كتب طب عربية عالجت الأوروبيين ودرّسوها في جامعاتهم

> عهد فاضل

> بدأت ترجمة كتب الطب العربية، إلى اللغة اللاتينية، منذ القرن الحادي عشر الميلادي. نظراً للمستوى الذي كان حققه الطب العربي والإسلامي، فوصلت شهرته إلى الغرب، مع وجود حاجة ماسة إلى معلومات طبية جديدة ومجرّبة، دفعت للمسارعة بنقل المؤلفات العربية عن الطب، إلى اللاتينية، لتترك أثرها العميق فيه، محافظة على مكانتها الأكاديمية كمقررات دراسية، في عدد من الجامعات الغربية، حتى القرن الثامن عشر الميلادي، خاصة في كتاب (القانون في الطب) لابن سينا، والذي نشر بأكثر من 60 صيغةً باللغة اللاتينية.

ويسود اعتقاد عند البعض، بأن تأثير كتب الطب العربي، تنحصر بالعصور الوسطى الأوروبية، فيما تؤكد السجلات الغربية أن (القانون في الطب) بقي مقرراً جامعياً حتى القرن 18، واعتمدته جامعة بولونيا، 500 سنة مقرراً دراسياً من القرن 13 حتى القرن 18 الميلادي، بعدما حذف من المقرر عام 1721م، ثم أعيد إلى منهج تدريس الجامعة عام 1737م.

أول الأطباء المتَرجمين
ويعتبر كتاب مسائل في الطب، للطبيب والمترجم من اليونانية، حنين بن إسحاق 194-260هـ، أول كتاب طبي تُرجم إلى اللاتينية، على يد قسطنطين الأفريقي المتوفى سنة 1087م، وتُرجم له كتاب "تركيب العين".

وكتب الطبيب إسحاق بن سليمان الإسرائيلي المتوفى تقريباً سنة 320هـ، وهي "الحميات" و "الأغذية"، و "كتاب البول". ويعرَّف الإسرائيلي في (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لابن أبي أصيبعة 600-668هـ، وهو بدوره أحد أهم المراجع العالمية بتاريخ الطب، وترجم إلى عدة لغات أوروبية، بأنه طبيب مصري الأصل وكان "مشهوراً بالحذق والمعرفة".

كتابه هو ابنه!
وكان متعلقاً وفخوراً بمؤلفاته إلى الدرجة التي اعتبر فيها كتابه "الحميات" ابنه! وكان يقول إن كتبه: "تحيي ذكره أكثر من الأولاد". وهو ما حصل بترجمة كتبه السابق ذكرُها إلى اللاتينية، ثم ترجم له "كتاب الحدود والرسوم".
أما الطبيب البغدادي الأصل، إسحق بن عمران، فكان مشهوراً بتركيب الأدوية وبتشخيص الأمراض، ترجم كتابه إلى اللاتينية والمعروف باسم "الماليخوليا" الذي يعتبره المصنفون العرب "لم يسبق إلى مثله"، وفي ترجمته العربية فله كتب طبية كثيرة.

وتُرجم للطبيب للمغاربي، ابن الجزّار، أحمد بن إبراهيم، من القرن الرابع الهجري، عدد كبير من مؤلفاته إلى اللاتينية، من مثل "زاد المسافر"، وهو كتاب في علاج الأمراض.
كما يأتي في ترجمته، وكتاب "الأدوية المفردة" وكتاب "المعدة" وكتاب "الجذام". وترجم للفيلسوف والطبيب المشهور العالم الكندي، يعقوب بن إسحاق المتوفى بالتقريب سنة 260هـ، كتاب "رسالة في معرفة قوى الأدوية المركبة".

الحاوي في الطب
وترجم كتاب (النوادر الطبية) للطبيب يوحنا بن ماسويه، المتوفى سنة 243هـ. وكتاب "التصريف لمن عجز عن التصنيف" لخلف بن عباس الزهراوي، ويعتبر أكثر مؤلفاته شهرةً، حتى بين المصنفين العرب، وكان الزهراوي طبيباً مشهوراً بتركيب الأدوية.
أشهر مؤلفات العالم والطبيب الرازي، محمد بن زكريا 251-313هـ، ترجمت إلى اللاتينية، من مثل كتابه "الحاوي في الطب" و "الكتاب المنصوري في الطب" و "تقسيم العلل" و "أوجاع المفاصل" و "المدخل إلى الطب" و "سر صناعة الطب".

في المقرر الجامعي حتى القرن 18م
أمّا الأشهر والملقب بالشيخ الرئيس ابن سينا، الحسين بن عبد الله المتوفى سنة 428هـ، والذي بقي يدرس في بعض مناهج كليات الطب الأوروبية حتى القرن الثامن عشر، ونال احترام وتقدير النخبة الثقافية والعلمية الغربية طيلة قرون، باعتباره ظاهرةً علميةً فريدة تركت أبلغ الأثر في علم الطب العالمي، فقد ترجم كتابه المشهور (القانون في الطب)، والذي يعتبر من أهم الكتب في الطب العربي، وفرض نفسه على المشتغلين بالطب عالمياً، بحسب ما ذكره المفكر محمد عابد الجابري في كتابه (الكليات في الطب)، الذي قال فيه إن كتاب ابن سينا، "تحول عائقاً معرفياً لم يتم اختراقه في المشرق إلا بعد قرنين"، بحسب كلامه.

وترجم لابن سينا، كتابه في "الأدوية القلبية" وكتابه الآخر المعروف بالأرجوزة في الطب.

الطب العربي لمواجهة الطاعون
أما الفيلسوف ابن رشد، 520-595هـ، فترجم مؤلفه (الكليات في الطب)، وترك أثراً طويلاً في الأكاديميات الغربية التي أول ما قرأته بعد ترجمته، باللاتينية التي حفظت مقدمته التي خطها المؤلف، والتي ضاعت من أصلها العربي، فتمت ترجمتها من اللاتينية إلى العربية، مرة أخرى!، بحسب ما ورد في طبعة الكتاب التي أشرف عليها المفكر محمد عابد الجابري.

ولدى انتشار الطاعون سنة 1348م في أوروبا، اعتمدت المؤلفات العربية الطبية، كمصدر رئيس للأطباء الغربيين، حتى إن وصف المرض وتحديد العلاج اعتمد على كتب طبية عربية، بحسب ما ذكرته الباحثة الفرنسية د. دانيال جاكار، في دراستها المنشورة بعنوان (تأثير الطب العربي خلال القرون الوسطى) في (موسوعة العلوم العربية)، والتي نشرت فيها أهم الكتب الطبية العربية التي تمت ترجمتها إلى اللاتينية.

ويشار إلى أن المصنف الطبي الذي كان من أندر وأهم الكتب، بحسب المحققين العرب، وهو "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة، انتقل بدوره إلى أكثر من لغة أوروبية، من نهاية القرن الثامن عشر، نظراً لكونه الأوحد بين أقرانه من المؤلفات، والتي تناولت تراجم الأطباء، منذ زمن الإغريق والرومان والهنود، حتى زمن المؤلف الذي توفى سنة 668هـ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى