«زواج القاصرات» باليمن: حين تخلصت هند من زوج يواجه الإعدام!

> تقرير/ صفية مهدي

> ليست ظاهرة زواج الصغيرات أو القاصرات بجديدة في اليمن. بيد أن هذه الظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة وانتشرت على نطاق واسع بسبب الأوضاع الكارثية التي خلفتها الحرب.رغم ذلك تمكنت الطفلة "هند" من الإفلات من هذا القيد. كيف؟
بابتسامة المنتصرة، تواصل اليمنية "هند ع." (12 عاماً) حياتها وتستقبل زائريها، بعد أن نجحت والدتها باستصدار حكم قضائي ألغى عقد قران أبرمه والدها القابع في سجنٍ منذ تسع سنوات، لتزويجها برجلٍ محكومٍ بالإعدام تعزيراً. وتعتبر حالة هند من الحالات النادرة بين أعداد كبيرة من اليمنيات، يقعن ضحية ظاهرة زواج الصغيرات التي تفاقمت في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المأساوية بسبب الحرب المستمرة منذ ما يزيد عن خمس سنوات.

"هند" هي طفلة تدرس في الصف السادس الأساسي (الابتدائي)، ولها أخت شقيقة، وأربع أخريات من أبيها الذي يقبع في السجن المركزي منذ أن كانت في الثالثة من عمرها، على خلفية قضية جنائية، في وقتٍ تكافح فيه والدتها فادية غ.، لإعالة أبنائه، وتسكن الأسرة في مسكن متواضع مؤلف من غرفتين في الأطراف الجنوبية الغربية للعاصمة صنعاء.

أثناء زيارة هند لأبيها السجين منذ شهور، تفاجأت به يخبرها أن عليها الاستعداد للزواج برجل يقبع إلى جانبه، في نفس السجن، وهو ثلاثيني، صدر ضده حكم بالإعدام تعزيراً بعد أن أدانته المحكمة بالتورط في تهريب وحيازة الحشيش المخدر.

في تلك الأثناء وفقاً لما تروي والدة هند لـDW عربية، كانت الأسرة ما تزال تعيش تفاصيل مأساة شقيقتها صابرين، والأخيرة عقد والدها قرانها بسجين من السجن نفسه، وتسبب زواجها بمضاعفات صحية بعد أن حملت دفعت زوجها إلى الموافقة على الطلاق مؤخراً، في حين أن وداد الأخت الأكبر لهند وصابرين، باتت أماً لطفلين، وعقد والدها قرانها في السجن، قبل بلوغها سن 18 ساعة.

كل ذلك، دفع والدة هند،  للذهاب إلى المحكمة لإسقاط ولاية زوجها السجين، عن بناته، وخاضت معركة قضائية انتهت بصدور حكم انتصر لقضيتها، بعد تأكدت المحكمة من أن الزوج الذي عٌقد له القران، سجين محكوم عليه بالإعدام. وكان قد أبلغها برسائل SMS بأنه سيتم أخذها "غصباً" إذا لم تذهب إليه خلال أسبوع، وعادة ما يتاح للسجناء اللقاء بزوجاتهم مرة في الأسبوع داخل السجن.

خارج السجون أيضاً
تمثل قضية هند، التي تحولت إلى قضية رأي عام في اليمن خلال فترة مطالبة والدتها بإسقاط ولاية أبيها عليها. لكن من الصعب بالنسبة لأولئك الفتيات اللواتي يعيش آباؤهن وأقاربهن خارج السجون، مقاومة ضغوط الزواج المبكر، كما هو حال منال (17 عاماً). فقد أجبرتها أسرتها على الزواج برجل يكبرها 20 عاماً، حين كانت في الـ 13 من العمر وانتهت التجربة إلى الطلاق بعد أن خلقت لها ذكريات شديدة القسوة.

تكشف منال لـDW عربية، عن أن معاناتها بعد الزواج في سن صغيرة كانت تزداد كل يوم، بعد أن وجدت نفسها غير قادرة على التعايش كزوجة، وتقول "كلما كبرت كنت أشعر أكثر بقسوة ما تعرضت له وفقدت الأمر".

الحرب تفاقم الظاهرة
يعد زواج الصغيرات أو القاصرات كما يُطلق عليه إعلامياً، مشكلة لطالما أُثيرت في اليمن، منذ سنوات طويلة، كما هو حال العديد من البلدان العربية بنسب متفاوتة، ولأسباب تلتقي وتبتعد من مجتمع لآخر. بيد أن اليمن، وبالإضافة إلى الأزمات المزمنة كالفقر والعادات الاجتماعية، جاءت الحرب بما خلفته من أزمة إنسانية كارثية وأوضاع اقتصادية صعبة للغالبية، لتمثل بيئة خصبة لاتساع رقعة الظاهرة (زواج القاصرات) والحد من البرامج التوعوية الهادفة للحد منها.

وبينما تتباين الأرقام بشأن الظاهرة، ذكر تقرير لمكتب تنسيق الأمم المتحدة في اليمن (أوتشا)، في مايو 2019، أن زواج الفتيات دون سن الـ 18 عاماً ارتفع نحو ثلاثة أضعاف بين عامي 2017 و2018.
من جانبه، يقول رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة في اليمن أحمد القرشي لـ DW عربية إنه على الرغم من عدم توفر إحصاءات دقيقة، إلا أن منظمته، تتوقع أن تزويج الصغيرات ارتفع بشكل غير مسبوق وبالذات خلال فترة الحرب من 2014.

ويضيف القرشي أن الزيادة تعود للعديد من الأسباب، منها عدم وجود نظام يحمي حقوق الأطفال وتوقف المحاكم والنيابات والشرطة عن أداء مهامها في أغلب المناطق اليمنية وخاصة في مناطق الريف التي يكثر فيها هذا النوع من الزواج. يضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتوقف دفع مرتبات الموظفين وتوقف الكثير من الشركات والمؤسسات، وصولاً إلى "فساد كبير" في الإغاثة الإنسانية وعدم وصولها إلى المستحقين.

ويتابع: "ننظر بقلق بالغ إلى جميع الانتهاكات والممارسات الماسة بحقوق الطفل في اليمن والتي تزداد بشكل كبير جدا ًفي ظل انعدام الحماية للضحايا بشكل شبه كامل".

الحالة قد تصل إلى الوفاة
في تصريح خاص لـ DW عربية، تسرد الإخصائية النفسية اليمنية، الدكتورة بلقيس أبو لحوم، جملة من الأسباب والآثار المترتبة على زواج الفتيات بشكل مبكر، وترى أن الفقر هو العامل الأول إذ "الدخل بالنسبة لراعي الأسرة شبه معدوم وهذه الأسر كثيرة الإنجاب فيضطر الأب والأم إلى تزوج بناتهم لأول متقدم للزواج دون مراعاه السن".
الإخصائية النفسية اليمنية الدكتورة بلقيس أبو لحوم
الإخصائية النفسية اليمنية الدكتورة بلقيس أبو لحوم

وفي حديثها عن الآثار، تقول أبو لحوم، إن العديد من الفتيات صغيرات السن يمررن بأوضاع كارثية. وتضيف كما أن بعضهن تصل حالتهن إلى الوفاة أثناء الولادة، في حين أن الناجيات من الموت، يعانين حالات نفسية وعصبية، وصولاً إلى آثار تنتقل إلى الأطفال، بسبب فشلهن في الزواج.
وتشدد على أهمية توفير المدارس حتى المرحلة الثانوية في الأرياف، حيث تُحرم نسبة كبيرة من الفتيات من إكمال التعليم لعدم توفر مدارس الثانوية في المناطق القريبة، وجملة من الإجراءات التوعوية المطلوبة من الجهات المعنية، بما فيها تحديد سن الزواج في القانون.

المصدر: DW

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى