الشهيد الحاج طالب أبوبكر السقاف .. أي سراج انطفأ؟!

> د. هشام محسن السقاف

> في صباح السبت 19 من مارس 2016م، أقدم مسلحان مجهولان على متن دراجة نارية على اغتيال السفير الحاج طالب أبوبكر السقاف، أثناء عودته من حوطة لحج إلى بيته في الوهط، فأي سراج قد أطفأت رصاصات الغدر هذه!، وهل كان صبية القتل يعلمون من هو الحاج طالب أبوبكر، الشيخ السبعيني العامر بحب الناس في لحج؛ حوطتها المحروسة وتبن الخير والسقيا؟!.

كان هذا القتل تراجيدياً تصل إلى ذرى المأساة الفاجعة، وكان بالفعل سبتاً قد خيّم بظلاله السوداء على كل المرابع، في الوهط والحوطة وتبن. فالحاج طالب قطب الرحى الجامع للناس من حوله تشخص إليه الأبصار في المسرة والمكره؛ لأنه الرجل الذي يستطيع أن يجمع فرقاء الرأي من بني قومه على كلمة سواء.

عندما بعث نظام صنعاء الحرب العدوانية على الجنوب عام 1994م، وعشيتها تحديداً، والاحتقان ملئ النفوس والصدور جمع الشهيد البطل الحاج طالب أبناء الوهط، وعكف أياماً يحاورهم ويشاورهم بكثير من الحكمة وكثير جداً من الصبر ليتوصل الجميع من التنظيمات السياسية المختلفة (الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي والإصلاح والرابطة وجبهة التحرير ..إلخ) إلى وثيقة وقع عليها الجميع لتجنيب الوهط تبعات أي صراع، وأن يلتزم الجميع بعدم التعرض لبعضهم بعضاً في حال النصر أو الهزيمة، وأن تكون الوهط؛ كما أرادها الحاج طالب، كـ (بيت أبي سفيان) "من دخلها كان آمنا".

والوثيقة محفوظة في حنايا قلوبنا المحبة للحاج طالب كبقية باقية من ذكراه العطرة.

ولد الحاج طالب، على الأرجح، في العام 1944م، بعد وفاة والده بشهر، وكان واحداً من الجيل الذهبي الذي تلقى تعليمه في مدرسة الوهط الجعفرية، منتصف الخمسينيات من القرن الماضي على عهد أستاذ التوعية الوطنية والقومية العربية ابن مصر عبدالناصر (عزت مصطفى منصور)، مرافقاً ومزاملاً لكل من: أحمد سالم عبيد ومحمد عيدروس يحيى وعبدالرحمن البصري وطه زين أبوبكر وأحمد سالم معدان ومحمد صالح حمدون ومحمد فضل، وآخرين لا أتذكر أسماءهم الآن، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

ولاشك أن أبا فكري (الحاج طالب) قد تشرب مبادئ العمل الوطني في هذه الفترة مثله مثل زملائه وأصبح واحداً من طلائع العمل الثوري أثناء الثورة وحتى الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر عام 1967م، وكان الحاج حاضراً في المشهدين السياسي والإداري وفي صميم الحراك الاجتماعي والثقافي، نتذكر بعضاً من رفاقه وأصحابه وزملائه ومحبيه: عمر الجاوي وعوض محمد جعفر وأحمد سالم عبيد و محمد عيدروس يحيى وعبدالرحمن الجفري وعلي ناصر محمد وعائش عوض سعيد وفارس وتيح وعبدالرحمن البصري وعبدالله علي الجفري وأحمد محمد السقاف وعلي أحمد السلامي وحسين فرحان ويوسف علي بن علي ومسرور مبروك وحمود نعمان وحسن علي حسن السقاف وأحمد صالح عيسى ومحمد وعلي مهدي محلتي وعائش الدوح، والقائمة طويلة لن نستطيع أن نلم بها الآن.

تدرج الحاج طالب أبوبكر في الوظيفة العامة من التربية والتعليم ومؤسسة المياه وصولاً إلى السلك الدبلوماسي، حيث تبوأ درجة سفير وشغل منصب القنصل العام لبلادنا في جدة، في منتصف الثمانينات الماضية، وظل يتمتع بشبكة علاقات واسعة مع رجالات العمل السياسي والثقافي في داخل الوطن وخارجه.
لكن الحاج ظل مشدوداً بعلائق الود التي لا تنتهي بالوهط (موئله) المفرد وصاحبة الحظوة لديه، مفضلاً البقاء فيها على ما عداها.

في حرب العام 1994م والقذائف تنهمر على الوهط، ظل في الوهط ملازماً للقائد المهاب البطل، أحمد سالم عبيد، ونجيا من الموت بأعجوبة حين استهدف بيته بالقصف. وفي الحرب العدوانية في العام 2015م بقي في سكناه (الوهط) رغم الظروف القاسية التي قد لا يتحملها رجل في مثل عمره ولا يخلو من أمراض.

وبعد الحرب زاول عمل الزراعة التي يعشقها الحاج السفير طالب أبوبكر، كما كان يفعل منذ تقاعده من العمل الدبلوماسي وظل موزعاً وقته بين مزرعته على تخوم الحوطة المحروسة وبيته في الوهط وتردده على المنتديات الأدبية في بيوت أصدقائه الأديب الأستاذ عمر لارضي وخالد حسن علي السقاف (الجرمل) ومنزل المناضل عائش عوض سعيد بحضور اللواء الركن المناضل أحمد سالم عبيد.

عندما اجتمعنا في الجمعة الأخيرة أفرحني وجوده في بيت العقربي عائش عوض سعيد، وقد حضر باكراً، بتلك الهيئة الجميلة واللباس الأنيق، وبدأت اتراشق معه الكلمات في نسق من الحب الرقيق. بدأ بالقول:
- سوف أثابر على الحضور معكم هنا كل جمعة.

قلت له مداعباً لا معاتباً: بلغني أنك تتحدث عن جوانب من أسرار حياة الشاعر مسرور مبروك وأشعاره غير المنشورة، فأجاب: نعم.
قلت له: لماذا لم تكن تتحدث في منتدانا قبل الحرب (تدمر المنتدى في الحرب) رغم حضورك الدائم.

قال: لا يجتمع سيفان في جراب واحد.
عندما نهضت مغادراً قبيل المغرب كعادتي التفت إليّ مستغرباً: بدري يا دكتور!.

رددت عليه وأنا اتطلع إليه: من عمرك يا حاج. وغادرت، وفي المساء قرأت منه رسالة بالواتس أب كانت هي آخر ما أرسل من جواله، تلك الليلة، ليفجعنا خبر استشهاده صبيحة اليوم التالي السبت 19 من مارس 2016م.

رحم الله أبا فكري ومحمد وإلى جنة الفردوس بإذن الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى