اليمن.. شلل سياسي وتفكك مجتمعي

> د. باسم المذحجي

> ليس سراً القول بأن الدولة في اليمن مفككة وشبه منهارة، وبانتظار أن تستعيد عافيتها، فالحوثيون يمارسون أسلوباً دعائياً مراوغاً يلبس لباس الدين ليشكل هوية، ومظلة، وعنوان. وهنا تكمن خطورته في القدرة على نشر معاول الهدم والتخريب، فالحوثيون يدجنون بيئة مقاتلين مغمورة بالجهل والانقياد الديني الأعمى، ويمارسون الفساد الذي ينسف كل مؤسسات الدولة الوطنية، وأصبح الصراع هو غاية وليس هدفاً. وفق فرز عنصري وسلالي، وكلها تنصب في سلة الاحتراب والتقتيل، ودوماً الخطط المليشياوية تبنى على تسعير الحرب الأهلية؛ لأن فكر المليشياوية قائم على حروب مستدامة وليس محدودة.

السيادة في اليمن لن تستعاد من دون تفكيك متدرج لمليشيات الحوثي، والدولة في اليمن عاجزة لوحدها عن التصدي للمليشيات رغم أنها بلا حاضنة، أي الحركة الحوثية، وذلك يعود لعوامل غياب الحسم. فكما يقول شارل ديغول: "من لا يستطيع أن يكسب الحرب لا يستطيع أن يكسب السلام".

سقط اليمن بفعل الشلل السياسي والتفكك المجتمعي بسبب المحاصصة في إدارة السلطة، وهو الذي عصف باليمن منذ 2011، ولو أدرك اليمنيون معنى وقيمة وقدر الدولة لما انكشفت لدينا جملة من الأسرار، فهناك أسرار دولة يراد لها البقاء في شكل مركزي كارثي، وهناك أسرار أحزاب تمارس أجندة عصابات بوليسية، بينما هناك أسرار أشخاص كشفت الأيام بأنهم يرضعون الارتزاق من قمة رأسهم حتى أخمص أقدامهم.

تثبت اليمن بأن أعلى درجات فنون الحرب لن تأتي بالقتال، ولكنها تأتي بالتخريب والتعييب والإتلاف ونشر الفرقة والشقاق، وتشويه كل ما هو يخدم بناء دولة ذات تنمية طرفية تقتل المركزية في مركزها المقدس.
أسرار صادمة نكشفها عن العقل اليمني الذي يصطنع عدواً وهمياً ليبرر فشله. ثم يستمر في تدوير الإرهاب والمليشياوية الطائفية، وبات مجمل المشهد اليمني يمهد لسيناريو يكتب بأنه من السخف الحديث عن الانشطار والتفكك في خضم معركة دولة وطنية هدفها مواجهة ذراع طهران في اليمن.

يبدو بأن المعركة في اليمن نقطة من أول السطر، فيها الكل يتدخل لمسار مصالحه الخاصة، وهكذا سرنا جميعاً في الطريق السريع إلى الهاوية وعندما تفشل الدولة في تحقيق سياسة اندماجية حقيقية تكون المحصلة إفساح المليشياوية لتصنع قرار الحرب ومسارات المعارك.

سقط اليمن بسبب تراجع الحرب في اليمن عن شرطين أساسين:

الأول: الوصول إلى العاصمة صنعاء.

الثاني: تحرير مدينة وموانئ الحديدة.

لذلك عندما تدار الأمور في غير صالح الدولة الوطنية ولصالح المشاريع الإقليمية تكون هكذا النهاية، وهذا ما أوصلنا إليه الربيع العربي في اليمن، وبالتالي دخلت اليمن مرحلة النهاية المغلقة وفيها الفساد والعنصرية والتخلف، تعصف بالكل على حساب الكل.

التاريخ سيدون بأن اليمن بلد سقط بسبب "الفوضى الخلاقة "، أي الحرية والإعلام، والشائعات قبل السلاح والقتل والحديد والنار. وهكذا يفهم الصراع في اليمن الذي أسقط فيه اليمن بأن توظيف المرتزقة جارٍ على قدم وساق منذ خمس سنوات لغير صالح دولة اليمن الوطنية، فكيف نعتب على الدول الأخرى أن تعمل لصالح نفسها وأجندتها، ونحن من خذلنا وخدعنا بعضنا ببعض.

ختاماً، هل سيكون بإمكاننا توحيد أنفسنا مجدداً من أجل أن يضُبط إيقاع الحرب لصالح دولة لامركزية بتنمية طرفية، أو في الحدود الدنيا ننجح في خلق مساحة جديدة للصراع تخدم أهدافنا وتربك حسابات أعدائنا؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى