلمة أو باليد أو السلاح. لقد تبين أن الأجيال التي أنتجتها الجماعة تفضل الهجوم على الدفاع. وهذا يعني محاربة ثقافة الغرب في سفورها وإلحادها و "رفضها للإسلام".

الإسلام السياسي الذي يمثله الإخوان هو الوجه الآخر للإسلام العنيف أو المتشدد، كما يصفه البعض. وهذا ليس رأيا شخصيا، وإنما خلاصة مراجعة حكومية لنشاط الإخوان في بريطانيا، أجريت في زمن رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون. وتقول إن الجماعة تحرض على العنف وأفكارها المتطرفة تشكل بوابة واسعة إلى التنظيمات الإرهابية. وترجمة هذا الكلام واقعيا هي أن جماعة الإخوان تنتج الإرهابيين الذين يقاتلون في القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها.

الحقيقة الثانية التي أدركها البريطانيون هي أن الإخوان لا يقودون المسلمين حول العالم. وكل الأوهام التي بنيت على أساس قدرة الجماعة على تعميم خطاب وسطي غير متشدد إزاء الغرب سقطت واندثرت. كذلك سقط الاعتقاد بقدرة الجماعة على ضبط مسارات التطرف الإسلامي، وجعلها تتحرك بعيدا عن المملكة المتحدة. وبالتالي لم يعد واقعيا القول بأن احتضان الإخوان يشكل حماية من الإرهاب، ويجعل الإرهابيين يتجنبون قتل وطعن البريطانيين.

كل الإجراءات التي شرع بها البريطانيون خلال السنوات الخمس الأخيرة من تطوير تشريعات وإجراءات مكافحة الإرهاب ومراقبة محتوى المناهج الدراسية في المدارس الإسلامية وتفحص الكتب التي يقرأها السجناء، وتصاغ منها الخطب في الجوامع والمساجد، إضافة إلى تتبع الأموال التي تأتي للجمعيات الإسلامية، أو تذهب منها لمشاريع خيرية، كلها بنيت على هاتين الحقيقتين، وكان الإخوان ضمن الجماعات المستهدفة فيها، إن لم تكن في صدارتها.

حظرت وزارة العدل في السجون كتبا لمرجعيات الإخوان مثل سيد قطب وحسن البنا. ومنعت الجهات الرقابية التعليمية مناهج دراسية تتبنى فكر الجماعة في تكفير المسيحيين. وبات خطاب جماعة الإخوان محاصرا في كل مكان، وكذلك أنشطتها المجتمعية والاقتصادية. ولم يتبقَ سوى وضع الجماعة على قوائم الإرهاب لأسباب يقول نواب في البرلمان إنها أكثر من كافية.

الشواهد على تطرف الإخوان في بريطانيا بعض ما يحاجج به دعاة حظر الإخوان في البرلمان البريطاني. هناك مبررات أخرى يستدعونها من خارج الحدود. فمنهم من يقول إن استهداف الإخوان للمسيحيين في بلاد الشرق، هو بحد ذاته سبب كاف لوضع الجماعة على قوائم الإرهاب. وهناك من يؤكد ويلفت الانتباه إلى تطبيق هاتفي يتبناه الإخوان، يدعو إلى استهداف المسيحيين حول العالم واستهداف المسلمين الذين ينضمون إلى الجيش البريطاني أيضا.

رغم كل هذه الأسباب ترفض الحكومات البريطانية المتعاقبة حظر جماعة الإخوان. ثمة سر تكثر حوله التكهنات وتربطه بالعلاقة التاريخية للجماعة مع الاستخبارات البريطانية. فكتب التاريخ تتحدث كثيرا حول العلاقة السرية بين لندن والجماعة منذ عشرينات القرن الماضي في مصر. مرت مئة عام منذ ذلك التاريخ، ولم نشهد طلاقا بين بريطانيا والإخوان. لكن حكومات المحافظين خلال الأعوام العشرة الأخيرة باتت تتعامل مع الجماعة بنصف دعم ونصف تجريم.

أما نصف الدعم فيبدو أنه لأغراض خارجية أكثر منها داخلية. فقد بات الإخوان في دائرة الشبهات، وجل ما يمكنهم تقديمه للحكومة البريطانية داخليا هو المساعدة في تعقب وحصر هؤلاء الذين نهلوا من فكرهم المتطرف، وينتظرون اللحظة المناسبة للتعبير عن قناعاتهم.
ويمكن أيضا تبرير الاكتفاء بنصف التجريم الذي تعامل حكومة لندن الجماعة به منذ سنوات، بأنه ثمن لهذا التعاون. وقد يكون بمثابة التمهيد لفك الارتباط التاريخي بين الطرفين بعد فترة من الزمن.

في عام 2015 قالت المراجعة البريطانية لنشاط الإخوان، إن الجماعة أصبحت كفكر وشبكة، نقطة عبور لأفراد وجماعات انخرطوا في العنف والإرهاب. وتقول بعض التقارير إن ما خفي من تلك المراجعة كان أعظم مما ذكر.
نقطة العبور التي تتحدث عنها المراجعة وضعت علاقة الإخوان مع المملكة المتحدة في مفترق طرق، أحدها ينتهي بقوائم الإرهاب البريطانية، رغم أن ذلك الطريق قد يكون طويلا بعض الشيء.

لكن أحد المطالبين بحظر الإخوان في مجلس العموم يقول إنه لن يتراجع حتى تصنف الجماعة كمنظمة إرهابية. وكأن لسان حاله يردد الجملة الشهيرة لأول رئيسة وزراء في تاريخ المملكة المتحدة مارغريت تاتشر "يمكنني أن أتحلى بصبر غير عادي، ما دمت سأحقق ما أريده في نهاية المطاف".

* "كاتب سوري - العرب اللندنية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى