حين تستحق الضحية مصيرها.. في اليمن الضحية جماعية

> مالك العثامنة

> حين يتعمق الشعور الذاتي للفرد بأنه ضحية، ويتعمق كثيرا في داخله حد الانعزال، فإنه يرسم بوعي أو بلا وعي منه حول نفسه دائرة بالطبشور، يعتقد بيقين إيماني راسخ أن الأمان في داخلها. ينمو الشعور بهدوء لتصبح الدائرة الطباشيرية هي المعتقد، خصوصا إذا اتسعت لمجموعة أو مجتمعات بكاملها!
في عالمنا العربي خصوصا، والمشرق عموما، ما تزال تراكمات التاريخ تنشر شعور "الضحية" لا على مستوى الأفراد وحسب، بل في مجتمعات بأكملها، تقوقعت على ذاتها بفعل ذات شعور الضحية، وبما يشبه حالة الرهاب المجتمعي من أي انفتاح على الآخر، أي آخر.

السني في العراق يشعر أنه ضحية الشيعي، والشيعي يشعر بذلك ويرهب من عودة السني، المسيحي يشعر بأنه ضحية المسلمين (شيعة وسنة)، الأيزيدي يشعر أنه ضحية كل محيطه، الكردي هو ضحية التركي وربما ضحية الجغرافيا رغم أنه الابن الشرعي للتاريخ، والتركي نفسه ليس واحدا موحدا، بل مجتمعات فيها الأرمني الذي هو ضحية الطوراني، والقروي الذي هو ضحية ابن المدينة، والعسكري الذي صار ضحية الدولة الديمقراطية، والديمقراطي ضحية حكم العسكر، والجميع اليوم ضحية السياسي المتعطش للسلطة مهما كان الثمن.

في إيران، الشعب بمجمله ضحية العمائم واللحى، والقوميات هي الضحايا الأقل حظا في توزيع العطايا والبركات.
القبطي هو ضحية الغالبية المسلمة في مصر، والإسلاميون هم ضحية العسكر، والعسكر أحيانا ضحية براكين غضب الإسلاميين، والمواطن حالة مفقودة في غياهب الاستبداد الشامل.

حتى على مستوى الفساد في الدول، الطبقة الوسطى تتحلل وهي تشعر بشعور الضحية أمام تغول نخب الفساد الممنهج والمدعوم بأشباح تملك السلطة (الأردن مثالا)، في سوريا كل السوريين ضحايا العلويين، والعلويون كانوا ضحايا كل السوريين، ويشعرون اليوم أنهم مشاريع ضحايا انتقام دموي وشيك، والكل ضحايا الاستبداد.
في لبنان، الكل ضحايا الكل، لا فضل لطائفة على أخرى.

في شمال أفريقيا، المغرب العربي تحديدا، الأمازيغ ضحايا العرب والتعريب، اليهود ضحايا العرب والمسلمين، القوميون ضحايا الإسلاميين، الإسلاميون ضحايا العسكرتاريا، وفي أطراف بعيدة ونائية الناس ضحايا الجهل.
في ليبيا الضحايا مفترسة إلى حد مرعب.

في الخليج الشيعة أقلية وهم ضحايا اضطهاد السنة، السنة يخشون من مشروع التضحية بهم على مذبح الأطماع الفارسية، الحرية والمساواة ضحية الجميع.
في اليمن الضحية جماعية والقضية ضد مجهول متعدد ومتوحش.

في إيران الشعب بمجمله ضحية العمائم واللحى، والقوميات هي الضحايا الأقل حظا في توزيع العطايا والبركات.

الإنسانية مفهوم أساسي وأصيل لكنه لا يجد مكانه في وجدان وعقل المشرق بعربه وعجمه، الإنسانية التي ترى الإنسان إنسانا بلا أي تزويق "أو تشويه" ديني أو قومي أو طائفي أو عرقي.
الكرامة الإنسانية ليست عبارة إنشائية تصلح لخطاب سياسي، بقدر ما هي مفهوم يعكس حقا طبيعيا لكل إنسان وهو حق يولد معه، تماما مثل حقه في الحياة.

تلك الكرامة الإنسانية ومفهوم الإنسان الكامن فيها هي البنية التحتية الكافية لبناء الدولة بمفاهيم حقيقية ملموسة مثل المواطنة والقانون والمؤسسات، فتصبح عبارات مثل عدالة ومساواة وحرية وعيش كريم عبارات واقعية يشعر بها الجميع، وينتهي شعور الضحية الكامن في أعماق هذا المشرق منذ قرون.
شعور الضحية الذي خلق مفاهيم يوتوبيا ساحرة ومسحورة غير واقعية، مثل مفهوم "الوطن" واشتقاقاته مثل الوطنية وتراب الوطن والوطني، لتصبح كلمة مواطن مزحة سمجة لا معنى لها.

في الخليج الشيعة أقلية وهم ضحايا اضطهاد السنة، السنة يخشون من مشروع التضحية بهم على مذبح الأطماع الفارسية، الحرية والمساواة ضحية الجميع
ما معنى الوطن بالضبط؟ غير تلك الجاذبية الرومانسية التي هي في الحقيقة بحث واهم عن جنة في وسط الجحيم.

الأوطان لا تتحقق، لكن الدولة هي التي تخلق الوطن، والوصول إلى الدولة يتطلب شجاعة ذاتية بالحد الأقصى، شجاعة لا تحتاج "تضحيات وطنية" بقدر ما تحتاج وعيا مسلحا بالمعرفة ومتخما بالإنسانية، حينها تنهار بسهولة كل الأوهام الساذجة، وتصبح الرؤية غاية في الوضوح.
كيف يمكن أن تقول إنك متجرد بوعيك، وأنت تهتف للزعيم والرئيس والقائد الملهم؟ أليس هذا مصادرة لحقك في التفكير وكرامتك الإنسانية؟

كيف تكون مدعيا للوعي وأنت تتلقى حقوقك بصيغة الفتات صاغرا وممتنا لمكرمات من تراه ولي النعمة؟
أي وعي هذا وادعاؤك بالمواطنة يتلاشى أمام نصف أمي ونصف جاهل تؤمن بيقين أنه طريقك إلى الله؟

أي وعي ومعرفة وعلم تدعيه، وأنت تكسر المعرفة وتذبحها وتقدمها قربانا للقبيلة والعشيرة والطائفة ورموزها التي تعملقت بالفساد؟
آن الأوان أن تقتل الضحية في داخلك بيدك، فبعض الضحايا أحيانا تستحق مصيرها.

*قناة الحرة -

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى