خيبة فبراير.. الجنوب وصعدة.. مفتاح للسلام أم بركان للنار؟

> د. أحمد سنان

>  قلنا إن الرئيس صالح نجح خلال الفترة التي سبقت الوقت المحدد للدعوة للانتخابات بدفع ما لا يقل عن مائة وخمسين نائباً للتوقيع له بالتمديد، بينما لم تجن أحزاب المعارضة -المشترك على الخصوص- غير وثيقة "الإنقاذ الوطني" التي أعلنتها في نهاية ملتقى التشاور الوطني في مايو 2009، والذي اتضح فيما بعد أنها لم تكن أكثر من ورقة سياسية لابتزازه أكثر منها برنامج وطني للتغيير.

أوضاع جمة، دفعت الناس للخروج للشوارع مع اندلاع الربيع العربي في بداية 2011، فإلى جانب تردي الوضع الاقتصادي وهيمنة الفقر والبطالة، وسيادة الفساد والمحسوبية السياسية والجهوية في كل مؤسسات السلطة.
فقد كانت هناك القضية الجنوبية كذلك، التي تصاعدت وتائرها منذ ما بعد حرب 94، ونتذكر جيداً بداياتها وحتى2007 عندما أخذت تنتظم شيئاً فشيئاً على شكل حركة تقترب من درجة التنظيم، ولا نرى هنا حاجة للحديث عن عوامل ذلك، لأن مجرد ذكر حرب 94 ونتائجها يفسر كل شيء.

على امتداد بعيد في أقصى الشمال كانت تربض مشكلة صعدة مثقلة بالحروب الستة التي دارت دون أن تقود إلى نتيجة لصالح بناء الاستقرار، بل زادت من أزمة النظام العميقة.
بين القضية الجنوبية وحروب صعدة نشطت حروب صغيرة اختلفت ساحاتها ومقاصدها، بين قبائل وقبائل وبين تجار نافذين، تختلف الأسباب وتتعدد، لكن مصدر الإلهام واحد. وتمتد الحروب الجميع ضد الجميع.

بدورها، نشطت الجماعات الإرهابية التي تمت الاستعانة بها في حزب 94، في فراغات كثيرة تشكلت نتيجة الوضع الذي وجدت البلاد نفسها فيه. هذه الجماعات أخذت توسع دوائر وجودها كما لو أن المنطقة التي خصصت لها لم تعد كافية للتوسعات العددية والاحتياجات اللوجستية لتنفيذ خططها ومد نفوذها، وأكثر من ذلك أنها بدأت بالتوالد على شكل عناقيد متفرقة في عدة محافظات متجاورة تشمل البيضاء ومأرب وشبوة وأبين بصورة رئيسية.

وفي وسط الصراخ الحكومي المتزايد بنفي وجود إرهاب في البلاد جاءت الضربة الأمريكية في مأرب باصطياد أبو علي الحارثي وبعض مرافقيه عام 2002 في مأرب، في حرب مرخصة للدرون الأمريكية مستمرة حتى اليوم حيث تمت مؤخراً تصفية الريمي في 07 فبراير الحالي.
إذن، كانت القضية الجنوبية وصعدة وستبقيان إما مفتاحاً للسلام وإما بركاناً للنار، قضيتان غُيبتْ العقلانية عن التعاطي معهما عن عمد.

إلا أننا مع ذلك نستطيع الجزم بثقة أن القضية الجنوبية قد اخترقت مكوناتها من جميع الأطراف خاصة تلك التي كانت العامل الفعال في وجودها، بينما ظلت الحركة الحوثية عصية على الاختراق لامتلاكها مشروعها الواضح وأيديولوجيتها التي تحدد مسارها بصرامة إضافة إلى صرامة انضباطها مثلها مثل بقية الحركات المشابهة. لذلك ظل زمام أمرها بيدها في الوقت التي تختفي فيه بوصلة الجنوب والجنوبيين في لجة قاتمة متعددة النزاعات والانتماءات والتنظيرات.

العوامل المحلية التي ذكرناها لم تكن وحدها التي فعلت فعلها في تحريك الناس صوب فكرة التغيير، لأن الأمور كان لا بد لها أن تصل إلى تلك النقطة التي وصلتها عام 2011، بصرف النظر عن التوقيت، فالتوقيت عامل ثانوي في ظروف كهذه. إلا أنه لا يمكن بحال إهمال المتغيرات الدولية التي اجتاحت العالم والمنطقة.

أولاً: المتغيرات الهامة هي أن علاقات النظام بالفاعلين الدوليين والولايات المتحدة على وجه الخصوص لم تعد في أحسن حالها، الأمر الذي يعني أن فترة صلاحيته الأمريكية انتهت عملياً، فقد ذكرت هيلاري كلنتون ذلك في كتابها (خيارات صعبة) "كانت علاقة أمريكا بالرئيس صالح رمزاً للخيار المحير الذي تعانيه سياستنا في منطقة الشرق الأوسط كان فاسداً ومستبداً"، ويبدو أن هذا قد انعكس من وجهة نظرنا على علاقات النظام بمحيطهِ كذلك.

المتغير الثاني: أن الجارة السعودية نفسها بدأت تتغير من الداخل في اتجاه مختلف عما كانت عليه قبل عقد من ذلك.
المتغير الثالث: أن "طرفاً في الساحة العربية أكثر تنظيماً"، قد وجد نفسه فجأةً وبدون مؤشرات سابقة أن الغرب يتطلع إليها ليكون هو البديل المرتقب لبناء نظم جديدة بديلة لتلك التي قررت التخلي عنها، الأمر الذي دفعه للتنمر العنيف ضد بقية الأطراف، وهذا ما لوحظ بصورة جلية كثيراً خلال بداية الربيع العربي.

لقد فقد النظام مبررات بقائه داخلياً وخارجياً، هذه حقيقة يجب الإقرار بها بصرف النظر عن القناعات المتعصبة التي يفرضها الولاء الانتهازي المفرط. هناك فرق بين الولاء وبين الحاجة الموضوعية لإحداث التغيير الذي تحتاجه البلاد وتحتاجه حياة الناس.

ليس هناك من إمكانية لتغيير الواقع بالأدوات نفسها التي انتجت هذا الواقع، في هذه الظروف وتضافرها خرج الناس بحثاً عن أمل في حياةٍ أفضل.

في المقال القادم سنتحدث عن ثورات فبراير، وليست ثورة واحدة. لماذا تعددت الثورات والنظام واحد؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى