الحظر زمن الحجاج "قصة قصيدة"

> محمد حسين الدباء

> يروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي فرض حظر التجوال بعد مغيب الشمس، فأمر صاحب الشرطة بأن يطوف في الطريق فإذا رأى أحداً يقطع رأسه.
وقد روي أن بعض الحراس وجدوا ثلاثة صبيان يلعبون فأمسكوا بهم وراحوا بهم إلى السجن، وعلم صاحب الشرطة، بذلك وطلب من الحارس أن يعرف من هم قبل أن ينفذ حكم الأمير.

سأل صاحب الشرطة الأولاد عن آبائهم فأجاب الأول:
أنا ابن من دانت الرقاب لـه
ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهـي صاغرة
يأخذ من مالها ومن دمها

فخيل لصاحب الشرطة أنـه ابن حاكم كبير من الحكام أو من أقارب الأمير، وطلب منه الانصراف.
وسأل الثاني السؤال نفسه فأجاب:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره
وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره
فمنهم قيامٌ حوله وقعودُ

فظن صاحب الشرطة أنه ابن واحد من أشراف المدينة وأكابر القوم، فأذن له بالانصراف.
فسأل الفتى الثالث السؤال ذاته فأجاب:
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه
وقوّمها بالـسيف حتى استـقلتِّ
ركاباهُ لا تنفك رجلاهُ منهما
إذا الخيل في يوم الكريهة ولّتِ

فخيل له أن هـذا الفتى ابن فارس عظيم لا يشق له غبار، فأذن له بالانصراف.
في صباح اليوم التالي سأل الحجاج صاحب شرطته: هل قطعت رقاب الذين خالفوني؟
فقال: لا فقد تبين لي أنهم من أبناء الأشراف فأطلقتهم.
فسأله الحجاج: وكيف ذلك؟ فقال صاحب الشرطة: لقد سألتهم فأجابوني شعراً وحكى له ما قال الأولاد.
فضحك الحجاج حتى استلقى على قفاه، وقال:

أما الأول فهو ابن حجام (المشتغل بالحجامة فكل من يأتيه يطأطئ عنقه فيسحب من دمه).
وأما الثاني فهو ابن فوّال (والقدر هنا قِدر الفول أي لا تنزل عن النار وإذا نزلت يعيدها).
وأما الثالث فهو ابن خياط (أو حائك والركاب للنول والصفوف القماش والسيف الإبرة).

ثم جمع الحجاج الناس وروى لهم ما جرى وقال:
علموا أولادكم الأدب، فوالله لولا فصاحتهم لقطعت أعناقهم، ثم أنشد قول علي ابن أبي طالب:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من قال هأنذا
ليس الفتى من قال كان أبي.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى