كسر حلقة صراع متجدد في اليمن

> بروكسل «الأيام» عن مجموعة الازمات الدولية

>
نشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرًا عن مستجدات الأزمة اليمنية عبر موقعها الإلكتروني، تورده «الأيام» كما هو هنا:

لقد اندلع القتال مرة أخرى في اليمن بعد انقضاء واحد من أهدأ الشهور التي عرفتها الحرب. تُبرز المعارك على خطوط الجبهة الشمالية عيوب المقاربة المجزأة للتفاوض على إنهاء الحرب – والحاجة الملحة لجهود متضافرة متعددة المسارات.

نافذة الفرصة الضيقة لإنهاء حرب اليمن التي فُتحت في أواخر العام 2019 قد تكون في طريقها إلى الانغلاق وبسرعة. إذ يهدد القتال على خطوط رئيسية للجبهة في شمال اليمن، إضافة إلى الضربات الصاروخية التي يشنها المتمردون الحوثيون واستئناف عمليات القصف الجوي التي تقودها السعودية، بحرف الصراع نحو تصعيد كبير، وعكس الخطوات الأولية التي اتُّخذت نحو الحوار. لكن ما يزال هناك فرصة لكسر هذه الحلقة من خلال توسيع قنوات الاتصال التي فُتحت حديثاً بين المتمردين الحوثيين (الذين يطلقون على أنفسهم اسم ’أنصار الله‘) والسعودية بحيث تشمل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وأطراف أخرى من أجل التفاوض على هدنة على جميع الجبهات الرئيسية. إلا أن النجاح في ذلك المسعى سيتطلب جهوداً إقليمية ودولية مستمرة ومنسقة.

لقد كان الانتقال من الجمود وخفض التصعيد إلى حرب مستعرة مفاجئاً. ففي 18 يناير، وبعد شهر وصفه مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث بأنه أحد أهدأ الفترات التي شهدها الصراع، تدّعي الحكومة بأن الحوثيين أطلقوا صواريخ على أحد معسكراتها في محافظة مأرب (أما الحوثيون فيرفضون تأكيد مسؤوليتهم عن ذلك). وذُكر أن الضربة أدت إلى مقتل أكثر من مئة جندي في أحد أكثر مجريات الحرب دموية حتى الآن.

وقد حدث ذلك وسط معركة مستعرة على طول خطوط الجبهة التي كانت مجمّدة في الجوف، ونهم ومأرب بين حلفاء الحوثيين من جهة، والحكومة من جهة أخرى. أصبحت هذه المعارك أكثر شراسة بعد الضربة الصاروخية، حيث تكبد كلا الطرفان خسائر فادحة.

ومنذ ذلك الحين أطلق الحوثيون عدة صواريخ أخرى على منشآت عسكرية في مأرب. وبالمقابل، صعّدت السعودية من حملتها الجوية، فشنت عشرات الغارات فيما يجادل الحوثيون أنه انتهاك لهدنة مفترضة في العمليات عبر الحدود. المسؤولون السعوديون يصفون القتال بأنه محاولة حوثية لاستغلال مفاوضات وقف إطلاق النار عبر الحدود والجارية منذ أكتوبر. وحتى الآن، لا يرغب الحوثيون ولا السعوديون بالتخلي عن المحادثات، إلا أن عملية خفض التصعيد تتعرض لضغوط شديدة.

يُبرز القتال قصور المقاربة الإقليمية والدولية المتبناة حتى الآن لإنهاء الحرب. هذه المقاربة، التي اضطلعت فيها السعودية بدور قيادي في المسارات التفاوضية الرئيسية في الجنوب وعلى الحدود، كانت بمثابة عمليات إطفاء حرائق بقدر ما هي عمليات منع للصراع. تصارع الأمم المتحدة للمحافظة على اتفاق ستوكهولم الموقع منذ عام لمنع نشوب معركة للسيطرة على ميناء الحديدة على البحر الأحمر. في هذه الأثناء، تضغط السعودية على الحكومة وعلى المجلس الانفصالي الانتقالي الجنوبي لتعزيز اتفاق الرياض الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2019 والذي أنهى القتال للسيطرة على مدينة عدن الجنوبية. كان العديد من المراقبين، بمن فيهم مجموعة الأزمات، قد أملوا بأن الأطراف يمكن أن تدمج هذين المسارين المنفصلين إضافة إلى خفض التصعيد عبر الحدود بين السعوديين والحوثيين في عملية واحدة تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب.

ومن وجهة النظر هذه، فإن تحقيق التقدم في نزع السلاح في الحديدة من شأنه بناء الثقة بين الأطراف اليمنية؛ ومن شأن اتفاق الرياض أن يمنع نشوب حرب داخل حرب وأن يهيئ الأساس لتشكيل حكومة أكثر تمثيلاً؛ وأن المحادثات السعودية – الحوثية ستساعد في إبعاد اليمن عن صراع القوى الإقليمي بين الولايات المتحدة وحلفائها، من جهة، وإيران، من جهة أخرى.

إلا أنه، وكما تشير الأحداث الأخيرة، فإن المقاربة المجزأة تقوم في الأصل على أساسات ضعيفة؛ أي سلسلة من الاتفاقات الثنائية المصممة لوقف أجزاء محددة من الصراع دون معالجة أسبابها الكامنة، وهو أمر من شأن محادثات متعددة الأطراف على المستوى الوطني فقط أن تحققه. إن ما تُرك دون معالجة كان القتال بين القوى المتحالفة مع الحكومة والحوثيين على جبهات في الشمال والجنوب، ما يجعل من نجاح المقاربة أو فشلها هشاً أمام الأحداث الجارية على الأرض. أما سبب التصعيد المفاجئ في الشمال فهو موضع جدل، حيث يدّعي كل من الحوثيون والحكومة اتخاذ إجراءات دفاعية رداً على عدوان متعمَّد من قبل خصومهم. وفي سياق شرحهم لأنشطتهم العسكرية الموسعة يشير الحوثيون إلى سلسلة من الضربات الجوية والهجمات الأرضية السعودية المزعومة والتي يقولون إنها حدثت قبل الضربة الصاروخية التي تم توجيهها في 18 يناير. وتقول الحكومة إن الحوثيين كانوا قد أطلقوا سلسلة من الغارات محدودة النطاق على مواقع استراتيجية طوال شهر كانون الثاني/يناير، بما في ذلك على الطرق السريعة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة قبل الضربة على مأرب. ما أشعل فتيل القتال قد يكون في الواقع نزاع محلي على إحدى نقاط التفتيش في محافظة الجوف في مطلع الشهر توسع تدريجياً وخرج عن نطاق السيطرة.

بصرف النظر، من الواضح أن كلا الطرفين كانا يحضّران لتجديد الأعمال القتالية في الشمال بعد فترة طويلة من التوقف. حيث ادعى كل من الحوثيين والحكومة بأن خصومهم كانوا يخططون لعمليات جديدة في الأسابيع والأشهر التي سبقت التصعيد. وقد تكون مخاوف الحوثيين ازدادت في الأسابيع الأخيرة مع قيام القوات الحكومية التي كانت متمركزة سابقاً في جنوب اليمن بإعادة الانتشار إلى مأرب كجزء من اتفاق الرياض. سيكون للقتال في الشمال آثار وتداعيات على جميع مسارات المفاوضات الجارية. صحيح أن المحادثات بين السعوديين والحوثيين مستمرة لكنها متوترة؛ حيث يمكن المجادلة بأن الصقور في كلا المعسكرين قد حصدوا بعض الزخم؛ واقتربوا من وقف وإفشال المحادثات في عدة مناسبات. كما تعرض اتفاق الرياض أيضاً للضغوط منذ الضربة الصاروخية في 18 كانون الثاني/يناير، لأن رفض الحوثيين تحمُّل المسؤولية عنها يشجع التكهنات حول الجهة التي شنتها.

لقد نشرت المواقع الإخبارية ووسائط التواصل الاجتماعي الموالية للحكومة شائعة من غير المرجح أن تكون صحيحة مفادها أن الإمارات العربية المتحدة أو المجلس الانتقالي الجنوبي - المجموعة الانفصالية المتحالفة مع أبو ظبي - شنت الضربة الصاروخية. ويلاحظ عدد من المسؤولين الحكوميين أن الإمارات العربية المتحدة سحبت نظام الدفاع الصاروخي باتريوت من مأرب في أواسط العام 2019، وتركت المنطقة عرضة لهجمات الصواريخ الحوثية قصيرة المدى. كما استخدمت وسائل الإعلام الموالية للحكومة القتال في الشمال كفرصة لتوجيه الانتقادات لاتفاق ستوكهولم، الذي يرون فيه مأزقاً مصطنعاً مفروضاً من الخارج.

وقد هددت الحكومة علناً بالانسحاب من الاتفاق. كما أن تجديد التركيز على اتفاق ستوكهولم مدفوع جزئياً بهواجس من أن السعودية والأمم المتحدة باتتا قريبتين من التفاوض على هدنة في الشمال في وقت يبقى فيه الحوثيون مهيمنين على الأرض، لكنه ينذر أيضاً بتجدد الأعمال القتالية على طول ساحل البحر الأحمر. عند وقت كتابة هذا التحذير، بدا أن الحوثيين يحققون أكبر مكاسبهم في ميدان المعركة، حيث ذُكر أنهم يسيطرون على جبهة نهم المهمة شمال شرق صنعاء بعد عدة أيام من إعلان كلا الطرفين عن سلسلة من الانتصارات الرمزية إلى حد كبير بينما تعرضا لسقوط عدد كبير من القتلى. وفي علامة على عمق الإحباط والإرهاق في أوساط المدنيين العاديين، تحولت الانتقادات العامة إلى الداخل؛ حيث انتقد الحلفاء القبليين للحوثيين المتمردين بسبب الكلفة المرتفعة لمعارك من المرجح ألا تكون حاسمة، في حين توجه أنصار الحكومة أيضاً بالانتقادات إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي لإخفاقه في تحقيق نصر ميداني على الحوثيين. كما تُحمّل بعض الأصوات في الكتلة المعادية للحوثيين السعودية المسؤولية بسبب عدم تقديمها الدعم الكافي فيما يعتقدون أنه نقطة تحول محتملة في الحرب.

يمكن للقتال أن يشعل فتيل صراع متجدد في مناطق أخرى في اليمن. كثيرون في الكتلة المعادية للحوثيين يرون في هذا فرصة لمعالجة قضايا لم يتم حسمها بعد. حيث تقول الرواية واسعة الانتشار في صفوفهم أن اتفاق ستوكهولم عرقل انطلاق معركة حاسمة كان من شأنها إضعاف الحوثيين والسماح بالتوصل إلى تسوية سياسية وطنية بشروط أكثر إنصافاً. ومع استعار القتال أصلاً في الشمال وفي محافظة الضالع الجنوبية، فإن كثيرين في المعسكر المعادي للحوثيين يعتقدون أن بوسعهم إطلاق اندفاعة جديدة للسيطرة على الحديدة وإعادة إشعال المعارك على طول الحدود في حملة استثنائية ومنسقة ومتعددة الجبهات. ويعتقد كثير من الحوثيين بأن هذه المعركة كانت الهدف الحقيقي وراء اتفاق الرياض طوال الوقت. في هذه الأثناء، فإن الصقور في المعسكر الحوثي يبدون متشوقين لاحتمال نشوب مواجهة على مستوى البلاد، كما بدت عليه الحال عند كتابة هذا التحذير، خصوصاً إذا خرجوا منتصرين في أحدث جولات القتال. إن توسيع رقعة الصراع سيشكل ضربة مدمرة للجهود المبذولة حالياً لإنهاء الحرب.

في الواقع فإن كبار المسؤولين الحوثيين وضعوا سمعتهم على المحك بمبادرتهم لخفض التصعيد مع السعودية ومن المرجح أن يخسروا جزءاً كبيراً من رصيدهم داخل الحركة إذا فشلت تلك المبادرة. لقد كان السعوديون والقادة العسكريون  الحوثيون في الواقع متشككين أصلاً في محاولة خفض التصعيد وقد يقررون أن الخيار الوحيد بات الآن النصر العسكري الحاسم. إضافة إلى ذلك، فإن التطورات في الصراع الأميركي – الإيراني قد تكون الحافز وراء قرار الرياض بالتفاوض مع الحوثيين، بعد هجوم صاروخي على منشآت حيوية لإنتاج النفط في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه لكنه يعزى على نطاق واسع لإيران. يمكن المجادلة بأن الرياض، التي تخشى اندلاع حرب إقليمية لا يكون الدعم الأميركي مضموناً فيها، سعت للحد من المخاطر على حدودها الجنوبية وذلك بخفض التصعيد مع الحوثيين والسعي إلى دق إسفين بينهم وبين إيران. لكن من المرجح أن يكون المسؤولون السعوديون قد أعادوا تقييم هذه المقاربة (أو على الأقل أبطؤوا سرعتها) بعد حدوث الاضطرابات في إيران، وخروج مظاهرات كبيرة جداً في العراق ولبنان، وقيام الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليماني، مهندس استراتيجية الحرب غير المتكافئة في إيران، في مطلع يناير.

إن تصاعد حدة العنف مقلق جداً، إلا أن الأطراف الداعمة للمسار السياسي قد تكون ما تزال قادرة على عكس المسار الراهن. ومجموعة الأزمات توصي باتباع الخطوات الآتية:

ينبغي على مجلس الأمن أن يطلق أيضاً نفس الدعوة التي أطلقها مبعوث الأمم المتحدة غريفيث إلى خفض التصعيد، وأن يحث على التوصل إلى هدنة على جميع الجبهات، أو اتخاذ خطوات أقوى للتوصل إلى وقف إطلاق للنار على مستوى البلاد، والتأكيد على نقطة أن الحل الوحيد لحرب اليمن هو حل سياسي.

ينبغي على الولايات المتحدة بشكل خاص أن تضغط على السعودية وأن تقوم الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي وعُمان بالضغط على الحوثيين للاستمرار في المحادثات، والمحافظة على الهدنة عبر الحدود وتنفيذ المزيد من الإجراءات الثنائية لخفض التصعيد. بموازاة ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة والأمم المتحدة تشجيع السعودية على إحضار الحكومة اليمنية وحلفائها إلى طاولة المفاوضات مع الحوثيين.

 ينبغي على الأمم المتحدة أن تقود عملية تشكيل هيئة عسكرية وطنية، تتكون من كبار الممثلين العسكريين من الحكومة، والتيار الحوثي، والضباط الرئيسيين على خطوط الجبهة الرئيسية (حيث إن بعض القادة المعادين للحوثيين، مثل طارق صالح، على ساحل البحر الأحمر لا يخضعون مباشرة لسلطة الحكومة) والسعودية، بإشراف من الأمم المتحدة وبمشورة من الخبراء الدوليين العاملين على التخطيط لوقف إطلاق النار. وتوكل إلى هذه الهيئة مهمة تخطيط وتنفيذ الهدنات على خطوط الجبهة وإعادة فتح الطرقات الرئيسية. ويمكن أن تشمل عمليات تنسيق سياسية قادرة على نقل المقترحات مباشرة لقادتهم.

 سيكون الدعم الدولي والإقليمي وكذلك التنسيق لمثل هذه المبادرة جوهرياً. لقد دعت مجموعة الأزمات في الماضي إلى تشكيل مجموعة اتصال تتكون من معنيين إقليميين ودوليين رئيسيين تشمل السعودية، والإمارات، والكويت وعُمان، إضافة إلى الولايات المتحدة، وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. ويمكن لهذه المجموعة أن تجتمع بشكل منتظم وأن تقسم العمل بين أعضائها من أجل التواصل، والضغط وتقديم الخبرة الفنية، بتوجيه من مبعوث الأمم المتحدة. وينبغي أن يعقد اجتماع لهذه المجموعة في أقرب وقت ممكن، وأن تجعل تشكيل هيئة عسكرية مهمتها الفورية.

أما السيناريو الراهن فهو مألوف بشكل يثير القلق؛ أي تحقيق تقدم متواضع نحو تسوية سياسية يتم تقويضه بالمعارك المحلية والذي ينفجر إلى تصعيد على مستوى البلاد مدفوع بالإفراط بالثقة أو الخطأ في الحسابات من قبل الأطراف الرئيسية. ما يزال هناك وقت لوقف هذا الانزلاق الخطير، لكن هذا الوقت قد ينفد بسرعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى