بعد هدنة التحالف.. ما هو مستقبل اليمن في ضوء جائحة كورونا؟

> د. محمد مجاهد الزيات وأحمد عليبة

> بادر تحالف دعم الشرعية في اليمن بإعلان هدنة من طرف واحد بدأها الخميس 9 أبريل ولمدة أسبوعين، في استجابة لدعوات الأمم المتحدة لتوجيه الجهود لمواجهة تفشي جائحة كورونا في البلاد، كما تهدف إلى إعطاء فرصة جديدة للتهيئة للعودة لطاولة المفاوضات بهدف تسوية الأزمة في البلاد. كما اقترنت المبادرة السعودية بتقديم حزمة مساعدات مالية. وبالتالي تكون السعودية أول دولة تسجل دعمًا ماليًّا لليمن في الوقت الذي انسحبت فيه جهات مانحة وهيئات تمويل، منها: الأمم المتحدة، والوكالة الأمريكية للمساعدات. ورحبت الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية والعربية بمبادرة التحالف. وأصدرت معظم تلك الأطراف بيانات دعت فيها اليمنيين إلى انتهاز الفرصة للتعاون مع البعثة الأممية من أجل تسوية الصراع.

هل تُشكّل المبادرة فرصة لإنهاء الصراع؟
أظهرت نتائج الحرب في اليمن عددًا من المؤشرات المهمة، منها صعوبة تحقيق خيارات الأطراف، وصعوبات الحسم العسكري من جانب أي طرف، في ظل الخبرة التاريخية للصراعات اليمنية، والتشابكات المعقدة في الصراع "الاستثنائي" الحالي. واقعيًّا، تُظهر خريطة الصراع أن الميليشيا الحوثية لا تزال لديها القدرة على التمدد، ربما لا يعود ذلك بالدرجة الأولى لقدراتها أو الميزان العسكري، ولكن ربما لإشكاليات أخرى في جبهة الشرعية والتحالف. وفي المقابل، من غير المتصور أن قيادة التحالف ستقبل بفرض تلك النتائج كمحصلة نهائية. لكن الأهم من هذه السرديات هو حجم التهديد الحالي الخاص بالأزمة اليمنية، والذي أصبح "تهديدًا مركبًا" في ظل حاصل النتائج الكارثية للحرب وتداعياتها الشاملة على البلاد من جهة، وتسجيل المصاب رقم (1) في اليمن بفيروس كورونا المستجد، والذي يُعتقد أنه سيجتاح البلاد في ظل منظومة طبية هشة (95 % من المنظومة خارج نطاق الخدمة وفق التقديرات اليمنية). وبالتالي يمكن القول إن المبادرة قد تشكل فرصة لدى كافة الأطراف لإعادة تقييم هذا الوضع، لا سيما وأنها تأتي في ظل تقاطع أكثر من مسار ملفت، منها مسار نتائج الحرب بعد خمس سنوات، ومسار عاصفة جائحة "كورونا".

مدى الاستجابة للمبادرة
سياسيًّا، عكست تصريحات الميليشيا الحوثية عدم القبول بالمبادرة السعودية على النحو الذي طُرحت به، فقد طالب "محمد علي الحوثي"، أحد أبرز القيادات الحوثية، قيادة التحالف بما أسماه "الحلول الشاملة" التي سبق وعرضتها الميليشيا. وأشار إلى أنه قدّم رؤية حركته للمبعوث الأممي "مارتن جريفيثس"، على أن ينقلها للطرف الآخر (التحالف)، معتبرًا أن "الطرف الآخر يفهم دائمًا أن ما نقدمه يأتي من موقف ضعف فيذهب للتصعيد". وأشار إلى أن الرياض تتحمل مسئولية "الحصار" على حد قوله. وفي المقابل، هناك عدد من الملاحظات المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار. من ناحية، فإن الميليشيا الحوثية سبق أن طلبت "هدنة" بوقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، دون أن تبدي نفس الشروط، حيث كانت قد طلبت فتح مطار صنعاء للمساعدات الإنسانية. في المقابل، أعلن الأمير "خالد بن سلمان" أن المطار سيُفتح للمساعدات الإنسانية، كما أعلن تقديم دعم مالي قيمته 525 مليون دولار، منها 500 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لليمن للعام الحالي، و25 مليون دولار إضافية لمكافحة انتشار جائحة كورونا. وبالتالي، فإن الميليشيا الحوثية تتحدث في اتجاه العودة لعملية التسوية بشروطها دون الوضع في الاعتبار الظروف الخاصة بجائحة "كورونا" كعامل ضاغط على كل الأطراف في المرحلة الحالية.

ميدانيًّا، لم تتراجع حالة التصعيد العسكرية على كافة الجبهات، فاختبار اليوم الأول للهدنة، بل الساعات الأولى، لم تؤكد أن هناك استجابة لوقف إطلاق النار، حيث تبادلت الأطراف الاتهامات بانتهاك وقف النار. وعلى الرغم من أن الميليشيا الحوثية لم تُبدِ موافقة صريحة على الهدنة، لكنها استدعتها في بياناتها العسكرية من خلال إشارتها إلى أن قوات الجيش الوطني شنت هجمات عليها في الحديدة (29 قذيفة مدفعية وصاروخية، 161 قذيفة وصاروخًا من البحر، 56 خرقًا بالأعيرة النارية). وفي المقابل، اتهم الجيش الوطني الميليشيا بقصف مواقعه بجبهات صرواح وهيلان في مأرب، فضلًا عن استمرار حشد مقاتليها في جبهات الجوف ومأرب. كما أطلقت قذائف على جبل الهان والصياحي ووادي حذران غربي تعز، فضلًا عن إسقاط الجيش ثلاث طائرات دون طيار في "صرواح".

وفي هذا السياق، من المتصور أن هناك العديد من المؤشرات يصعب في ظلها التزام الطرفين بالهدنة، منها على سبيل المثال:

1 - البُعد الجيوسياسي في المشروع الحوثي: والذي تحشد له الميليشيا كل قدراتها وإمكانياتها من أجل السيطرة على جبهة مأرب–الجوف، لا سيما وأنها أحرزت بعض التقدم على تلك الجبهات، وبالتالي لا يمكنها أن تتراجع عن هذا التقدم. ففي الساعات الأولى لإطلاق الهدنة (الخميس 9 أبريل) شنت الميليشيا هجومًا عكسيًا على معسكر "الخنجر" الذي كانت سيطرت عليه في السابق واستعاده الجيش. ولا يُعتقد أن الميليشيا تريد أن توقف عملية التصعيد قبل الاستحواذ على جبهة مأرب–الجوف التي تمثل لمشروعها حجر الزاوية من الناحية الجيوسياسية، حيث تستكمل بالحصول على تلك المواقع جغرافيًّا "الدولة المتوكلية"، وهو ما يفسر التصعيد متعدد الجبهات الذي تخوضه الميليشيا على أكثر من جبهة من بينها "تعز" حاليًّا. وكذلك الموقف بالنسبة للجوف المحافظة الحدودية مع السعودية، ولا يُعتقد أن ما بعد هذه الحدود (إقليم حضرموت) يمثل لها أهمية إستراتيجية. كما أن هناك رمزية مهمة في إسقاط مأرب، تتمثل في كونها مركز قيادة تحالف استعادة الشرعية، وبالتالي تريد القول إنها هزمت مشروع الشرعية وحلفاءها في الأخير، وأنها بعد أكثر من خمس سنوات على الحرب توسعت في مناطق السيطرة وليس العكس.

2 - انهيار آلية الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة: فخلال الشهر الأخير استهدفت الميليشيا الحوثية أكثر من نقطة لمراقبة إطلاق النار، مما اضطر القائمين عليها إلى إخلائها. ومؤخرًا اضطر فريق المراقبة بقيادة الجنرال الهندي "إبجيهيت جوها" إلى الانسحاب نهائيًّا تحت ضغط المخاوف من ظهور "الجائحة".

3 - "جائحة كورونا" تمثل "فرصة" وليس "تهديدًا" للميليشيا: حتى الآن، من الواضح أن الميليشيا الحوثية وظفت التحذيرات العالمية الخاصة بالجائحة في الاستمرار في دعم تحركاتها العسكرية، فقد دفعت بطلبة المدارس إلى الجبهات بعد وقف الدراسة نهائيًّا لتعويض خسائرها البشرية في تلك الجبهات. كما استمرت في عمليات الجباية المالية لتمويل قواتها على الجبهات. وبالتالي، من غير المتصور أن تشكل جائحة "كورونا" دافعًا لدى الميليشيا لوقف الحرب، فنتائج الحرب التي أوقعت 100 ألف قتيل على مدار خمس سنوات لم تكن رادعًا لها لوقف الحرب، وبالتالي لا تتوقع الميليشيا أن يكون ضحايا الجائحة بمثل هذا العدد. وهناك سوابق أخرى في اليمن الذي أنهكته أوبئة "حمى الضنك" و "الكوليرا"، لتوقف الحرب في المواقع التي ظهرت فيها.

4 - الموقف الدفاعي للجيش: في ظل استمرار الهجمات الحوثية على مواقع الجيش فسيتخذ موقفًا دفاعيًّا في محاولة لإحباط الهجمات الحوثية، وبالتالي يعتبر نفسه في موقع دفاعي، وهو ما قد يفسر تحركاته العسكرية في بعض الجبهات.

5 - أولويات قيادة التحالف: فقد تكون المواجهة مع الحوثيين أولوية لدى التحالف كهدف دائم، لكن في مراحل مختلفة هناك متغيرات تفرض نفسها على الأولويات، فهناك اتجاه سعودي للتركيز حاليًّا على ترتيب الأوضاع في الجبهة الجنوبية في اليمن، خشية انهيار الأوضاع الأمنية والسياسية في ضوء مخرجات اتفاق الرياض.

وإجمالًا، تُشير محصلة هذه المؤشرات إلى أنه من غير المتصور أن تتحقق الهدنة وفق المعطيات الخاصة بأطراف التصعيد، والأهم من بين هذه المؤشرات ما يتعلق بالموقف من جائحة كورونا، إذ إنها لا يمكن أن تشكل الدافع إلى نقطة تحول في مواقف الأطراف، إضافة إلى تطور المواقف على الجبهات، لا سيما بالنسبة للميليشيا التي ترى أنها ليس عليها أن تضحي بتقدمها على المحاور الإستراتيجية. وفي المقابل، يرى الجيش أنه إذا كانت الهدنة سببًا لتجميد تحركاته لاستعادة المواقع التي فقدها فليس عليه أن يضحي أيضًا بالمزيد منها.

الهدنة والتسوية.. ارتباط تحكمي
الربط بين الهدنة واستئناف عملية التسوية يبدو نوعًا من الارتباط التحكمي، في ظل تجربة التسوية الخاصة بالأزمة اليمنية. ففضلًا عن أنه لم يحدث في أي محطة تفاوض جمعت أطراف الأزمة (جنيف، الكويت، استكهولم) أن توقفت عملية التصعيد، فإن هناك نقطة جدلية كاشفة في هذا السياق هي تعدد رؤى التسوية المطروحة في ظل غياب القواسم المشتركة في الغالب فيما بينها، وكل الأطراف سبق أن اختبرت مسار التسوية، وتدرك ما هي طبيعة الرؤى المقدمة وما وراءها. وما تقدمه الميليشيا الحوثية في رؤيتها هو محاولة للضغط على القوى الدولية والإقليمية لاعتماد مشروعها المدعوم إيرانيًّا، وبالتالي أيضًا لا يمكن إغفال موقف إيران من العرض الحالي الخاص بالهدنة على الجانب الآخر، وهو ما يظهر بشكل رسمي، لكن تعكس مواقف طهران الإقليمية -لا سيما في العراق- استغلال الظرف الراهن للتصعيد لتحصيل المزيد من أوراق الضغط.

في المقابل، يمكن القول إن التحالف لديه ثوابت للتعاطي مع ملف التسوية، ويشكل التراجع عنها تحديًا قد يتطلب إعادة النظر في الملف برمته، وقد تكون ارتداداته عكسية في المستقبل. هناك أيضًا مشروعات تسوية فشلت وتجاوزها الواقع، لا سيما مشروع استكهولم، وهناك اتجاه لوسطاء لإعادة إحياء مشروع "مبادرة كيري" التي سبق وتقدم بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "جون كيري"، وعملت الإدارة الأمريكية الحالية على إعادة بلورتها في الغالب بالتعاون مع سلطنة عمان، الوسيط بين الأطراف حاليًّا.

المبادرة تمثل طوق نجاة لإنقاذ دور البعثة الأممية في اليمن. فقد أظهرت آخر الجولات التي قام بها المبعوث الأممي "مارتن جريفيثس" إلى مأرب الشهر الماضي لوقف الحرب، عدم استجابة القوات المشتركة لطلبه بوقف الحرب.

إجمالًا، يمكن القول إنه من المتصور وجود تباين في اللغة السياسية التي يتحدث بها أطراف الأزمة اليمنية، وهو ما قد يُهدر الفرصة المتاحة لإنهاء الحرب في اليمن. فالتحالف حاليًّا يعرض مبادرة تحت إلحاح الموقف الإنساني. وفي المقابل يتحدث الحوثيون عن "صفقة" لإنهاء الصراع الذي يعتقدون أنهم أوشكوا على حسمه لصالحهم. وبالتالي ستبقى المعضلة اليمنية قائمة في المستقبل المنظور، ولن تكون هناك نقطة تحول في هذا المسار بفعل الإرادة السياسية. ولكن هناك سيناريو أصبح يفرض نفسه الآن على هذه المعادلة، وهو دخول جائحة "كورونا" كعامل ضاغط على أطرافها، وربما لن يتغير الموقف الحوثي قبل أن يستوعب هذا الضغط.

"مركز مصر للدراسات"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى