أثر الاجتياح الإسلامي وجائحة كورونا في جنوب اليمن

> بدر قاسم محمد

> المتلازمة التاريخية بين الإسلام والعروبة دائما ما تفكك بمتلازمة الحدث التاريخي لعملية خطف الإسلام خارج المنطقة العربية من قبل قوميات غير عربية والعودة به وتصديره للعرب بصورة مشوهة ومستفزة لقوميتهم. حدث كهذا تحقق في عهد الدولة العثمانية التي على إثر سقوطها قامت ثورات القوميين العرب في المنطقة، ويحدث هذا حاليا بمحاولات كل من إيران وتركيا خطف الإسلام خارج المنطقة العربية والعودة به في صورة ممسوخة إليها (شاهد على ذلك قمة ما ليزيا المنعقدة مؤخرا بمقاطعة عربية واسعة)، الأمر الذي استدعى ولأول مرة في التاريخ تشكل ما بات يُعرف بـ "التحالف العربي" وبمباركة دولية.

إلى جانب هذا تلعب كل من إيران وتركيا حاليا أدوار القطبية الإسلامية، إيران القطب الإسلامي الشرقي وتركيا القطب الإسلامي الغربي.

هذه القطبية لا تستعدي بعضهما بعضا، فما قد يبدو تفاهما رأسيا بينهما على المستوى السياسي الثنائي كدولتين (إيران/ تركيا) يترجمه أداؤهما أفقيا على الساحة العربية، في صورة جماعتين إسلاميتين إحداهما تمثل الإسلام السياسي الشيعي، والأخرى الإسلام السياسي السني (تسريبات ويكليكس المنشورة في مجلة إنتراسبت الأمريكية).

في اليمن مثلا، ما حاول تمثيله العداء العقائدي بين السنة والشيعة كقاعدة كسرته جماعتا الإسلام السياسي بتفاهمهما (جماعة الإخوان المسلمين وجماعة الحوثيين)، مؤخرا ترك القطب العثماني للقطب الفارسي حرية السيطرة والتمدد على كامل الشمال اليمني. قبل هذا كان العثماني مكتفيا من الكعكعة اليمنية بالقطع الصغيرة الوسطى (محافظتي مأرب وتعز)، بتنازل جماعة الإخوان المسلمين عن محافظة الجوف وأجزاء كبيرة من مأرب للحوثيين، وانطلق ليدشن خط تدخله الساخن جنوبا وهو يبدي رغبة جامحة في التوغل بدأت تتصاعد من موقع قاعدته العسكرية في القرن الأفريقي "الصومال" المطل على عدن (تقرير لـ "سكاي نيوز" بعد فشله في سواكن.. مخالب أردوجان تتجه للصومال).

- يظهر التدخل التركي في الجنوب حاليا في أفق تبدو فيه فرص نجاحه منعدمة بأداء يشبه آخر أداء للدولة العثمانية (إمبراطورية الرجل المريض)، فالدور التركي المتقهقر لصالح الدور الإيراني في اليمن لا يلبس شخصية القوى الفتية الصاعدة بقدر لبسه شخصية القوى الهرمة الآفلة.

- ما تفعله تركيا جنوبا يبدو نوعا من العبث والتعطيل ونشر الفوضى في منطقة سيطرة التحالف العربي أكثر منه سيطرة وتمكين، وهذا هو تماما ما يجعل تهمة إدارة الإرهاب والفوضى لائقة على تركيا.

- هذان الدوران لكل من إيران في الشمال اليمني وتركيا في الجنوب، ضد تواجد التحالف العربي وأمنه القومي تثيران النزعة العروبية أولا بمحاولة خطفهما للإسلام خارج المنطقة العربية، وثانيا بالعودة به وتصديره إلى نفس المنطقة بصورة مشوهة وبشكل فوضوي وعابث وإرهابي.

ما لم تستطع أحداث العالم الأخيرة فعله والدفع به إلى الواجهة استطاع وباء كورونا فعله، فمنذ وقت مبكر اشتعلت النزعة القومية في الجزء الشرقي من العالم في صورة حروب ونزاعات، بينما في صورة حراك سياسي محتدم اشتعلت النزعة القومية في الجزء الغربي. ففي الشرق تحديدا في ولايات الشرق الأوكراني انتهت أزمة شبه جزيرة القرم بانفصالها عن أوكرانيا وانضمامها لروسيا بوازع قومي، وكذلك الأمر مازال ساريا على ولايات الشرق الأوكراني، سئل الرئيس بوتين عن صرعة النزعة القومية من قبل أحد كبار الكتاب الروس في أحد لقاءاته الصحفية السنوية، فأجاب إن القومية ليست صرعة بل هي مشاعر وطنية.

وفي الشرق الأوسط كذلك تشكل "التحالف العربي" في صورة قومية ضد تدخلات المد الإيراني الفارسي والتركي العثماني. صورة الشرق الأوسط ألآن شبيهة بمثيلتها مطلع القرن العشرين عن تنامي الفكر القومي.

في الغرب سعت بريطانيا إلى الانتصار لقوميتها من عبث "الاتحاد الأوروبي" وقوانينه بها، وفي سبيل ذلك اختارت الخسارة الاقتصادية وخرجت أخيرا من الاتحاد الأوروبي. في أمريكا صعد التيار اليميني المتطرف بقيادة الرئيس "ترامب" إلى الواجهة حاملا شعار "أمريكا أولا" واعدا ببناء حائط على طول الحدود مع المكسيك لحماية أمريكا، ومدشنا جملة من قرارات طرد اللاجئين والعمالة الخارجية. وفي فرنسا كادت المرشحة اليمينية "ماريا لوبن" أن تصل إلى الرئاسة كما شهدت باقي أوروبا طفرة صعود للفكر اليميني القومي أمام موجة النزوح الشرق أوسطي والأفريقي من الحروب والنزاعات إلى أوروبا.

لكن كل هذه الأحداث لم تستطع زحزحة العالم وحمله إلى تعاطي الفكر القومي، بسبب عوامل عدة لعل أهمها هذا النوع من التشبيك الاقتصادي المتداخل الذي أحدثته طفرة التطور التكنولوجي والعولمة.
أخيرا ما بدأته هذه الأحداث يبدو أن فيروس كورونا أنهاه وأجبر العالم على اتخاذ وضعية الانكفاء القومي والاعتماد على الذات، وقضى قضاء مبرما على كل مظاهر العولمة والتشبيك الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، فقد أستطاع فيروس كورونا أن يحيل العالم إلى صورة عالم مقعد قومي.

لكنّا مازلنا لا نعرف هل ما يحدث هو إقعاد قسري للعالم أم تقاعد اختياري؟

فهناك الكثير جدا من الرؤى والتحليلات السياسية المتحدثة منذ وقت مبكر عن فشل نظام العولمة العالمي، وبالمقابل هناك رؤى تذهب إلى أن فيروس كورونا سلاح بيولوجي تم استخدامه عن عمد.

وعلى صعيد متصل بفيروس كورونا يتصاعد الحديث عن انهيار النظام الرأسمالي بالتوازي مع صمود ونجاح النظام الاشتراكي في الصين. هذا ما بدا وكأنه استحضار للقطبية الثنائية البائدة، أيضا تقوم النزعة القومية المتشكلة حديثا على هذا النوع من الثنائية القطبية.

ومن العموم العالمي إلى الخصوص اليمني ينقلنا حديث الخبير السياسي وفيق إبراهيم لوكالة سبوتنيك الروسية عن التمدد المفاجئ وسيطرة الحوثيين على أراضي واسعة ومتاخمة للسعودية من الشمال اليمني، بما أسماه بـ "توازن القوى الجديدة" في المنطقة. يبدو توغل التحالف العربي في اليمن جنوبا وقد أحال الجنوب إلى جنوب عربي بينما أحالت نزعة المقاومة والممانعة والإيغال الإسلامي، الشمال إلى يمن إسلامي غير عربي.

ما ذهب إليه وفيق أكدته مسودة مبادرة الحوثيين للسلام في إحدى نقاطها التي نصت على تكفل الجانب السعودي بإعاشة القوات المسلحة اليمنية لمدة عشرة سنوات قادمة، هذا الشرط مستجلب من ذاكرة الاتفاقات السياسية بين الشمال اليمني والسعودية، اتفاق الطائف مع الإمام يحيى عام 1934م واتفاق ترسيم الحدود مع الرئيس صالح في العام 2001م، إعاشة القوات المسلحة اليمنية مقابل السلام الحدودي مع السعودية. مؤخرا عمليا سيطر الحوثيون على المحافظة الحدودية الجوف وهم يتجهون للسيطرة على مأرب المحافظة الحدودية مع الجنوب، لتتزامن السيطرة على السلاح والعتاد ما بدا وكأنه عملية تسليح غير مباشرة لجيش الحوثيين، حاليا نظريا يطرح الحوثيون شرط إعاشة جيشهم مستقبلا.

فيما يخص ما وصفها وفيق بـ "توزان القوى الجديدة" في اليمن، بدا أمر كهذا واضحا في انقسام الدول الخمس حول مشروع القرار المقدم من قبل بريطانيا لمجلس الأمن في أواخر فبراير 2020م الذي عارضته كل من روسيا والصين، الجدير بالذكر أن الأحداث المتسارعة في الشمال اليمني جاءت عقب هذا الانقسام.

الأجدر بالذكر أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي كان قد التقى في وقت سابق في العاصمة الإماراتية أبوظبي عل التوالي بكل من: السفير الأمريكي لدى اليمن، والسفير الروسي لدى أبوظبي، خرج الأمريكي من اللقاء بتصريح نص على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، في إشارة سياسية يعتقد كثيرون أنها تخص الشمال اليمني ولا تخص الجنوب الذي يبدو أنه عربيا أكثر منه يمنيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى